ترجمة وتحرير نون بوست
لو لم تكن طالبان منشغلة للغاية بقتال منافسها الإقليمي المتمثل بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، الذين انخرط جهاديوه بالعمل في الداخل الأفغاني في وقت مبكر من هذا العام، لكانت استطاعت الآن أن تسقط الحكومة الأفغانية التي عينتها القوى الغربية إبان انسحاب معظم قواتها في العام الماضي، ولكن رغم الإلهاء الكبير مع تنظيم الدولة، مازالت طالبان تقوم بعمل مميز في هذا المجال.
يوم الإثنين الماضي، استطاع انتحاري من طالبان يمتطي دراجة نارية قتل ستة جنود أمريكيين خلال دورية لهم في محيط قاعدة باغرام الجوية قرب كابول، وفي اليوم ذاته استطاع مقاتلو طالبان فرض سيطرتهم شبه الكاملة تقريبًا على سانجين في ولاية هلمند، وهي المدينة التي قُتل أكثر من 100 جندي بريطاني للدفاع عنها بين عامي 2006 و2010.
الرائد ريتشارد ستريتفيلد، وهو ضابط بريطاني من الذين قاتلوا في سانجين، صرّح قائلًا لصحيفة البي بي سي: “لا أستطيع أن أنكر أنني، وعلى المستوى الشخصي، أتساءل: هل كان الدفاع عن سانجين يستحق كل ذلك العناء؟ وطالما أصبح الأشخاص الذين كنا نحاول تحرير أفغانستان منهم قادرين على السيطرة مرة أخرى على المنطقة في غضون عامين، فإن هذا دليل واضح على أن ما حدث يعتوره خطأ سيء، سواء على المستوى التنفيذي أو الإستراتيجي”.
ربما كان من الخطأ غزو أفغانستان في المقام الأول، حيث كان من الممكن التعامل مع إرهابيي القاعدة التابعين لأسامة بن لادن بدون غزو بلد بأكمله، فضلًا عن أنه لا يوجد أي دليل يشير إلى أن حكومة طالبان اليوم كانت تمتلك معرفة مسبقة بالهجمات التي كان خطط لها بن لادن على أمريكا في الحادي عشر من سبتمبر.
وبعد أن تم غزو البلاد، كان من الخطأ أيضًا عدم تسليمها لنظام صلد مؤلف من أمراء الحرب المنحدرين من المجموعات العرقية الرئيسية والخروج منها قبل أن يعطي وجود أكثر 100.000 مقاتل أجنبي في البلاد دفعة ثانية كبرى لطالبان لشن الحرب والقتال؛ فمحاولة خلق دولة ديمقراطية ليبرالية على النمط الغربي في أفغانستان كان نهجًا أكثر سذاجة من المشروع السوفييتي السابق الذي كان يتطلع لبناء دولة علمانية و”اشتراكية” يحكمها حزب واحد.
في هذا السياق، كان من الأجدر الاستفادة من تجربة جيش بريطانيا في القرن الـ 19 والجيش الروسي في القرن الـ 20، اللذان كانا سيوضحان بأنه من السهل دائمًا غزو أفغانستان، ولكن يصعب دائمًا بقاء القوات الأجنبية في البلاد لأكثر من سنتين.
وبعد كافة تلك الأخطاء، تمثل الخطأ الأخير بسحب جميع القوات الأجنبية تقريبًا قبل وصول جيش الحكومة الأفغانية لمستوى قتالي يؤهله محاربة طالبان، هذا إن استطاع أساسًا الوصول إلى هذا المستوى في أي وقت بالمستقبل.
تم تسليط الضوء على الحالة الخطيرة التي يعاني منها الجيش الوطني الأفغاني، والعجز الهائل لحكومة الرئيس أشرف غني، من خلال نداءات الاستغاثة العاجلة التي وجهها في نهاية الأسبوع الماضي نائب حاكم إقليم هلمند، محمد جان رسوليار، طالبًا إرسال اللوازم والتعزيزات للقوات التي تدافع عن سانجين.
والطامة هنا لا تتمثل بإهمال الجيش الوطني الأفغاني لإرسال التعزيزات لإخراج جنود سانجين من محنتهم فحسب، بل بحقيقة أن رسوليار اضطر إلى نشر دعوته على الفيسبوك لاستقطاب اهتمام الحكومة.
جزء من المشكلة يتمثل بواقع أن الحكومة الأفغانية والقيادة العليا للجيش يعانيان من فساد مستشرٍ وعميق؛ فعلى سبيل المثال، حوالي ربع قوات الجيش هي من “الجنود الأشباح” أو من القوات الوهمية التي لا توجد إلا على الورق، ويتقاضى هؤلاء العناصر رواتبهم بشكل مستمر بدون أن يؤدوا أي خدمة في صفوف الجيش.
وما زاد الطين بلة، هو أن غني، المسؤول الكبير السابق في البنك الدولي، فاز بانتخابات العام الماضي من خلال عمليات تزوير واسعة النطاق، والخلافات التي نشبت مع الأطراف الخاسرة المتضررة على إثر ذلك، تركت الحكومة الأفغانية مشلولة تمامًا؛ فبعد 20 شهرًا من الانتخابات، لم يتم تعيين وزير دفاع دائم للبلاد حتى الآن.
علاوة على ذلك، يعتقد غني بأن النصر العسكري الحاسم على طالبان هو أمر مستحيل، وربما من الصحيح أن نرى الأمور من هذا المنطلق، ولكن تصرفات غني النابعة من هذه القناعة، والتي تمثلت بالتزامه بتأسيس علاقات وثيقة مع باكستان على أمل أن تعمل وكالة المخابرات الباكستانية، المعادل الباكستاني لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، والتي يُعتقد بأنها تحوز علاقات وثيقة مع طالبان، على إجبار الأخيرة للحضور إلى طاولة المفاوضات لإجراء محادثات سلام، هو موقف خاطئ من غني لسببين.
فأولًا، لا يوجد على الأرض ما يدفع طالبان للتوافق على تسوية سلمية لتقاسم السلطة، لأنها لا تزال تتمتع بأمل كبير بتحقيق انتصار عسكري شامل، وثانيًا، باكستان لا تسيطر حقًا على طالبان، رغم أنها تمنح مقاتلي الحركة ملاذات آمنة وقادرة على التلاعب بهم ولكن على نطاق محدود، علمًا بأنه جرت بعض محادثات السلام التمهيدية في وقت مبكر من هذا العام، ولكن توقف أي مجهود متعلق بهذا الأمر منذ يوليو المنصرم.
كان يمكن للجيش الأفغاني أن ينهار تمامًا وبشكل أسرع لو لم تكن طالبان مركزة تمامًا على حربها مع داعش، التي أسفرت هذا العام عن مقتل 1000 شخص من أتباع تنظيم الدولة، ولكن رغم هذا الانشغال التام، تمكنت حركة طالبان من الاستيلاء على مدينة قندز في الشمال لمدة أسبوع في سبتمبر، والآن سيطرت بشكل شبه كامل على سانجين في جنوب غرب البلاد.
بالتوازي مع هذه التحركات، شهدنا ردود الفعل الغربية المعتادة التي تعالج المجريات على المدى القصير؛ فمثلًا أوقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما انسحاب معظم القوات الأمريكية المتبقية التي يتألف قوامها من 9800 جندي، والذين كان من المقرر أن ينسحبوا في نهاية هذا العام، كما أمرت بريطانيا 10 جنود من الـ450 جنديًا المتبقين لها في أفغانستان للانتقال إلى سانجين.
هذه التحركات الغربية لن تغير من مجريات الأمور على أرض الواقع، وبالنظر إلى أنه ليس هناك أي فرصة على الإطلاق لإعادة قيام دول حلف شمال الأطلسي ببناء جيش في أفغانستان قوامه حوالي 140.000 جندي، كما كان عليه الحال قبل خمس سنوات، فيجب على الأفغان أن يدركوا بأنهم وحيدون الآن أمام التحديات التي تجابههم، وسيكونون محظوظين إذا تكشفت المجريات في نهاية المطاف عن حكمهم مرة أخرى من قِبل طالبان، بدلًا من الوقوع في براثن حكم تنظيم داعش.
المصدر: صحيفة حريات التركية