رفض الناطق الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين المهندس بادي الرفايعة وصف ما يحدث ويدور داخل الجماعة بـ “الانشقاق”، مشددًا على أن الجماعة تعيش بأحسن أحوالها ولحظاتها بالرغم من وجود هذا الخلاف والحوار، معتبرًا ما يحدث داخل أروقة الجماعة “أمر طبيعي بين القيادات والقواعد”.
وقال الرفايعة في تصريحات معلقًا على الأزمة الداخلية الأخيرة للجماعة: “لا ننكر وجود خلاف بين قيادات الجماعة، ولكن هذا الخلاف لا يسئ للجماعة وتاريخها ورموزها، وسوف يتم حل ومعالجة هذا الخلاف والتباين في الآراء عبر الحوار والنقاش الحضاري بين جميع الأطراف”.
وكانت جماعة الإخوان المسلمين مرت في السنوات الأخيرة بمجموعة من الأزمات التنظيمية والسياسية، كان أولها قيام مجموعة من القيادات الإخوانية على رأسهم الدكتور أرحيل غرايبة، بتأسيس مبادرة “زمزم” التي أعلن عن انطلاقها بالمركز الثقافي الملكي في شهر أكتوبر من العام 2013.
وفي ثاني الأزمات التي واجهتها جماعة الإخوان المسلمين، أقدم عدد من القيادات السابقة للجماعة، التي تم فصلها، على رأسهم المراقب العام السابق المحامي عبد المجيد الذنيبات، وذلك في شهر مارس الماضي من العام الجاري، على تقديم طلب ترخيص وتسجيل الجماعة قانونيًا لدى وزارة التنمية الاجتماعية، الأمر الذي رفضته قيادات الجماعة الأم، واعتبرته “انقلابًا” من خلال الآليات الرسمية الحكومية.
أما الأزمة الأخيرة التي تعيش فصولها الجماعة هذه الأيام، وهي إطلاق مجموعة الحكماء مبادرة “الشراكة والإنقاذ”، التي دعت من خلالها إلى حل قيادتي جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي الحاليتين، وإلا فإنها ستشكل إطارًا تنظيميًا جديدًا للخروج من الأزمة، إضافة إلى إجراء إصلاحات فورية، وفق ما جاء في نص المبادرة.
الرفايعة: الجماعة في أحسن مراحلها
بالعودة إلى تصريحات الناطق الرسمي باسم الجماعة، رأى المهندس بادي الرفايعة، أن “مجموعة الحكماء في الجماعة بالرغم من تقديمهم لمبادرة الشراكة والإنقاذ، إلا أنهم ما زالوا أعضاءً في الجماعة لهم تقديرهم وتاريخهم ووجودهم”، نافيًا في الوقت ذاته خروج أي منهم على قيادة الجماعة أو التنصل من البيعة التي في عنقه للقيادة.
وحول أعداد العناصر الإخوانية المنضوية تحت مبادرة “الشراكة والإنقاذ”، بين الرفايعة أن “ما يتم تداوله في بعض وسائل الإعلام من أن أعداد الإخوة في مبادرة الشراكة والإنقاذ يصل إلى 500 شخص، أمر غير صحيح، فعدادهم لا يتجاوز 100 شخص، وهم مازالوا أعضاء في الجماعة، وقد صرحوا أنهم ليسوا بصدد الخروج عن الصف وتكوين حزب بديل للجماعة”.
وختم الرفايعة تصريحاته مبديًا تفاؤلاً بحل كل الإشكاليات وتذليل كل العقبات، قائلاً: “الأمور تحت السيطرة، وما يحدث داخل الجماعة لا يتعدى أن يكون جرأة في الطرح والنقد، وهذا أمر لا يضير الجماعة بل على العكس يزيد من تماسكها وقوتها، فهي بذلك تعطي مثالاً على الحيوية والمرونة التي يتصف بها منهجها وسلوكها التنظيمي، الذي قلما يوجد في الحركات والتنظيمات السياسية الأخرى”.
“ربيع إخواني” من الجمود للتجديد
وحول طبيعة هذه الأزمات والشروخ، ومدى تعمقها وتجذرها وتطورها، ومدى قدرة الجماعة على تجاوزها والعمل على حلها، وسرعة الانتقال إلى مرحلة جديدة يتم فيها رسم معالم وملامح مرحلة جديدة، حاول أمين سر حزب جبهة العمل الإسلامي الدكتور عبد الله فرج الله، تشخيص ما يحدث في الجماعة عبر مقال له قال فيه: “ما تشهده الساحات الإخوانية في كثير من المناطق، يؤكد أن بوادر الربيع الإخواني قد بدأت، وما حدث ويحدث على الساحة المصرية حاليًا، وما يحدث على الساحة الأردنية أيضًا باعتقادي ليس انشقاقًا، بقدر ما هو حراك لا بد منه، لتحريك مياه الإخوان الراكدة”.
وألمح القيادي الإخواني عبر مقاله إلى ولادة مكون سياسي جديد، نتيجة ما يحدث داخل الجماعة قائلاً: “أظن أن مولودًا جديدًا يتشكل الآن، وهو في مرحلة المخاض، لم تتبين بعد معالمه، ولم تتضح صورته، غير أن تباشير ميلاده قوية، وليس شرطًا حتى يكون مولودًا شرعيًا أن يكون صورة أبيه شكلاً ومضمونًا، يحافظ على اسم العائلة، وموروثها وآلياتها ووسائلها وأهدافها”.
ولكن فرج الله عاد وأكد في نهاية مقاله على أن “الربيع الإخواني سينقل الراية من القديم إلى الجديد، ومن الجمود إلى التجديد، ومن التراث إلى المعاصرة، ومن التقليد إلى الإبداع، ومن التعصب إلى التواصل، ومن الانغلاق إلى الانفتاح، ومن المقاطعة إلى المشاركة، ومن السرية إلى العلنية، ومن الشكوى والتذمر إلى المواجهة والتحدي، وعلى العموم من جيل التأسيس إلى جيل الانطلاق، ومن أبناء القرن السابق إلى أبناء القرن الحالي”.
وفي إلقاء الضوء على مبادرة “الشراكة والإنقاذ” التي تعتبر الأزمة الأحدث في تاريخ الجماعة، نرى أن المبادرة استغربت ما اعتبرته “الإنكار الشديد والنفي القاطع من قِبل قيادة الإخوان بوجود أزمة تمر بها الجماعة”، منتقدة في الوقت ذاته التصريح المتكرر بأن الجماعة تعيش في أحسن أحوالها وأسمى تجلياتها، بحسب أعضاء في المبادرة.
وكانت مبادرة الشراكة والإنقاذ أكدت حسب بيان صدر عنها مؤخرًا على أنها “قبلت بالحد الأدنى الذي يمكن أن يقلل الخسائر، ويضع حدًا للتدهور الذي وصلت إليه الجماعة، والخسائر التي ألمت بها وبخاصة خلال هذا العام”، منوهة إلى أنها “تستشعر أعلى درجات المسؤولية، لذا ستعمل على جمع جهود الأردنيين والأردنيات الراغبين بالعمل الوطني في تيار واسع جاد عملي، يستوعب كل الطاقات ويحترم كل الاجتهادات، وليس تكرارًا لحزب شكلي، أو اسم دون مضمون، و لن يتوقفوا عن العمل بإذن الله حتى تحقيق الغاية وتطويرها”.
الفايز: الحكومة تستغل خلافات الإخوان
وللمراقبين رأي ووجهة نظر فيما يحدث داخل جماعة الإخوان المسلمين، كونها أحد المكونات السياسية الأساسية على الساحة المحلية، فعلى المستوى العشائري، رأى الشيخ فارس الفايز الذي يعتبر أحد الوجوه العشائرية الوطنية البارزة، أن للحكومة رغبة في استغلال وتطوير الخلافات داخل جماعة الإخوان المسلمين باتجاه سلبي.
وقال الفايز “إن الحكومة ما زالت تستهدف جماعة الإخوان المسلمين، بداية من ترخيص جمعية جماعة الإخوان بقيادة المحامي عبد المجيد الذنيبات، وذلك بطلب من جهات خارجية معلومة لدى كل مراقب ومهتم، بداية بإسرائيل وليس نهاية ببعض دول الخليج”.
وأردف الفايز معلقًا بقوله “لذلك الحكومة لا تعمل وتساعد على إنهاء الأزمة داخل الجماعة، بل من مصلحتها العمل على إشعالها وتطورها في اتجاه سلبي يعمل على تفتيت الجماعة إلى كيانات وجماعات وأحزاب صغيرة، ظنًا منها أنها بذلك تكون قد ارتاحت وأراحت من جهة تعتبرها مزعجة ومعارضة لسياساتها استجابة لرغبات محلية وإقليمية ودولية”.
ولفت الفايز الذي اعتبر نفسه صديق الإخوان منذ ستينات القرن الماضي، إلى أن “الحكومة هي الخاسر الأكبر من عدم وضع حد للأزمة الإخوانية، لأن الإخوان مكون مهم ووطني، وتاريخهم يشهد على أنهم جهة نافعة وليست ضارة للمجتمع أو الحياة السياسية”، داعيا إلى الحفاظ على الجماعة ووحدة صفها وتماسكها، كونها سدًا منيعًا وحاجزًا قويًا للدفاع عن البلاد والمصالح الوطنية، إضافة إلى أنها جهة معارضة معتدلة لا تدعو إلى العنف أو الإرهاب”.
العرموطي: “الإخوان” تتعرض لمؤامرة
من ناحيته، رأى نقيب المحامين السابق المحامي صالح العرموطي أن جماعة الإخوان أحوج ما تحتاج إليه هذه الأيام هي الوحدة وتماسك الصف وجمع الشمل، خاصة في ظل الظروف المحلية والإقليمية.
وقال العرموطي معلقًا على الأحداث التي تعصف بالجماعة: “كفى بأمريكا وإسرائيل وأنظمة الخليج والحكومة وغيرهم هجومًا وكيدًا للجماعة، لا بد من السعي إلى رص الصف ولم الشمل، ونبذ الخلاف والتشتت والانشقاق”، داعيًا كل من خرج عن صف الجماعة، أو من يفكر بالخروج عن صفها أو يعمل لذلك إلى العودة إلى الأصل، والعمل ضمن منظومة واحدة.
وأضاف العرموطي “أتوسم خيرا بالحكماء الذين شابوا داخل الجماعة وتقلدوا كل المناصب القيادية، فعليهم مناقشة أمور جماعتهم داخل الإطار التنظيمي وعدم نشر غسيلهم على الملأ، فذلك أدعى إلى حل المشاكل بكل هدوء”.
وتساءل العرموطي قائلاً: “كل الجماعات والأحزاب تتعرض إلى مشاكل وخلافات، وهذا أمر طبيعي، فلماذا التركيز الإعلامي على مشاكل وخلافات الإخوان؟ ولماذا تسليط الضوء على الخلاف القائم؟ وما الهدف من ذلك؟ ألم يكن من الأفضل التركيز على القضايا الوطنية المهمة وهي كثيرة ومختلفة”.
ودعا العرموطي مجلس الأمن الوطني إلى التدخل في الخلاف القائم بين جماعة الإخوان، وأن يكون له موقف يصب في حل الخلاف، ويعمل على رأب الصدع، كما طالب لجنة التنسيق الحزبي والشخصيات الوطنية باتخاذ خطوات للعمل على إنهاء الحالة الصعبة التي يمر بها الإخوان.
“بني إرشيد”.. هل يكون المفتاح؟
كانت آخر المبادرات التي تدعو إلى حل الخلاف الإخواني وإنهاءه، ما أطلق عليه مبادرة “النقباء”، التي تضمنت التوافق على شخص المراقب العام للجماعة الدكتور همام سعيد، وبقائه في منصبه لحين انتهاء فترته في شهر أبريل من العام المقبل.
كما نصت المبادرة الجديدة على تشكيل مكتب تنفيذي جديد للجماعة، وإجراء إصلاحات في قوانين الانتخابات الداخلية، على أن تجرى انتخابات التنظيم في موعدها، وبدون اللجوء إلى فترة انتقالية.
إلى ذلك فمن المنتظر أن يخرج القيادي الإخواني والرجل الثاني في الجماعة زكي بني أرشيد من سجنه في الرابع من الشهر الأول للعام 2016، وذلك بعد انتهاء محكوميته بقضية “الإساءة للإمارات”، حيث تناقلت مصادر إخوانية أنباءً تفيد بأن بني إرشيد سيعمل على وضع حلول ورؤية جديدة لملف الحركة الإسلامية وأزماتها حال خروجه، كما يرى مراقبون ومحللون أن بني إرشيد هو المرشح الأوفر حظًا وبلا منازع لتولي موقع المراقب العام في الدورة الانتخابية المقبلة لمؤسسات الإخوان المسلمين، فهل سيكون بني إرشيد هو مفتاح الحل المنتظر للجماعة التي أثقلتها النزاعات والانشقاقات؟
المصدر: أردن الإخبارية