تحاول الحكومة البريطانية مؤخرًا منع نشر تفاصيل اتفاقية أمنية أبرمتها مع المملكة العربية السعودية بحسب ما أورد تقرير لجريدة الإندبندنت البريطانية، تعود هذه المعاهدة إلى وقت زيارة وزيرة الداخلية البريطانية تريزا ماي إلى السعودية، العام الماضي، ولقائها بولي العهد ووزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف.
اكتفت وزارة الداخلية البريطانية حينها بإشارة غير مفهومة في تقريرها عن الزيارة، إلى أنه تم توقيع “مذكرة تفاهم” أولية بشأن تحديث وزارة الداخلية في السعودية دون مزيد من التفاصيل عن فحوى هذه المذكرة.
لكن ما أعاد الأمر إلى الصدارة مرة أخرى، هو طلب بعض أعضاء الحزب الديمقراطي الليبرالي وبعض أعضاء جمعيات حقوق الإنسان مؤخرًا من وزارة الداخلية مزيدًا من التفاصيل حول هذا الأمر، استنادًا إلى قانون حرية تداول المعلومات، كون الحزب كان أحد أعضاء الحكومة في وقت سابق، وكون هذه الجمعيات ترى ضرورة عدم التعاون مع السعودية في المجالات الأمنية بسبب سجلها السيء في مجال حقوق الإنسان.
إلا أن طلب الحزب والجمعيات الحقوقية قوبل بالرفض من قِبل الحكومة البريطانية بحسب ما أورد التقرير البريطاني، وقد عللت الداخلية البريطانية هذا الرفض، بتضمن الاتفاقية معلومات شديدة السرية تتعلق بالتعاون الأمني بين بريطانيا والسعودية ونشرها “سيقوض هذا التعاون ويهدد الأمن القومي البريطاني”.
كما أن الوزارة لم تنف أن الاتفاقية تتضمن جزءًا سريًا أكثر مما هو معلن، هذا الجزء السري الذي بدأ يتكشف بعدما أعلن وزير العدل البريطاني، مايكل غوف، إلغاء عقد مع السعودية تبلغ قيمته 5.9 ملايين جنيه إسترليني، والذي كان يهدف إلى توفير برنامج التدريب للسجون على أراضي المملكة العربية السعودية.
هذه الخطوة التي أقدم عليها وزير العدل البريطاني كادت أن تُحدث أزمة دبلوماسية كبرى بين البلدين، وصلت إلى حد تهديد الرياض بسحب سفيرها من لندن، وهو ما اضطرت الحكومة البريطانية على إثره توجيه رسالة شخصية من رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إلى الملك سلمان بن عبدالعزيز سلمها إياه وزير الخارجية فيليب هاموند أثناء زيارته للسعودية، تلافيًا للتصعيد بين البلدين.
وتعريجًا على هذا الأمر علق، تيم فارون، زعيم حزب الأحرار الديمقراطيين قائلًا: “لقد آن الأوان لندعم الحريات المدنية وحقوق الإنسان، وألا نغمض أعيننا فقط لأن آل سعود حلفاء لنا”.
وقد أشار تقرير الإندبندنت البريطانية إلى العديد من المخالفات السعودية لحقوق الانسان، أبرزها الحكم بالإعدام على محمد باقر النمر بعد إدانته بمحاولة تقويض الأمن العام والوحدة الوطنية في المملكة، وذلك لمجرد مشاركته في تظاهرات احتجاجية عندما كان قاصرًا يبلغ من العمر 17 عامًا.
وعلى هذا فقد تقدم حزبي الأحرار الديمقراطيين والعمال بطلب يُلزم وزارة الداخلية البريطانية بتقديم كل التفاصيل عن الاتفاق لمجلس العموم، وهو ما يُشير إلى أن هذه الاتفاقية لم تكن مجرد اتفاقية عادية بشأن تحديث وزارة الداخلية في المملكة، وتُرجح الأنباء وجود برامج تنتهك حقوق الإنسان تحت مزاعم مكافحة الإرهاب قد تم الاتفاق على تنفيذها بين الجانبين، لذا تتمسك وزارة الداخلية البريطانية بعدم الإفصاح عن تفاصيل هذه الاتفاقية بالتحديد.
يرفض النواب البريطانيون الاختباء وراء عباءة الأمن القومي خاصة وأنه بعد تصرف وزير العدل البريطاني، يجب أن تخضع كافة هذه الاتفاقيات إلى إشراف البرلمان، لمنع تجاوز قيم حقوق الإنسان بها، حيث طالب البعض بمعرفة جهود المملكة المتحدة بصدد منع التجاوزات الإنسانية التي تحدث في نظام المملكة العربية السعودية خاصة في الجناح القضائي.
الجدير بالذكر أنه عقب توقيع هذه الاتفاقية الغامضة ذكر نشطاء أن وزارة الداخلية السعودية منحت نفسها سلطات جديدة تقضي باستجواب المتهمين في قضايا متعلقة بمكافحة الإرهاب لمدة 90 يومًا بدون حضور محامِ، وهو ما أرجعه البعض لتوصيات بريطانية في هذه البرامج السرية التي لا شك وأنها تنتهك حقوق الإنسان.
سجل بريطانيا في هذا الصدد حافل بالانتهاكات للقيم الداخلية البريطانية المتحدثة عن حقوق الإنسان والمدافعة عنها، إذ لم تتوقف حكومات المملكة المتحدة المتعاقبة عن توريد الأسلحة إلى الأنظمة القمعية في الشرق الأوسط، وعلى رأسها نظام المملكة العربية السعودية، دون مقدرة على انتقاد سجل السعودية المرعب في انتهاك حقوق الإنسان، وذلك لاعتبارات المصالح الاقتصادية.
كذلك عندما خضعت بريطانيا إلى الضغوط الخليجية، وقدمت اعترافات بالنظام المصري الوليد عقب انقلاب الثالث من يوليو، رغم الدموية التي جاء بها هذا النظام، إلا أن الحكومة البريطانية استقبلت الرئيس المصري دون أي غضاضة في الأمر، وهو الأمر الذي يُفسر غموض هذه مثل هذه الاتفاقيات التي تبرمها بريطانيا مع الدول القمعية في الشرق الأوسط.