يتابع المشهد السينمائي العربيّ تشكيل وجهه الجديد لما بعد 2011. حيث لا تختلف العناصر التي ميّزت هذا العام كثيرا عن ما قبلها، فهناك تلك الأعمال التي أثارت لغطا كبيرا بسبب مشاهد العري، وهناك ذلك التوجه العامّ نحو مختلف القضايا الاجتماعية التي يعرفها العالم العربي (الفقر، المخدرات، حرية المرأة، احتقار الشباب)، وهناك وجع الاحتلال، وهناك الأسماء الراحلة.
على أنّ الأسماء الراحلة ثقيلة هذه المرة، فقد طالعنا هذا العام في السابع عشر من كانون الثاني، بخبر وفاة سيدة الشاشة العربية، فاتن حمامة. عرفها جمهور السينما منذ سنة 1940 حينما أدت أمام الموسيقار محمد عبد الوهاب في فيلم “يوم سعيد” وهي لم تتجاوز التاسعة بعد. وكذلك انطلقت مسيرتها التي أثرت بشكل كبير على السينما المصرية نفسها. ويعدّ فيلم “صراع في الوادي” أحد أشهر أفلامها حيث رشّح للسعفة الذهبية في مهرجان كان سنة 1954. وكان الفيلم بداية قصتها الشهيرة مع ميشيل شلهوب أو من عرفه الجمهور فيما بعد بعمر الشريف. وكما كان لقاؤهما في صراع في الوادي عابقا بالرومانسية، فلم يخلُ رحيلهما منها.
رحل عمر الشريف بعد ستة أشهر فحسب من زوجته السابقة، وكان لرحيله وقع أكبر في العالم بحكم شهرته العالمية. فبعد رحلة الخمسينات الموفقة مع فاتن حمامة، انتقل عمر الشريف للعمل مع المخرج البريطاني دايفد لين وقدّم معه فيلمين من أبرز إنتاجات هوليود على الإطلاق وهما “لورنس العرب” سنة 1962 والدكتور جيفاغو سنة 1965. فرشح للأوسكار عن دوره في الأول، وفاز بجائزة Golden Globe لأفضل ممثل عن دوره في الثاني. وقد تسبب انشغاله بعمله في هوليود في طلاقه من فاتن حمامة سنة 1974 على أنه لم يتزوج بعدها أبدا.
ثالث العمالقة الذين رحلوا، كان الفنان نور الشريف الذي حاصرته إشاعات وفاته كثيرا حتّى صدقت يوم 11 آب من هذا العام. كغيره من الممثلين المصريين الكبار، عمل في السينما طويلا، ولكنّه اهتمّ أكثر بالدراما التلفزية منذ التسعينات. قدّم نور الشريف أدوارا مهمّة طيلة مسيرته التي بدأها مع قصر الشوق سنة 1966، فأدّى دور ناجي العليّ سنة 1991، وأدّى دور ابن رشد في المصير سنة 1997. وآخر أعماله فيلم بتوقيت القاهرة الذي صدر مطلع هذه السنة وكان أبرز الأعمال المصرية في 2015.
كان مهرجان القاهرة الدوليّ (11 ـ 20 تشرين الثاني) شاهدا على النكسة السينمائية لهذه السنة في مصر، فلم يفز أي فيلم مصريّ بإحدى الجوائز الكبرى، وتوّج الفيلم الإيطالي “البحر الأبيض المتوسط” بالهرم الذهبي، وتسلم الهرم الفضي المخرج الاسلندي داجور كاري عن فيلم “فيوسي” بينما آل الهرم البرونزي للفيلم الأرجنتيني “بولينا”. وفاز بجائزة أفضل ممثل قدوس سيوف عن فيلم “البحر الأبيض المتوسط” من إيطاليا، وفاز بجائزة أفضل ممثلة لويز بروجوان عن فيلم “أنا جندية” من فرنسا، بينما ذهبت جائزة نجيب محفوظ لأحسن سيناريو لفيلم “الكنز” من رومانيا.
أما في مهرجان مراكش (4 ـ 12 كانون) فقد كانت النجمة الذهبية من نصيب الفيلم اللبنانيّ القطري “فيلم كتير كبير” للمخرج ميرجان أبو شيعا. وهو فيلم يخوض في الكثير من إشكاليات المشهد اللبنانيّ خصوصا والمنطقة العربية بصفة عامة. وقد أسندت لجنة التحكيم التي يترأسها المخرج الشهير فرانسيس فورد كوبولا (أجل صاحب ثلاثية العرّاب الخالدة) جائزتها الخاصّة لبقية الأفلام المرشّحة في سابقة نادرة. ومنها الفيلم المغربيّ الوحيد المرشّح “المتمرّدة” للمخرج جواد غالب. أما الفيلم المغربي الذي أحدث لغطا كبيرا خلال هذا العام، فقد كان بعنوان “الزين اللي فيك” لنبيل عيوش وحاول المخرج خلاله الكشف عن عالم الدعارة في طنجة وما وراءها. وقد منع من العرض في المغرب ولم يبرمج في المهرجان بتعلّة أنه عرض في مهرجان كان، وبات مستهلكا.
يبدو أن هذه التعلّة لم تقنع كثيرا نبيل عيّوش، ولا المشرفين على أيام قرطاج السينمائية (21 ـ 28 تشرين الثاني) فكان أن برمجت عروض للفيلم وشارك في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة، إلا أن صاحب التانيت الذهبي كان فيلما مغربيا آخر بعنوان “جوق العميان” للمخرج محمد مفتكر. ونال التانيت الفضي فيلم من جنوب إفريقيا بعنوان نهر بلا نهاية للمخرج أوليفيي هرمانيس. أما التانيت البرونزي فقد عاد إلى المخرجة التونسية الشابة ليلى بوزيد (أجل هي ابنة المخرج الشهير النوري بوزيد) عن شريطها الطويل الأول “على حلّة عيني”.
حاول الفيلم رسم بعض ملامح المجتمع التونسيّ في صائفة 2010 قبيل اندلاع الثورة، وابراز الجو المتوتّر الذي ساد البلاد وربما مهّد لما سيحدث بعد ذلك. ولقد عرض في تونس خلال أيام قرطاج السينمائية، وسط أجواء مشحونة عرفتها البلاد بسبب العملية الإرهابية التي استهدفت حافلة الأمن الرئاسيّ. ورغم الشكوك الكبيرة بأحقية الفيلم بالجوائز التي نالها في قرطاج، فقد عرض في تورونتو والبندقية ومهرجانات كبيرة أخرى، كما كان الفائز الأكبر في مهرجان دبي السينمائي.
أخذ مهرجان دبي هذه السنة أهمية أكبر بعد حجب مهرجان أبوظبي واقتصار مهرجان قطر على الأعمال الشبابية. وفاز بالمهر الذهبي الطويل الفيلم التونسي على حلّة عيني، كما فاز الممثل التونسيّ لطفي العبدلي بجائزة أفضل ممثل عن دوره في “شبابك الجنة” بينما كانت منّة شلبي أفضل ممثلة عن دورها في “نوارة”. وحاز الفيلم الجزائري الفرنسي على جائزة لجنة التحكيم، وكان لفيلم “أبدا لم نكن أطفالا” جائزتان أولاهما لأفضل مخرج (محمود سليمان) وثانيهما لأفضل فيلم غير روائي، وهو فيلم بإنتاج عربي مشترك يضم الإمارات ومصر وقطر ولبنان. وعلى مستوى الخليج، فقد فاز فيلم “رئيس” بجائزة أفضل فيلم للمخرج رزكار حسين.