الفتنة الطائفية خطر يحدق بالأمة الإسلامية، ولكن للأسف الأطماع الاستعمارية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بإعادة إحياء المشروع الفارسي الكبير وقعت وأوقعت نفسها في شرك العداء مع الطائفة السنية، وهذا الخطأ الإستراتيجي الذي وقعت به إيران أضعف المنطقة بأسرها، والمستفيد الوحيد هو المشروع الصهيوأمريكي بالمنطقة.
لم يتوقف السلوك الإيراني عند هذا الحد، فالعلماء الشيعة ساهموا بقصد أو بدون قصد في تعزيز العداء من خلال الطعن في معتقد أهل السنة، وهذه البيئة المعادية لأهل السنة أخرجت من رحم الطائفة الشيعية في إيران التطرف والعنف والكراهية، حيث يتعرض المسلمون السنة لمذابح وجرائم في الداخل الإيراني، ولم يتوقف السلوك الإيراني عند هذا الحد، حيث أنشأت إيران قوات الحشد الشعبي، وهي كتائب طائفية بامتياز، تمارس أبشع الجرائم بحق أهل السنة في العراق وغيرها.
الدولة الإيرانية تنفي عن نفسها تلك الاتهامات، وتستفيد من دعمها لحركات إسلامية سنية في نفي التهم الطائفية لها، حيث يسجل لإيران أنها الدولة الإسلامية الوحيدة التي دعمت المقاومة الفلسطينية وعلى وجه الخصوص حركة حماس بالسلاح والمال، وكل أشكال الدعم اللوجستي، حتى اندلعت الثورة السورية، فكان مطلوب من حركة حماس ثمنًا سياسيًا مقابل الدعم الإيراني والسوري وحزب الله اللبناني، فرفضت حماس ذلك وانحازت للشعب السوري وللأمة الإسلامية، فأوقفت إيران ومحورها الدعم عن حركة حماس، وكان لهذا القرار الإيراني أثرًا واضحًا على مؤسسات حماس، فالحكومة الفلسطينية التي شكلتها حماس أوقفت صرف رواتب موظفيها كاملة، والجامعة الإسلامية تعاني أزمة مالية حادة ولم تتمكن منذ شهور من صرف أكثر من 50% من رواتب موظفيها، ونفس الحال مع باقي مؤسسات حماس السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية والاجتماعية.
لكن الذكاء الإيراني والذي يجب أن نقر به لم يغلق كل أبواب الدعم، فترك الباب مواربًا لبعض الدعم العسكري لكتائب القسام، حيث تهدف إيران وحلفاؤها إلى إحداث توازنات داخل المطبخ السياسي لحماس وعدم قطع شعرة معاوية، وكأن إيران تمتلك قناعة راسخة وتراهن بأن الدول العربية لن تقف أو تدعم حركة حماس، وأن الحركة في نهاية المطاف ستعاني أزمة مالية خانقة، وستعود للحضن الإيراني الدافئ، ومن هنا قد يكون موقف حماس من اغتيال سمير القنطار نابع من مرتكزين هما:
1- سمير قنطار اغتيل من الاحتلال الإسرائيلي وبذلك تعمل حماس كل ما بوسعها لإعادة تصويب البوصلة باتجاه الاحتلال.
2- رغبة حماس في ترميم علاقاتها مع إيران وحزب الله، دون المساس بعلاقتها بالآخرين.
رغم اجتهاد حماس بذلك وإصدارها بيان نعي للقنطار، إلا أن ذلك أثار موجة جدل واستنكار من أوساط صديقة لحماس رسمية وشعبية، ولم يقتصر الجدل على ذلك بل وصل لداخل القاعدة الحزبية للحركة الإسلامية، فالمواءمة كانت صعبة، فحماس غير راضية بالمطلق على ما تقوم به المليشيات الإيرانية في العراق وسوريا واليمن.
ولكن قبل جلد حماس حول موقفها من بيان نعي سمير القنطار لا بد من التأمل والتفكير بشكل جدي بالأسئلة التالية، وأتمنى بأن تصل لصانع القرار العربي وعلى وجه الخصوص السعودي.
1- هل قامت الدول العربية السنية بتوفير حاضنة مالية وسياسية وإعلامية لحركة حماس ولفصائل المقاومة الفلسطينية كبديل للحاضنة الإيرانية؟
2- هل كافأت الدول العربية حماس بعد مواقفها من الثورة السورية واليمنية، بقيادة وساطة حقيقية لإنهاء الانقسام الفلسطيني، وترميم علاقة حماس بالشقيقة مصر، بما يضمن رفع الحصار عن قطاع غزة والقبول بحماس كأحد أركان النظام السياسي الفلسطيني؟
3- هل قامت الدول العربية والإسلامية بمراجعة نظرية ملء الفراغ التي استفادت منها إيران بالتغول والتوغل في المنطقة العربية والأفريقية والإسلامية؟
4- هل طبقت المملكة نظرية احتواء الإسلام الوسطي المعتدل عبر احتواء المقاومة الفلسطينية التي تنسجم والقانون الدولي الإنساني، وعلى وجه الخصوص حركة حماس؟
خلاصة القول: بحكم متابعتي لمجريات الأمور فإن عيون قواعد حماس وكوادرها هي باتجاه العمق السني، ولكن العقل والمنطق باتجاه إيران، والسبب لا يحتاج لتفكير كثير، بل هو نابع من غياب الحاضنة السنية العربية لحركات المقاومة الفلسطينية، فهناك مقولة للأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان عبد الله شلح عندما سألوه عن ولائه لإيران فقال: “ليدعم المقاومة أهل السنة ودولها وعلى رأسها السعودية، ولن نطلب شيئًا من إيران”.