يعد مرض الزهايمر أحد أعنف الأمراض وأكثرها تكلفة وتعقيدًا، ولكن قد يكون العلم قد اقترب من العثور على السبب خلف حدوثه.
جاء أول ذكر لمرض الزهايمر من قِبل الطبيب الألماني “الويسيوس الزهايمر” في عام 1906، وذلك عندما جاء إليه مريض تم تشخيصه فيما بعد بأنه مريض بالزهايمر يدعى “أوغست”، على أنه مصاب بـ “مرض غريب”، وكان حين ذلك لا يعلم سوى القليل عنه، حيث أشار بأن أعراضه تشمل فقدان الذاكرة، والإصابة بشكوك لا أساس لها، وفقدان المهارات المعرفية.
بعد مرور أكثر من قرن من الزمان، أصبح حوالي 5.1 مليون شخص في أمريكا وحدها يعيشون مع مرض الزهايمر، الذي أصبحنا نعلم الآن بأنه مرض عصبي تنكسي، وفي حين أن العلماء قطعوا بالفعل أشواطًا كبيرة في معرفة ما يحدث ضمن أدمغة الأشخاص الذين يعانون من هذا المرض، إلّا أن سبب حدوثه لايزال غير معروف تمامًا.
في ظل عدم معرفة سبب أو علاج الزهايمر، أصبح هذا المرض منتشر بشكل كبير، وهذا أسفر بدوره عن حصده لأرواح تفوق بكثير عدد الأشخاص الذين يموتون نتيجة للإصابة بسرطان الثدي وسرطان البروستاتا مجتمعين، وبسبب الرعاية التي يتطلبها مريض الزهايمر في مراحله المتأخرة والتي عادة ما تكون على مدار الساعة، فإن هذا المرض يعتبر أحد أكثر الأمراض تكلفة مادية أيضًا.
يعتبر مرض الزهايمر – والذي يحتل المرتبة السادسة من بين الأسباب العشرة الأكثر تسببًا بالوفيات – الوحيد الذي لم يتمكن العلماء بعد من إبطائه أو إيقافه أو منعه، وذلك على الرغم من أنهم يقومون بالعديد من الدراسات لتحديد السبب الكامن خلفه ولإيجاد علاج ممكن له.
تم نشر عشرات الدراسات حول هذا المرض في هذا العام، سواء من ناحية عوامل الخطر المحتملة أو سبل تقليل المخاطر، وكما هو الحال مع الدراسات في أي مجال، فقد كان بعضها أضعف من غيره، ولكنها معًا استطاعت تقديم علامة دامغة على التقدم نحو إيجاد حل محتمل، وإليكم الدراسات الست الأهم التي توصلت لاكتشفات مذهلة بمجال مرض الزهايمر هذا العام.
النظر بسلبية للتقدم بالعمر يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالزهايمر
في ديسمبر، وجدت دراسة قام بها فريق من الباحثين في دراسة بالتيمور الطويلة الأمد حول الشيخوخة (BLSA)، دليلًا على أن وجهات النظر السلبية حول الشيخوخة يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بمرض الزهايمر، وقد ركزت الدراسة على حجم تلفيف الحصين لدى مجموعتين من الرجال، إحداها تمتلك وجهة نظر سلبية حول التقدم بالعمر، والأخرى تمتلك وجهات نظر إيجابية حول الموضوع.
وجد الباحثون بأن معدل الانخفاض في حجم الحصين لدى المجموعة التي كانت تمتلك وجهات نظر سلبية حول التقدم بالعمر يزيد بمقدار ثلاثة أضعاف عن المجموعة التي تمتلك وجهة نظر إيجابية حول الموضوع، وانكماش خلايا الدماغ – وخاصة تلك التي توجد في منطقة تلفيف الحصين – تعتبر واحدة من أهم خصائص مرض الزهايمر.
من الأساليب الأخرى للتعرف على مرض الزهايمر هو التراكم الشاذ للبروتينات، وهو الأمر الذي كان موجودًا بشكل أكبر لدى المجموعة التي تمتلك وجهة نظر سلبية حول التقدم بالعمر أيضًا.
ولكن على أي حال الدراسة لم تكن تخلو من العيوب، فقد كان عدد المشاركين في الدراسة لا يتخطى الـ52 شخصًا فقط، لذلك فهي لا تثبت بالضرورة وجود علاقة السببية.
زيت الزيتون يمكن أن يساعد على تقليل مخاطر الإصابة بمرض الزهايمر
قدم العلم في هذا العام المزيد من الأدلة التي تدعم النظرية التي ظهرت منذ فترة طويلة والتي تقول بأن النظام الغذائي الغني بزيت الزيتون قد يساعد في حماية الدماغ من مرض الزهايمر، تبعًا لدراسة تم إجراؤها من قِبل جامعة راش، والتي ركزت على وجه التحديد حول تأثير اتباع نظام غذائي يسمى (MIND).
خلال الدراسة قام الباحثون بتتبع ما يزيد عن 900 أمريكي في منتصف العمر كانوا يتبعون نظام (MIND) الغذائي على مدى خمس سنوات، وهذا النظام كان يعتمد بشكل أساسي على أطعمة مثل الأسماك والحبوب والخضروات، والدهون الصحية، ومن خلال ذلك وجد الباحثون بأن المشاركين الذين اتبعوا الحمية الغذائية (MIND) “بشكل صارم”، انخفض لديهم خطر الإصابة بمرض الزهايمر بنسبة 53%، في حين أن أولئك الذين اتبعوا النظام الغذائي بشكل “جيد إلى حد ما” انخفض لديهم خطر التعرض لمرض الزهايمر إلى الـ35%.
اضطرابات النوم يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بمرض الزهايمر
خلال دراسة أجريت على الفئران في مختبرات جامعة كاليفورنيا بيركلي للنوم وتصوير الأعصاب، وجد الباحثون دلائل على أن اضطرابات النوم تزيد من خطر الإصابة بمرض الزهايمر، فكما تبين، النوم يسمح للدماغ بالتخلص من “البروتينات السامة” التي عادة ما تكون متراكمة في أدمغة الأشخاص الذين يعانون من مرض الزهايمر.
شبه الباحث الرئيسي للدراسة هذه العملية بغسالة الصحون التي تزيل “البروتينات الوسخة”، ولأن الفئران التي تعاني من اضطرابات النوم كان لديها وقت أقل للتخلص من السموم، فإن هذا تسبب بتراكم الأوساخ في دماغها، وتبعًا للباحثين، فإن هذا التراكم يمكن أن يضعف من الوظائف العقلية مثل التعلم وتشكيل الذكريات الجديدة، وهذا ما أدى بهم إلى استنتاج أن اضطرابات النوم المزمنة قد تكون “عاملًا من عوامل المخاطر البيئية التي تساهم في الإصابة بمرض الزهايمر”.
تناول القهوة قد يقلل من مخاطر الإصابة بمرض الزهايمر
أخبار جيدة لمحبي القهوة، وجد الباحثون أدلة هذا العام على أن القهوة يمكن أن تساعد في التقليل من خطر الإصابة بمرض الزهايمر، وكانت الدراسة جزءًا من تحليل كبير لأسباب الوفيات تم إجراؤه من قِبل كلية هارفارد للصحة العامة.
من خلال تحليل عينات مأخوذة من أكثر من 90.000 امرأة و40.000 رجل، وجد الباحثون أن استهلاك القهوة له “علاقة عكسية كبيرة” مع حالة الوفاة التي تحدث نتيجة للأمراض العصبية مثل مرض الزهايمر.
لم تكن قدرة القهوة على خفض المخاطر المحتملة للوفاة نتيجة الإصابة بمرض الزهايمر هي الشيء الوحيد المكتشف، حيث وجد الباحثون أيضًا بأن الأشخاص الذين يتناولون القهوة بانتظام يكونون أقل عرضة للوفاة نتيجة مجموعة من الحالات الأخرى، بدءًا من الانتحار إلى أمراض القلب، لذلك استنتج الباحثون بأن “المركبات النشطة بيولوجيًا” التي تحتويها القهوة قد تكون المسؤولة عن ذلك، لكنهم مع ذلك شددوا على الحاجة لإجراء بحوث إضافية للتأكد من الأمر.
التوتر قد يزيد من خطر الإصابة بالزهايمر
قدمت دراسة أخرى تم إجراؤها في شهر ديسمبر سببًا آخر للتخلص من التوتر، حيث أشارت إلى أن زيادة مستويات التوتر قد يكون أحد عوامل الخطر التي تسبب مرض الزهايمر، وقد اعتمدت الدراسة التي تم نشرها في مجلة (Alzheimer Disease and Associated Disorders) على تتبع 500 شخص من البالغين على مدى ثلاث سنوات لقياس مستويات التوتر لديهم.
تم تحديد مستويات الإجهاد من خلال سلسلة من التجارب التي كان يتم إجراؤها في كل عام، ومن خلال ذلك تبين بأن الأشخاص الذين “يعتبرون” أنهم يعانون من مستويات أعلى من التوتر، كانوا أكثر عرضة لخطر الإصابة بالتدهور المعرفي المبكر، وتبعًا للباحثين، فإن أحد الأسباب المحتملة لذلك، هو زيادة مستويات الكورتيزول لدى الأشخاص المتوترين، مما قد يتسبب في إضعاف خلاياهم العصبية في الدماغ.
الكحول قد يقلل من خطر الزهايمر
أشارت أحدث دراسة تم إجراؤها من قِبل جامعة كوبنهاجن إلى وجود رابط بين الاستهلاك المعتدل للكحول وانخفاض خطر الوفاة لدى الأشخاص الذين يعانون من مرض الزهايمر، فمن خلال تتبع 320 شخصًا من الذين يعانون من الزهايمر، تبين بأن خطر الوفاة قد انخفض لدى المجموعة التي كانت تستهلك كميات معتدلة من الكحول بنسبة 77%.
لم يتمكن الباحثون من تحديد السبب الذي يجعل المشروبات الكحولية – والتي تتنوع بين الويسكي والبيرة – تؤثر على هذا الأمر، ولكنهم أشاروا إلى أن البحث مبني على دراسات سابقة تشير إلى أن تناول الكحول قد يكون له “تأثير وقائي” على الدماغ، ولكن على اعتبار أن هذه النتائج تتناقض بشكل مباشر مع الدراسات الأخرى التي تظهر الآثار السلبية للكحول على الدماغ، فلا زال هناك حاجة لإجراء المزيد من البحوث.