ترجمة وتحرير نون بوست
لقد كان آخر تجسيد لنضال التحرر الوطني وللمعارضة المستمرة للسلطة، بفقدانه لم نفقد شخصية سياسية فحسب، بل إن وفاة حسين آيت أحمد عن عمر يناهز الـ89 عاماً في 23 ديسمبر في لوزان- سويسرا، كانت علامة فارقة تضع نهاية لحقبة ولّت، ربما بغير رجعة.
وفاة آيت أحمد وضعت نهاية لجيل كامل، فهو آخر القادة التسع، الذين بدؤوا حرب الاستقلال ضد فرنسا في 1 نوفمبر 1954 الذي كان على قيد الحياة، وفي عام 1947، قاد المنظمة الخاصة، اختصاراً (OS)، وهي الذراع شبه العسكري لحزب الاستقلال، الذي يعتبر بحد ذاته وريث حزب نجم شمال أفريقيا، الذي تم تأسيسه عندما انهارت أحلام القوميين بشأن احتمالية نجاح النضال السياسي السلمي ضد فرنسا.
وفقاً لباحث جامعة وهران رابح لونيسي، يمكن اعتبار آيت أحمد بأنه “أول رئيس أركان للجيش الجزائري”، لأنه كان مهندس المنظمة الخاصة وأول زعيم لها.
“كجميع الأشخاص الذين انحدروا من هذا الحزب، كان لآيت أحمد مكانة رجل دولة”، قال أمازيت بوخالفة، الصحفي والمستشار في القضايا التاريخية لصحيفة الميدل إيست آي، وتابع: “لأنه شخصية تتمتع بالكثير من الكاريزما تم اختيار أحمد بن بيلا عوضاً عنه لقيادة البلاد في عام 1962”.
يتمتع آيت أحمد بمسيرة سياسة استثنائية، حيث استقال من الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية للانضمام إلى المقاومة بعد عام واحد فقط من الاستقلال، ولكونه حُكم عليه بالاعدام، اضطر إلى مغادرة الوطن إلى المنفى القسري لأكثر من 30 عاما هرباً من السجن، وفي ذات السياق، تذكر المؤرخة مليكة رحال، الباحثة في المعهد الفرنسي للتاريخ (المركز الوطني للبحث العلمي)، شيئاً آخر، حيث تقول: “وجود آيت أحمد فسح المجال أمامنا للتأكيد على وجود حياة سياسية حقيقية في الجزائر بعد الاستقلال، فهو لم يكن أحد المقاتلين السابقين الذين استغلوا نضالهم في الثورة الجزائرية، وبوجوده، كان من المستحيل أن نوقف تاريخ الجزائر السياسي عند محطة عام 1962”.
يعتقد المؤرخ نجيب سيدي موسى أيضاً بأنه “إذا كان التاريخ لن يتذكر آيت أحمد سوى كثوري شاب ومعارض مخضرم، فإن حياته السياسية ستبقى مرتبطة رغم ذلك بحياته الثانية حين كان من نشطاء المعارضة”، حيث باشرت حياته الثانية في وقت مبكر من عام 1963، مع تأسيسه لجبهة القوى الاشتراكية (FFS) وجماعات التمرد المسلحة، وهي مجموعة المعارضين المسلحين ضد السلطة المركزية التي تعمل تحت لواء حزب جبهة القوى الاشتراكية، وكانت تتخذ من جبال منطقة القبائل كموطن لها.
“نهج آيت أحمد لم يكن هامشياً”، يقول أحد قيادات جبهة التحرير الوطني الجزائرية، أكبر حزب في البلاد، لصحيفة الميدل إيست آي، ويضيف بأن القادة الآخرين الذين حاربوا ضد الفرنسيين، مثل محمد بوضياف، كريم بلقاسم، ومحمد خيضر، واجهوا الثنائي الذي حكم الجزائر، بن بيلا وهواري بومدين، قبل ذهابهم إلى المنفى، وفي خضم تلك المواجهة قُتل بلقاسم وخيضر.
وتابع موضحاً: “مواقف آيت أحمد، التي كانت تندد بمصادرة الاستقلال من قِبل العسكر، تشاطرها معه إلى حد كبير بعض الآباء المؤسسين للثورة الجزائرية، ولهذا السبب أضحى حزب جبهة القوى الاشتراكية يمثل نوعاً مثالياً من جبهة التحرير الوطني الجزائرية، فهو حزب مناهض للدولة، مناهض لحكم الحزب الواحد، ومناهض لآليات السلطة؛ لقد كان آيت أحمد يسعى لتطبيق مثالية الثورية من خلال سعيه إلى الديمقراطية باعتبارها الهدف الثاني بعد عام 1962، ولكن للأسف، باءت جهوده بالفشل لأن الاستقلال كرس انتصار الجيش على السلطة المدنية”.
رغم فشل حزب جبهة القوى الاشتراكية، إلا أن نشطاء الحزب يقولون بإجماع واحد بأن: “حسين آيت أحمد تسامى فوق الحزب، ومن خلاله بقيت فكرة الجزائر الديمقراطية على قيد الحياة”، كما أشاروا إلى أن المشكلة التي تعاني منها المعارضة الجزائرية اليوم تتمثل “بقبولها بحصة في الحكومة بين وقت وآخر، وهو شيء لم يكن حزب جبهة القوى الاشتراكية ليقبله بتاتاً”.
يقول حكيم حداد، ممثل حزب جبهة القوى الاشتراكية السابق، الذي عرف آيت أحمد عن قرب، لصحيفة الميدل إيست آي: “إنه لم يتخل مطلقاً عن مبادئه، وكما هو الحال مع أي شخص معارض، شهد آيت أحمد دورات النجاح والفشل، ولكنه لم يسمح لنفسه بأن ينخدع بوهم السلطة، ومن خلال ذلك، كان مختلفاً عن الآخرين”.
على الجانب الآخر، يشدد منتقدو آيت أحمد على أنه عمد إلى إعادة تكريس مفهوم “عبادة الشخصية”، وهو ذات المفهوم الذي حاربه آيت أحمد وانتقده لدى مصالي الحاج، القيادي في الحركة الوطنية الجزائرية خلال عشرينيات إلى خمسينيات القرن المنصرم، ولدى بن بيلا وبومدين في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم.
ونتيجة لذلك، أثارت وسائل الإعلام والسياسيون على مدى السنوات الـ10 الماضية المشكلة الجوهرية التي يعاني منها حزب جبهة القوى الإشتراكية بانتظام، والتي تتمثل بالتساؤل: هل يمكن لجبهة القوى الاشتراكية البقاء على قيد الحياة بدون زعيمها؟، ويعلّق نجيب سيدي موسى على ذلك بقوله: “هذا التساؤل المتكرر عمل بلا شك على تقويض الكثير من الآمال التي كان يحملها بعض المعارضين”، وتابع مخففاً من حدة تعليقه: “ولكن علاوة على أي شيء آخر، تأثر تطور جبهة القوى الإشتراكية باللعبة السياسية الجارية في الجزائر، وذلك من خلال القمع والإرهاب”.
أما بالنسبة لمليكة رحال، فإن التقييم السياسي لإرث آيت أحمد ينبغي أن يسفر عن “فتح نقاش سياسي حول ماهية المعارضة الجزائرية اليوم؛ فعلى سبيل المثال، ينبغي تقييم جماعات التمرد التي نشطت في عام 1963من خلال الأسئلة التالية: هل نشبت هذه الحركة في وقتها المناسب؟ ألم تساهم في تعريض البلاد للخطر؟ كما يجب علينا أيضاً أن نتساءل: إلى أي مدى يمكن أن تصل المعارضة؟ ومن المستهدف بالمعارضة؟ هل هو نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أم الدولة ككل؟ وما الذي يبنغي علينا حمايته؟ كما ينبغي أيضاً أن نثير مسألة طبيعة أحزاب المعارضة، وهل هي قادرة اليوم على تطوير نماذج ديمقراطية حقيقية؟”.
أخيراً، يبقى أن نذكر بأن الرئيس بوتفليقة أعلن الحداد الوطني لمدة ثمانية أيام تكريماً لحسين آيت أحمد.
المصدر: ميدل إيست آي