يسلط هذا المقال الضوء على أبرز المتغيرات والتفاعلات التي شهدتها القارة السمراء خلال العام المنصرم، والتي لها ارتباط بقضايا الشرق الأسط، ولا نقدم بالطبع مسحًا شاملاً بكل الأحداث التي شهدتها القارة، فهذا مما لا يتسع له مقال.
يمثل تنامي نفوذ التيارات الجهادية الحدث الأبرز أفريقيًا خلال 2015، سواء الفروع المرتبطة بـ “تنظيم الدولة الإسلامية” أو تلك التي احتفظت بولائها القديم للقاعدة؛ ففي ليبيا التي ظلت تعاني من انقسام قبلي ومناطقي منذ سقوط نظام القذافي، نجح التنظيم في إيجاد موطئ قدم له تركز في مدينتي درنة وسرت الساحليتين، ويبدو أن الفرع الليبي يضع نصب عينيه التمدد في المناطق النفطية تأسيًا بالتنظيم الأم.
كان الفرع المصري كذلك “ولاية سيناء” حاضرًا في محطات عدة، خلال النصف الأول من العام تزايدت وتيرة عملياته بشكل ملحوظ إلى الحد الذي دفعه إلى شن هجوم واسع النطاق على مدينة الشيخ زويد في الأول من يوليو فيما عرف باسم “لأربعاء الدامي” قبل أن ينجح الطيران الحربي المصري في إفشال الهجوم، شن الجيش المصري بعدها عمليات موسعة أسماها “حق الشهيد” هدفت إلى القضاء نهائيًا على وجود التنظيم في سيناء، وبينما اعتُقد على نطاق واسع أن العملية قد حققت أهدافها ونجحت في إضعاف الجماعات المسلحة في شبه الجزيرة، فاجأ التنظيم العالم بتبنيه إسقاط طائرة الركاب الروسية في أكتوبر ليبقي خطر الفرع المصري ماثلاً ولو إلى حين.
الأحداث الأكثر دراماتيكية كانت في الغرب الأفريقي، حيث تنامى نفوذ جماعة “بوكو حرام” لتتحول من جماعة صغيرة في ولاية بورنو النيجيرية إلى تنظيم قوي عابر للحدود يشن هجماته في الكاميرون والنيجر ونيجريا وتشاد، تسارع الأحداث وتعاظم نفوذ بوكو حرام إقليميًا دفع الاتحاد الأفريقي لتشكيل قوة للتصدي لهجمات الجماعة المتزايدة، فيما قررت الإدارة الأمريكية إرسال 300 جندي أمريكي إلى الكاميرون للمساعدة.
شرقًا، كانت “حركة الشباب المجاهدين” الناشطة في القرن الأفريقي تراوح مكانها، وفيما استمرت هجماتها على معاقل الحكومة وقوات الاتحاد الأفريقي المساندة لها، كان موقفها من بيعة تنظيم الدولة مذبذبًا، وتشير التقارير إلى انقسام داخل الحركة إذ قامت بعض المجموعات بإعلان بيعتها قبل أن تتعرض تلك الفصائل لهجمات ويتم اغتيال بعض قادتها.
الانقسام ذاته واجهته الحركة الجهادية في شمال أفريقيا، فيما كان خلايا التنظيم حاضرة في الساحة التونسية، لاسيما في هجومي سوسة وتفجير حافلات للأمن الرئاسي، كما انضم للتنظيم مجموعة “جند الخلافة بالجزائر” فيما احتفظت القاعدة بنفوذ تفليدي توجته جماعة “المرابطون” بالهجوم على فندق في مالي أواخر نوفمبر.
إيران والسعودية والسباق المحموم لكسب ولاء القارة السمراء
مثلت القارة السمراء على الدوام ساحة نفوذ نادرة للجمهورية الإسلامية، وسجلت إيران حضورًا بارزًا في الساحة الأفريقية على أكثر من مستوى، فمن جهة كانت أفريقيا موردًا مهمًا لليورانيوم الذي احتاجته طهران في تطوير برنامجها النووي، إضافة إلى استثمار إيراني في قطاعات الطاقة في أكثر من بلد أفريقي، كما اعتبرت القارة سوقًا بديلة للمنتجات الإيرانية في وجه التضييق الاقتصادي الذي تعرضت له على خلفية برنامجها النووي، ناهيك عن الدعم السياسي الذي تلقته طهران من عدة بلدان في مقابل عزلة دولية طويلة.
على خلفية انتعاش العلاقات الأفرو-إيرانية بشكل عام، كان ثمة علاقات خاصة تربط طهران ببعض البلدان الأفريقية، السنغال غربًا، إريتريا في القرن الأفريقي، والسودان، شهد العام 2015 تراجعًا نسبيًا في هذا النفوذ لصالح حضور سعودي ملحوظ يمكن ملاحظته في التأييد الأفريقي القوي لعمليات عاصفة الحزم السعودية في اليمن، مع إعلان الخرطوم وداكار المشاركة بقوات عسكرية والحديث عن تسهيلات واسعة قدمتها أسمرة للعمليات، وتكفي نظرة على الدول المشاركة في التحالف السعودي المشكل حديثًا ضد “الإرهاب” لنلاحظ الحضور الأفريقي الكثيف الذي يشمل أغلب دول الساحل والقرن الأفريقي.
الصين وأمريكا.. صفعة على الوجه
لو سألت أحد المهتمين بالشأن الأفريقي عن أبرز التحولات التي شهدتها القارة منذ نهاية الحرب الباردة سيجيبك ببساطة “الصين”، الحديث عن الاهتمام الصيني بأفريقيا طويل ولا يمكن حصر محاوره في فقرة أو مقال، لكن نشير مثلاً إلى السجال الصيني – الأمريكي بشأن القاعدة العسكرية في جيبوتي كنقطة تحول محتملة في التعاطي الصيني مع الشأن الأفريقي وفي نظرها إلى دورها في السياسة الدولية ككل.
تحتضن جيبوتي قواعد عسكرية أمريكية وفرنسية ويابانية، وقدمت تسهيلات لوجستية للعمليات الخليجية في اليمن، ومؤخرًا تسعى الصين إلى إقامة قاعدة عسكرية في البلاد وهو ما عبرت عنه الدوائر الأمريكية بأنه “صفعة على وجه واشنطن” ورأت فيه مؤشرًا لزيادة وتيرة التنافس مع بكين في القارة السمراء، يعطي الصينيون أولوية مطلقة للاقتصاد، فيما تلعب السياسة دور الحامي والمساعد لتلك لمصالح، لكن حتى من وجهة النظر الاقتصادية البحتة، فإن تضخم المصالح الاقتصادية الصينية في أفريقيا يفرض عليها القيام بدور أكبر لتأمين رعاياها ومصالحها والحفاظ على استثماراتها المنتشرة في أرجاء القارة.
سد النهضة
شهد العام 2015 توقيع مصر والسودان وإثيوبيا لـ “اتفاقية مبادئ” حول سد النهضة الإثيوبي، تضمنت اعترافًا رسميًا بحق أثيوبيا في بناء السد في مقابل اعتبار المصالح المائية لدولتي المصب – مصر والسودان -، أثار الإعلان التفاؤل بشأن إمكانية التوصل لتسوية عادلة في الملف، غير أن تزايد وتيرة البناء في السد، وفشل المفاوضات الثلاثية في التوصل إلى حل، أعاد الجدل الدائر حول إمكانية التوصل لصيغة مرضية للجميع، تستغل إثيوبيا طول مدة المفاوضات لكسب الوقت والاستمرار في عملية البناء السد الذي يتوقع أن يتم الانتهاء منه في 2017، الأمر الذي يقلص من خيارات الحكومة المصرية أمام الأمر الواقع الذي تفرضه أديس أبابا، بينما الدبلوماسية السودانية لا زالت مترددة في حسم موقفها من هذه القضية فتارة تتحدث عن الفوائد التي ستجنيها السودان من السد، قبل أن تعود لتؤكد أن موقف الخرطوم لا يتماهى مع أديس أبابا، ويبدو أن سد النهضة سيكون أحد أبرز القضايا العالقة أفريقيًا خلال عام 2016.