طالعتنا صحف ومواقع إلكترونية كويتية أن الحكومة الكويتية ممثلة في وزارة الدفاع توجهت لسحب ثلاثة مليارات دينار كويتي أي ما يعادل 9.8 مليار دولار من احتياطي عام الدولة بغرض التسليح.
على حد وصف الخبير الاقتصادي عيد الشهري فإن سحب المليارات من الاحتياطي خطوة إيجابية لأنها ستُسحب من أموال الكويت الخارجية المستثمرة في المشاريع الموزعة حول العالم لإعادة إدخالها في الاقتصاد المحلي للمحافظة على استمرار نشاطه.
هذا ما يُرى من السياسة الاقتصادية وما لا يُرى أنّه ستشتري الكويت بما يقرب من عشرة مليار دولار معدات عسكرية وأسلحة متنوعة، وهذا يعني أن الأموال التي سُحبت لم تضخ في السوق المحلية للإنتاج إنما أُعيد ضخها لشركات أجنبية في الخارج قد تكون في أمريكا ,دول غربية أو روسيا لتعمل تلك الشركات على أبحاث علمية وتوظف أفراد وتنتج أسلحة ومن ثم بيعها بأرباح طائلة تعود بالفائدة على الشركة وعلى الدولة التي تأخذ ضرائب منها وتفرح الحكومة الكويتية بامتلاك الأسلحة.
وتخدم هذه الفكرة مصادر لوكالة “فرانس برس” أفادت أنّ مصانع لشركة بوينغ الأمريكية ستُغلق بحلول عام 2017، إلا أن “الشركة وقّعت مع الكويت رسالة نوايا تتضمن التزمها بشراء 28 مقاتلة إف 18 سوبر هورنيت المتطورة بقيمة 3 مليارات دولار” وبالتالي ستستهم هذه الصفقة بمواصلة إنتاج هذه الطائرة دون توقف، ووقّعت فرنسا وقطر صفقة بقيمة 6.3 مليارات يورو لتزويدها بـ 24 مقاتلة من طراز رافال.
ففي كل مرة تواجه شركات الأسلحة الغربية والأمريكية ظروفًا مالية صعبة بسبب الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالمنطقة، تأتي هذه الشركات لتبيع منتجاتها الباهظة الثمن للدول العربية (خصوصًا الخليجية) لتعيد تصحيح أوضاعها المالية وتحقيق الأرباح من جديد ما يسمح لها بدوام الإنتاج.
المفارقة الآن أن الدول الخليجية التي تصرف مبالغ طائلة على ميزانيات الدفاع تعاني من عجز مالي بحسب صندوق النقد الدولي لاسيّما بعد انخفاض أسعار النفط لمستويات غير مسبوقة، ما يفرض عليها تطبيق “سياسات تقشفية”، علمًا أن صفقات التسلح التي تتم تعادل ما يصرف على بنود الإنفاق الاجتماعي الضرورية لعدة سنوات مالية قادمة.
أظهرت مشاهد استخدام السلاح في الدول العربية ضد المتظاهرين العزل إبان اندلاع ثورات الربيع العربي عن ماهية الإنفاق العربي على التسليح ومغزى صرف نفقات لوزارات الدفاع والوزارات الأخرى للأغراض العسكرية التي تشمل شراء السلاح المتطور والذخيرة وتجنيد العسكريين وتدريبهم وتأمين الإمدادات والمعدات العسكرية أكثر من اهتمام تلك الدول بقطاعات الصحة والتعليم والرياضة والبحث العلمي وغيرها، حيث بلغت نسبة الإنفاق العربي على الإنفاق العسكري 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي العربي بينما كانت نسبة الإنفاق العربي على الصحة 2.6% من الناتج ونسبة الإنفاق على التعليم 3.9% من الناتج.
من المسلمات القول أن واجب الدولة هو تحقيق الأمن الداخلي والخارجي ولهذا السبب أُدرج الإنفاق على تحقيق الأمن بمفهومه العام ضمن أهم بنود الإنفاق بموازنات الدول.
إلا أن الإنفاق العام على أي من قطاعات الدولة يتطلب عائدًا على الإنفاق (قاعدة اقتصادية) فمتى تحققت الوظيفة التي خُصص من أجلها الإنفاق كان الإنفاق إيجابيًا بغض النظر عن حجم الإنفاق كبيرًا كان أم صغيرًا.
وبالنظر إلى طريقة الإنفاق على التسلح في الموازنات العربية نجد أنّها خُصصت لغير وظيفتها الأساسية حيث استخدم ذلك السلاح ضد الشعوب وقتل كل من يخرج عن إرداة السلطة الحاكمة ويطالب بالحرية وأسس الديمقراطية.
لذلك من الأوجه إذا كانت الدول العربية تريد أن تطور نفسها في مجال التسليح، أن يتم الإنفاق على إنشاء مراكز بحثية تقوم بعمل أبحاث علمية تخدم الأجندة العسكرية ومن ثم ضخ المال في بناء مصانع لتصنيع السلاح الذي تحتاجه الدول من أجل ذود الخطر عن نفسها.
ولعل العمل على مشروع الهيئة العربية للتصنيع الحربي في مصر الذي تم تبنيه من قِبل العرب بعد هزيمة 1967 أمام إسرائيل هو أنجع من شراء الأسلحة من الخارج.
إلا أن توفر السلاح مع سلطات ديكتاتورية واستخدامه ضد شعوبها الطامحة لقيم الحرية والرفاهية، أظهر شعورًا عند الشعوب أن النفقات العسكرية هي ضدهم وليس ضد أعدائهم كما كانوا يظنون، حيث عمد النظام السوري والمصري والتونسي والليبي واليمني على تخصيص جزء كبير من الإنفاق العام على موزنات الدفاع للتزود بالأسلحة والمعدات العسكرية ضد عدو “وهمي” تبين في النهاية أنها ضد حرية الشعب وليست ضد أعداء الأمة.
أما الدول الخليجية فإن المصاريف العسكرية التي تُصرف من أجل عقد صفقات شراء الأسلحة نابعة من خطر خارجي يلف المنطقة الخليجية أبرزها احتلال إيران للجزر الإماراتية، وسباق التسلح مع إيران التي تخوف الدول الخليجية من محاولة طهران تصنيع سلاح نووي، وحلم إيران الصفوي الذي يراودها في تحويل الخليج العربي إلى خليج فارسي بالمعنى الإستراتيجي والجيوسياسي العميق، حيث زاد الخطر الإيراني بعد تدخلها في القضايا العربية وسيطرتها على عدة عواصم عربية كبغداد ودمشق وبيروت وصنعاء واعتبار تلك الدول العربية ولايات إيرانية تابعة لها.
فالقلق بشأن إيران هو الدافع الرئيسي لدول الخليج العربي لإبرام صفقات أسلحة تقدر قيمتها بعشرات مليارات الدولارات لتصبح من أكثر الدول إنفاقًا على السلاح وشراء الطائرات المقاتلة الحديثة في العالم.
لقد ولّدت سياسات الإنفاق على ميزانيات الدفاع في الدول العربية مزيدًا من الديكتاتورية للنظم القمعية الحاكمة، كما أن الأداء الاقتصادي والاجتماعي لم يتحسن مع زيادة النفقات العسكرية، وأصبحت هجرة الأدمغة العربية إلى الخارج أمرًا مألوفًا لإنها لم تجد ضالتها العلمية في بلدانها العربية، وانخفضت السياحة بسبب حالة الاضطراب الأمني والحروب التي تشهدها البلدان العربية على الرغم من مصاريفها العالية في التسلح حيث تستقبل المنطقة العربية نسبة 8.3% من حركة السياحة العالمية حسب بيانات 2010 على الرغم من امتلاكها لثروات ومعالم سياحية هائلة، فالبطالة والفقر وانفصام السياسة الاقتصادية عن تنمية المجتمع إلى تنمية قدرات الدولة الدفاعية بيد حكومات ديكتاتورية متسلّطة ولّدت تنظيمات شعبية مضطهدة قررت حمل السلاح ضد الدولة كما يحصل في شبه جزيرة سيناء في مصر.
وتعد المنطقة العربية الأقل حظًا مقارنة بأقاليم العالم من حيث جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة حيث تشير بيانات عام 2012 إلى تراجع نصيب المنطقة العربية من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى نسبة 2.7% من إجمالي الاستثمارات العالمية بعد أن كانت عام 2011 بحدود 5%، علاوة على هذا كله ارتباط الفقر والبطالة ببعض البلدان العربية التي شهدت إنفاقًا عسكريًا عاليًا.