لقد فجر إحراق عائلة دوابشة صراعًا بين جهاز الشاباك الإسرائيلي وبين المستوطنين المتعاطفين مع قتلة عائلة دوابشة، ففي الوقت الذي يدرك فيه جهاز الشاباك الإسرائيلي مدى خطورة المجموعات اليهودية المتطرفة، وانعكاس فعلها المشين على بقاء الدولة اليهودية نفسها، يهاجم رجال الدين اليهود وزعماء المستوطنين جهاز الشاباك، ويتهموه باستخدام العنف ضد فتية التلال، وتلاميذ المدارس الدينية، لانتزاع معلومات.
لقد بلغ الصراع بين الطرفين أوجه حين تعمد جهاز الشاباك أن يثير انتباه المجتمع اليهودي لما يجري تحت السطح في مستوطنات الضفة الغربية من محاولة للتمرد على قرارات الدولة، فقام بتسريب شريط الفيديو المعروف بعرس الدم عبر القناة العاشرة، وهو يدرك خطورة بث فيديو عرس الدم على مكانة الدولة على المستوى الخارجي، ولكنه يدرك في اللحظة ذاتها أن مصلحة إسرائيل الداخلية أهم بكثير من مكانتها الخارجية.
لقد شكل فيديو عرس الدم صدمة للمجتمع الإسرائيلي وللقيادة السياسية، وقد تمت إدانته من كل أطياف المجتمع الذي بات يخشى تطور الإرهاب اليهودي الذي يرعاه وزراء في الحكومة ورجال دين يهود كما قال ذلك وزير الحرب موشي يعلون، الذي أبدى خوفًا من التطرف على مستقبل الدولة، وعلى وحدتها واستقرارها، وهذا ما دفع الوزير المتطرف نفتالي لأن يطمئن المتطرفين بأنهم يمتلكون زمام القرار السياسي في الدولة، وأنه شخصيًا وزير التعليم، وأن زميلته المتطرفة آيليت شاكيد هي وزيرة القضاء، فماذا تطلبون أكثر من ذلك في هذه المرحلة.
ويقدم نفتالي بنت تعريفًا للإرهاب، ويقول: الإرهاب هو استخدام العنف ضد المدنيين من أجل هدف سياسي أو لإسقاط الدولة، كل ما سبق ينطبق على فعل إحراق عائلة دوابشة؛ لقد استخدموا العنف الرهيب، وأحرقوا هناك عائلة في نومها من أجل تحقيق هدف سياسي أو فرض مواقف على الدولة، وفي هذه الحالة فإن الهدف الأعمق هو تفكيك الدولة.
اعتراف الوزير نفاتلي بنت بأن حرق عائلة دوابشة هو إرهاب يهودي، هذا الاعتراف لا يهدف إلى إحقاق الحق، واتهام الدولة كلها بالإرهاب، وإنما يهدف إلى حماية الدولة من خلال توجيه الاتهام لمن يريد إسقاط الدولة، وقدرتها على السيطرة، وبناء مؤسسات جديدة، ويعرب نفتالي بنت عن خوفه ويقول: عملية القتل في دوما هي مجرد أداة. إنهم يريدون إسقاط البيت على رؤوسنا، هذا هو هدفهم، هذا يتعارض مع جوهر الصهيونية الدينية، إنهم يريدون تفكيك دولة إسرائيل، هؤلاء إرهابيون، والحكومة قررت التعامل معهم هكذا”.
وبنفس المضمون تحدث الكاتب يسرائيل هرئيل في صحيفة هآرتس، وقال: القتل في دوما وما سبقه من عمليات إحراق وتخريب مساجد وبقية جرائم الكراهية، في جوهرها العميق هي أعمال إرهابية هدفها المعلن هو سياسي – ديني، والهدف المقدس هو طرد العرب من البلاد بكل الوسائل، بما في ذلك حرق الأطفال، وهذا ما حذر منه الوزير داني ديان، الذي أكد على أن جرائم هؤلاء الفتية تهدد مستقبل المشروع الاستيطاني أكثر من العنف العربي، ومع ذلك لم نسمع من المؤسسة الحاخامية إلا شجبًا واهنًا، وأحيانًا يتظاهرون بالبراءة.
ونحن الفلسطينيين لم نسمع من القيادة الفلسطينية أي موقف سياسي جديد يتعامل مع مضمون هذا التعريف اليهودي للإرهاب، ويبني عليه المواقف التالية:
أولًا: سحب الاعتراف بدولة إسرائيل، الدولة التي قامت على الإرهاب، وحققت أهدافًا سياسية من خلال المذابح والقتل والطرد واغتصاب عشرات القرى والمدن الفلسطينية، ويكفي أن تراجع القيادة الفلسطينية ملفات الانتداب البريطاني لتقدم عشرات الوثائق بهذا الشأن.
ثانيًا: الاقتناع بأن اليمين اليهودي المتطرف هو الحاكم في إسرائيل، وهو صاحب القرار، وهو القوة المخيفة الصاعدة، لذلك فإن رفض نتنياهو فكرة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية نابع من تقديره الدقيق للقوى اليهودية اليمينية، والتي باتت صاحبة القرار فوق أرض الضفة الغربية، والتي لن تسمح لقوة على وجهة الأرض بمناقشة حدود الدولة الفلسطينية التي صارت مستوطنات تضم مئات الآلاف من المستوطنين المتطرفين.
الاعتراف بالحقائق بداية تصحيح المسار، والانتقال إلى الفعل الموجع للمتطرفين.