ترجمة وتحرير نون بوست
في 13 ديسمبر الجاري، أدلى أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس الإيراني السابق والقيادي المهم في معسكر المعتدلين، بتعليق نادر حول مجلس خبراء القيادة، حيث صرّح بأن المجلس قام “بتعيين فريق لتعيين الأشخاص المؤهلين ليتم طرح أسمائهم للتصويت ضمن اللجنة، في حال حصول حادث ما”.
عادة ما تخضع التطورات المرتبطة بانتخاب خليفة القائد لإجراءات سرية للغاية، ولكن خطوة رفسنجاني تعكس الأنشطة المكثفة الجارية ما بين التيارين المتنافسين، تيار المعتدلين وتيار المحافظين، للسيطرة على مجلس الخبراء المقبل، وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من انقسام تيار المحافظين إلى فصيلين، أحدهما أكثر تطرفًا من الآخر، إلا أن الجانبين يؤمنان بضرور الإبقاء على الوضع الراهن الحالي.
في فبراير 2016، ستجري إيران انتخابات مجلس الخبراء، الهيئة الحكومية المؤلفة من 88 حقوقيًا والمكلفين باختيار المرشد الأعلى القادم للبلاد في حال وفاة آية الله علي خامنئي، بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية، أو ما يسمى بمجلس الشورى، علمًا أن نتائج انتخابات مجلس الخبراء ستحدد مسار البلاد خلال العقود القادمة، وهذه الطبيعة الحاسمة لنتائج انتخابات مجلس الخبراء، نوقشت مؤخرًا من قِبل أحمد خاتمي، القيادي المحافظ ورجل الدين الذي يقود صلاة الجمعة في طهران.
صرّح خاتمي في إحدى المناسبات بأن “آية الله خامنئي يبلغ من العمر حاليًا 74 عامًا، وخلال السنوات الثماني المقبلة سيبلغ عامه الـ82، والبعض يعتقد بأن مجلس الخبراء الخامس، قد يضطر لاتخاذ قرار بشأن الزعيم القادم”، كما تحدث رفسنجاني أمام الصحفيين في 21 ديسمبر موضحًا بأنه “من خلال هذه الانتخابات تستعد أمتنا لتحديد مصيرها لسنوات قادمة”.
شهدت العقود الثلاثة الماضية علاقات ودية على المستوى العلني بين رفسنجاني وخامنئي، ولكن مع ذلك، يمثل الرجلان مدرستان فكريتان مختلفتان ومتنافستان؛ فمن وجهة نظر رفسنجاني “لا يوجد مصلحة فوق رأي الشعب”، وهو يشير إلى أن “اتباع رضا الجمهور هو أمر ضروري لاستقرار البلاد على المدى الطويل”، كما أشار غير ما مرة إلى أنه “بدون رضا العامة، حتى حكومة العظماء لن تتمكن من الاستمرار ولن تصل إلى أي مكان”.
مهما بدت هذه الآراء عادلة ونزيهة، إلا أنها تبدو متناقضة إذا ما تم وضعها في سياق النظام الإسلامي في إيران، حيث يثير المحافظون تساؤلات حول الواقع السياسي والأيديولوجي الذي قد ينجم في الداخل الإيراني، في حال صوّت المواطنون بدون أي قيود لصالح مرشح من اختيارهم، بما في ذلك أولئك الذين يدعمون وجهات النظر العلمانية، فإذا فاز هؤلاء المرشحون بالقيادة، يتساءل المحافظون عن الكيفية التي يمكن من خلالها المحافظة على الهوية الإسلامية للنظام في الوقت الذي لا يؤمن به ممثلو الشعب بالنظام الإسلامي؟
من وجهة نظر المحافظين، هنا يأتي دور مجلس صيانة الدستور للتدخل، المجلس المكلف بحماية هوية النظام الإيراني ونظام القيم، من خلال فحص المرشحين قبيل الانتخابات، حيث يتكون المجلس من 12 عضوًا يمتلكون سلطة فحص جميع المرشحين للرئاسة والبرلمان ومجلس الخبراء، من بين أمور أخرى.
في أغسطس 2015، سعى الرئيس المعتدل حسن روحاني للحد من قوة التدقيق والفحص الذي يجريه مجلس صيانة الدستور من خلال إلقائه لكلمة أكد فيها قائلًا: “ليس لدينا مكان في البلاد لمن يسعى لتنحية الأفراد المؤهلين والمهتمين الذين يريدون خدمة البلاد من خلال خبراتهم بغض النظر عن الفصيل الذي ينحدرون منه”.
روحاني يستند بحجته في المقام الأول على الدستور، وفي هذا المكان بالتحديد يسهل طعن حجته، كون مجلس صيانة الدستور يتمتع بسلطة دستورية للموافقة أو لعدم الموافقة على المرشحين.
في خطاب 9 سبتمبر، تطرق الزعيم الإيراني لهذه القضية، ورفض بوضوح تأكيدات روحاني قائلًا: “مجلس صيانة الدستور هو عين النظام على الانتخابات، وإشرافه عليها لازم وفعّال”.
مع اقتراب موعد الانتخابات، من المتوقع أن يكثف روحاني مناوراته لفرض الضغوط على مجلس صيانة الدستور ليصعّب من مهمته في استبعاد المرشحين المعتدلين، ولكن مع ذلك، لن يسمح آية الله خامنئي بتجريد المجلس من سلطته في قبول أو رفض المرشحين.
ومن المتوقع أيضًا أن يوافق المجلس على ترشيح عدد من المرشحين المعتدلين، ولكن مع ذلك سيشكل المحافظون الغالبية العظمى من المرشحين، وهذا سيؤدي على الأرجح إلى هيمنة المحافظين على مجلس خبراء القيادة؛ ففي الانتخابات السابقة، تم استبعاد 327 مرشحًا، والموافقة على 166 فقط من قِبل مجلس صيانة الدستور، وهذا يعني أن المجلس وافق على خوض أقل من نصف المرشحين للانتخابات.
يبني مجلس خبراء القيادة قراره في اختيار زعيم البلاد بناء على عدد من المؤهلات موضحة في الدستور، وتشمل هذه المؤهلات: التحصيل العلمي، العدالة، التقوى، الحكمة، الشجاعة، المهارات الإدارية، والفطنة السياسية والاجتماعية.
ولكن المحافظين أضافوا معاييرهم الخاصة؛ فأولًا، يجب أن يكون المرشح المحتمل صغيرًا بالسن نسبيًا وحيويًا لأن المهمة صعبة، فضلًا عن أن وفاة الزعيم يمكن أن تشكل زعزعة لاستقرار البلاد، ثانيًا، يجب أن يحصل زعيم المستقبل على ثقة وموافقة آية الله خامنئي، وثالثًا، المرشح لهذا المنصب يجب أن يكون قائدًا، واثقًا من نفسه، ومحترمًا ومُطاعًا من قِبل الفصائل المختلفة داخل المعسكر المحافظ، ابتداءً من الفصائل المتشددة، كقيادة الحرس الثوري الإيراني وميليشيا الباسيج، وصولًا إلى المحافظين المعتدلين، كأتباع القيادة، الفصيل الذي يتمتع بأغلبية في البرلمان.
ماذا لو فاز المحافظون؟
بالنظر إلى المعايير المذكورة أعلاه، وفي مجلس يهيمنون عليه، فإن النتيجة المحتملة تتمثل باختيار زعيم من المحافظين، ومن المرجح أن يترأس قائمة المرشحين لهذا المنصب القيادي اسمين مشهورين ضمن السياسة الداخلية الإيرانية.
الأول هو آية الله محمود الهاشمي الشاهرودي، البالغ من العمر 67 عامًا، والمولود في مدينة النجف الأشرف في العراق، والذي انتقل إلى إيران فقط في عام 1979 خلال الثورة الإيرانية؛ شاهرودي هو آية الله العظمى، وهو أعلى مركز ديني لدى الشيعة الجعفرية الإثنى عشرية، وتم تعيينه من قِبل المرشد الأعلى باعتباره رئيسًا للسلطة القضائية في عام 1999.
حاول الإصلاحيون، الذين يمتلكون زمام السلطة حاليًا، منع تعيين شاهرودي في منصبه، دون جدوى، بحجة أنه لم يولد في إيران، وبعد ولايتين عمل خلالهما رئيسًا للسلطة القضائية، تنحى شاهرودي في عام 2009، وحاليًا يعمل نائبًا لرئيس مجلس خبراء القيادة وعضوًا في مجلس صيانة الدستور، ويعتبر من المحافظين المعتدلين.
المرشح الثاني الذي يمكن أن يستوفي المعايير المذكورة آنفًا، هو رئيس السلطة القضائية الحالي، صادق آملي لاريجاني، البالغ من العمر 55 عامًا، والمولود أيضًا في النجف بالعراق، وهو محافظ متشدد، ويُقال بأن يمتلك علاقات وثيقة مع الحرس الثوري الإيراني وأجهزة الاستخبارات، وتم تعيينه في منصب رئيس السلطة القضائية في عام 2009 من قِبل خامنئي، ويعمل بهذه الصفة منذ ذلك الحين.
ما بين شاهرودي ولاريجاني، يتمتع الأخير بفرصة أكبر لانتخابه من قِبل مجلس الخبراء، بسبب شخصيته الأكثر سيطرة، ولكونه أصغر سنًا، ولأنه صاحب نظرة أشد تطرفًا، مما يجعله أكثر شبهًا بآية الله خامنئي.
ماذا لو فاز المعتدلون؟
فوز المعتدلين هو السيناريو الأقل احتمالًا، ولكن مع ذلك، إذا نجحوا، فإن فرص الفوز تنحاز لصالح حسن الخميني، البالغ من العمر 43 عامًا، وهو حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني؛ فجنبًا إلى جنب مع رفسنجاني، الذي قد يرفض مجلس صيانة الدستور ترشيحه، وروحاني، يمكن أن يشكلوا تحالفًا قويًا ضمن مجلس خبراء القيادة قادر على جمع كامل فصيل المعتدلين تحت لوائه.
المصدر: ميدل إيست آي