انشغل الرأي العام المصري طوال الأربعة شهور الماضية، بتصريحات المسئولين الأمريكيين المتعلقة بتوصيف الوضع في مصر، إذا كان انقلابًا عسكريًا مكتمل الأركان، أم ثورة شعبية أطاحت بأول رئيس مدني منتخب للبلاد، وامتلأت برامج التوك شو بالمثقفين والمحللين الذين أخذوا يسردون ويحللون موقف”ماما أمريكا” من السلطة الانقلابية، فتارة يهللون ويتفاخرون بموقفها الداعم لـ”ثورة 30 يونيو” وتارة ينتقدون “أوباما الإخواني” الذي يقف وراء اعتصام رابعة ومن بعده المظاهرات التي تملأ شوارع وميادين مصر.
فجأة تحولت الفضائيات والصحف من “عتاب ماما أمريكا” إلى الحديث عن عودة مصر إلى أحضان “بابا روسيا” والرجوع إلى قصة الحب القديمة بين البلدين، تزامناً مع الإعلان عن زيارة وزراء روس إلى القاهرة.
كل هذا التحول جاء مخالفاً للموقف الرسمي المصري وعلى رأسه وزير خارجيته الذي أكد على أنه لا يجوز إطلاقا استبدال “ماما” بـ “بابا”.
هذا الإعلام تناسي تماماً الموقف الرسمي وأخذ يلعب بعقول متابعيه، ليربط الأحداث الراهنة بالحقبة الناصرية في محاولة منه لخلق “زعيم جديد” على غرار عبد الناصر، يتحدى أمريكا وإسرائيل بتعاونه مع روسيا واستبداله السلاح الأمريكي بالروسي، بل وقاد الخيال بعض من يصفون أنفسهم بالخبراء الاستراتيجيين إلى الحديث عن إلغاء مناورات النجم الساطع الأمريكية بأخرى روسية.
الحديث عن تسليح الجيش المصري بسلاح روسي يأخذنا إلى العديد من التساؤلات لن أجيب عليها وسأترك لكم الإجابة.
أبرزها هو: من العدو الذي يريد الجيش المصري الاستعداد له بأسلحة روسية، هل هو الجيش الإسرائيلي؟
وإذا كان هذا حقيقي، فما هو تفسير التنسيق الكبير بين الجيشين تحت مسمى الحرب على الإرهاب، وما سر صمت الجانب الإسرائيلي عن التقارب المفاجئ بين البلدين؟
وكيف يمكننا في هذا السياق أن نقرأ تصريح اللواء محمد رشاد وكيل المخابرات الأسبق، الذي أكد أن مصر مسئولة عن أمن الكيان الصهيوني، وفقا لما نصت عليه اتفاقية كامب ديفيد؟
وهل تستطيع مصر الآن شراء أسلحة بمليارات الدولارات في وقت تواجه فيه أزمة اقتصادية عنيفة تهدد حتى قدرة الحكومة على توفير السلع الأساسية للمواطنين؟
وعسكرياً..هل من المنطقي يتم استبدال سلاح جيش تمت برمجته منذ 1974 على السلاح الأمريكي، بأخر روسي بهذا الشكل السريع والمفاجئ والعلني ؟
تجدر الإشارة هنا إلى أن روسيا لا تعرف إلا لغة المصالح ولا يؤثر عليها رأي عام وإعلام محلى يناديها باحترام المبادئ، حتى مع أقرب حلفائها، وقد تجلى هذا واضحا في تهديدات أمريكا بضرب الأسد، وموقفها من هذه التهديدات الذي لم يتجاوز حد القلق والتحذير، لدرجة أنها منعت صفقة طائرات ومنظومات دفاع جوي عن جيش الأسد بسبب متأخرات مالية، رغم الخطر الذي يحيط به من كتائب المعارضة المسلحة، وتهديدات غربية بتوجيه ضربة عسكرية له.
السؤال الأهم هنا: إذا افترضنا جدية الجانب المصري في السلاح الروسي، رغم عدم قدرته على دفع ثمن هذا السلاح “نقوداً” فما هو الثمن المتوفر لديه حالياً؟