بحسب الموقع الالكتروني للأمم المتحدة، فان مجلس حقوق الإنسان التابع لها يهدف إلى “بحث أوضاع تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان وإصدار توصيات ضدها”.
لكن مع النتائج التي جاءت بها انتخابات المجلس أمس الثلاثاء، فإن هذا التعريف يطرح من التساؤلات أكثر مما يجيب عنها.
فقد قرر أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة انتخاب الصين وروسيا والمملكة العربية السعودية وكوبا أعضاء في المجلس، رغم السجل بالغ السوء لكل دولة من هذه الدول في مجال حقوق الإنسان والحقوق العامة والحريات.
وقد انتخبت الجزائر وفيتنام والمغرب أمس أعضاء كذلك في المجلس.
السعودية لديها سجل من أسوأ السجلات على الإطلاق في مجال حقوق الإنسان.
فقد صعّدت سلطات السعودية من حملات التوقيف والمحاكمة للمعارضين السلميين، وردت بالعنف على المظاهرات التي خرج فيها مواطنون. وتستمر السلطات في قمع حقوق 9 ملايين سيدة وفتاة سعودية و9 ملايين عامل وافد.
بالنسبة للعمال الذين تستقدمهم السعودية على سبيل المثال، يربط نظام الكفالة تراخيص إقامة العمال الأجانب، بصاحب العمل “الكفيل”، ولا يمكن للعمال تغيير عملهم أو مغادرة البلاد إلا بعد الحصول على موافقته الكتابية. ويسيء أصحاب العمل استعمال هذه السلطة بمصادرة جوازات السفر، ومنع الرواتب، وإجبار العمال المهاجرين على العمل دون رغبتهم، في مخالفة للقانون السعودي.
وبعد حملة حديثة لتصحيح أوضاع العمال، اعتقلت السعودية آلاف العمال ورحلتهم وسط شواهد تؤكد حدوث انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، أدت لمقتل عاملين على الأقل، وحدوث غضب شديد وسط العمال الوافدين في السعودية.
وكما حدث على مدار الأعوام الماضية، تلقى آلاف الأشخاص محاكمات غير عادلة وتعرض آخرون للاحتجاز التعسفي لفترات طويلة تتعدى سنوات في كثير من الأحيان.
وبحسب هيومان راتس ووتش، يواجه المعتقلون في السعودية، بما في ذلك الأطفال، انتهاكات لحقوقهم في إجراءات التقاضي السليمة والمحاكمات العادلة، ويتعرضون للاحتجاز التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة. وكثيرا ما يُصدر القضاة السعوديون أحكامًا بآلاف الجلدات.
ويمكن للقضاة إصدار أوامر بالاحتجاز والاعتقال، تشمل الأطفال، بناءً على تقديراتهم الشخصية. ولا شيء يمنع من محاكمة الأطفال على أنهم بالغين إذا توفرت فيهم علامات البلوغ.
الصين تنافس السعودية في السجل السيء لحقوق الإنسان.
فلا تزال السلطات الصينية تحد بحزم من النشاطات المتصلة بحقوق الإنسان في الصين و التبت. حريتي التعبير و التجمع محدودتان بموجب تشريعات مقيِّدة و بسبب التفسير الواسع للإساءات المرتكبة بحق أمن الدولة. و يُستهدف على وجه الخصوص الناشطون من أجل العدالة الاجتماعية، و المحامون الذين يدافعون عن هؤلاء الناشطين، و الأكاديميون، و “المعارضون من خلال الإنترنت”.
و من بين الناشطين في مجال حقوق الإنسان ناشطون من أجل الديمقراطية، و كُتاب، و صحفيون، و ناشطون في المسائل التي تتعلق بالإنترنت، و أكاديميون، و محامون، و مُطالبون بحقوق الأرض و القرويين (بمن فيهم هؤلاء الذين يشجبون الإجلاء القسري و الفساد)، و ناشطون من أجل الحقوق البيئية، و ناشطون من أجل حقوق الإسكان، و ناشطون في الشؤون التي تتعلق بفيروس إتش آي في/ الإيدز، و ناشطو حقوق النساء (بمن فيهم معارضو التعقيم القسري و الإجهاض).
ومن القوانين المقيدة للحريات، قانون التجمع والتظاهر.
ويحتم قانون التجمع، التظاهر و الاحتجاج لعام 1989 موافقة الشرطة المسبقة على جميع التظاهرات، و قلما تُمنح هذه الموافقة، و قد تمت مضايقة المتقدمين بطلبات للحصول على الإذن. سُجن قادة التظاهرات السلمية بدعوى الإساءة إلى النظام العام. و فوق ذلك، فإن القواعد الجديدة الخاصة بالالتماس، و التي أصدرها مجلس الدولة، تجعل من التجمع السلمي في الواقع أمراً شبه مستحيل.
أما بالنسبة لحرية الاجتماع، فإن متطلب موافقة الحكومة المسبقة على تسجيل المنظمات غير الحكومية قد أفضى إلى إغلاق الكثير منها. و تحظر السلطات الصينية الاتصال بين منظمات حقوق الإنسان المحلية و نظيراتها الدولية. و تُحظر تماماً النقابات المستقلة.
وتقوم السلطات الصينية بإحكام قبضتها على الإنترنت و زادت من الرقابة باستخدام شبكة شاملة من الأنظمة التي تقيد محتوى المواقع الإلكترونية و استخدام الإنترنت.
أما روسيا فليست أحسن حالا، ففي تقرير حقوقي صدر منتصف العام الجاري قالت هيومان رايتس ووتش أن الحكومة الروسية شنت حملة قمعية استهدفت المجتمع المدني في العام التالي على عودة فلاديمير بوتين إلى الرئاسة، وهي الحملة التي تُعد غير مسبوقة في تاريخ روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.
التقرير الصادر في 78 صفحة يصف بعض التغييرات التي طرأت منذ عودة بوتين إلى الرئاسة في مايو/أيار 2012. حيث استعانت السلطات الروسية بجملة من القوانين التقييدية وبدأت في حملة شملت جميع أنحاء البلاد اشتملت على عمليات التفتيش التي انطوت على تعديات لمقار المنظمات غير الحكومية، وعلى مضايقات وترهيب وحبس نشطاء سياسيين في عدة حالات، مع السعي إلى وصم من ينتقدون الحكومة بأنهم أعداء سريين.
المنظمات الحقوقية وفي رد فعل لها على نتائج الانتخابات، أدانت بشدة انتخاب الدول ذات السجل السيء في مجال حقوق الإنسان، ودانت منظمة هيومن رايتس ووتش بشدة وجود دول مثل الصين وروسيا والسعودية وكوبا في جولة التصويت.
وقالت هيومن رايتس ووتش ان كلا من الجزائر والصين وروسيا لديه عشرة طلبات او اكثر لزيارة مفتشي حقوق الانسان الدوليين، في حين ان لدى كل من السعودية وفيتنام سبع طلبات لم تلب بعد. الا ان العديد من الخبراء يقولون ان الحملة الشديدة للحصول على المقاعد تدل على زيادة اهمية المجلس.
وقال ريتشاد غوان مدير مركز التعاون الدولي في جامعة نيويورك ان “المجلس منذ انشائه ضم الكثير من الانظمة القمعية. وقبل سنوات قليلة لم يكن الكثيرون يلتفتون الى هذه الانتخابات”.
واضاف “ولكن المجلس اصبح نشطا بشكل غير معتاد خلال الربيع العربي، واصدر سلسلة من القرارات التي تدين النظام السوري فيما كان مجلس الامن الدولي مشلولا بسبب روسيا والصين”.
ومن جانبها انتقدت مندوبة واشنطن الدائمة لدي الأمم المتحدة سامنثا باور النتائج التي أسفرت عنها فوز السعودية والصين وروسيا وكوبا في المجلس.
يذكر أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أنشئ في عام 2006 ليحل محل لجنة حقوق الإنسان. ويتعرض المجلس لانتقادات دائمة بسبب سماحه لبلدان لها سجلات مثيرة للجدل في مجال حقوق الإنسان بالعضوية فيه.