تحولت بعض الأحياء الشعبية في ضواحي العاصمة تونس إلى حاضنة لجماعات “جهادية” ترمي الى زعزعة أركان الدولة وضرب كيانها حسب العديد من المحللين، ورغم ذلك فإن هذه الأحياء كانت مكان ولادة فنانين كبار، أبدعوا خلال برامج غنائية عربية من الطراز الرفيع، فحي الجمهورية التابع لمنطقة المنيهلة الشعبية في محافظة أريانة غرب العاصمة تونس، حي جمع بين نقيضين؛ انتحاري استهدف الأمن الرئاسي وروع الأهالي وموهبة فنية غنت فأثلجت صدور التونسيين.
“حسام العبدلي”، اسم تردد كثيرًا ليس في تونس فقط بل العالم أجمع، لم يكن سياسيًا كبيرًا ولا فنانًا ولا رياضيًا، بل انتحاري فجر نفسه بحزام ناسف وسط حافلة أمنية وسط العاصمة وتسبب في مقتل 12 من الحرس الرئاسي نهاية الشهر الماضي، وفي نفس الحي، يبرز اسم “حمزة الفضلاوي”، شاب تونسي ابن الـ 20 ربيعًا، وموهبة غنائية كبيرة شاركت في مسابقة النجومية العالمية “the voice” فوصل إلى الدور النهائي للمسابقة.
حسام وحمزة درسا في نفس مدارس الحي وتعلما عند ذات المعلمين، نفس الشباب حولهم، ذات المقاهي والشوارع يرتادون، إلا أن الطريق اختلف، فأحدهم اختار ترويع الأهالي بأحزمته الناسفة والآخر اختار التنفيس عن الناس بصوته الشجي.
لطالما أعلنت وزارة الداخلية التونسية عن تفكيكها لما تسميها في بلاغاتها الصحفية بـ “خلايا نائمة لجماعات متطرفة” بأحياء شعبية في ضواحي العاصمة كدوار هيشر وحي التضامن والمنيهلة ورواد، حسام العبدلي ليس إلا نموذجًا لبعض الشباب الحامل لثقافة الموت الكاره للحياة، شباب لم يجد أمامه إلا التنظيمات الإرهابية مكانًا لإثبات الذات والتمرد على الموجود، غيره كثير من الذين ينتمون إلى هذه الأحياء الشعبية الفقيرة، على غرار ياسين العبيدي أحد منفذي الهجوم على متحف باردو الذي كان يقطن مع عائلته في حي العمران الأعلى وسط العاصمة.
مقابل ذلك نجد حمزة الفضلاوي، شاب تونسي نشأ في ذات الحي وعايش نفس المشاكل والمصاعب والتهميش، لكنه اختار طريقًا مخالفًا، طريق فيه الإبداع والتجديد وحب الحياة، الفضلاوي تغنى بالسلام والحوار ومقت الكره والانزواء والإقصاء، فضل الغناء على الانتحار، الحياة على الموت، لم يسلك طريق التطرف ولا نهج الانزواء بل اختار حب الآخر وزرع الأمل فيه، لم يشتت شمل العائلات ولا أبكى الأمهات، ولم ييتم الأطفال، بل جمع الأهالي أمام التلفزيونات ورفه عنهم ولو لساعات، سحرهم بصوته وجذبهم بإطلالته لا بقنبلته.
تناقضات تعيش على وقعها أحياء تونس الفقيرة المتاخمة للعاصمة تستوجب قراءة جيدة لواقع تلك الأحياء وفهم سكانها، فنفس الحي يحمل في طياته النقيضين: محبي الموت والحياة، صانعي الحزن والفرح.