لماذا فرحت وسائل الإعلام بكل لغاتها وتوجهاتها بالسيطرة على المجمع الحكومي وتناقلت إثر الإعلان عن ذلك إشاعة تحرير مدينة الرمادي بالكامل في حين نفى ذلك قائد جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الركن عبد الغني الأسدي ورفض تحديد موعد لانتهاء المعارك في المدينة؟
أم أن السيطرة على هذا المجمع الحكومي الذي دمر تنظيم الدولة الإسلامية أغلب بناياته فور سيطرته على الرمادي في شهر مايو الماضي تعني بالضرورة تحريرها وهزيمة مسلحي التنظيم؟
هل نصدق نبأ التحرير أم نرمي بالأخبار التي تقول إن القوات العراقية سيطرت فقط على ما بين 10 إلى 30% من مساحة المدينة عرض الحائط؟
قبل 7 أشهر وفور سيطرته على مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار العراقية، نشر المكتب الإعلامي لتنظيم الدولة الإسلامية “الأنبار” صورًا لبنايات تم تدميرها وتسويتها بالأرض مرفقة بهذا الخبر: “تدمير بنايات المجمع الحكومي”.
وبعد 7 أشهر من هذا التدمير وتحديدًا أمس الإثنين أعلن الناطق باسم القوات المشتركة العميد يحيى رسول في بيان بثته قناة “العراقية” الحكومية أن مدينة الرمادي حررت من تنظيم داعش، نعم، تحررت مدينة الرمادي ورفعت القوات المسلحة من رجال جهاز مكافحة الإرهاب الأبطال، العلم العراقي فوق المجمع الحكومي بالأنبار.
كما قال محافظ الأنبار صهيب الراوي الإثنين، في خطاب متلفز على محطة “الأنبار” الفضائية: “نزف إليكم بشرى النصر برفع العام العراقي فوق مبنى المجمع الحكومي في الرمادي بعد تطهير أبنيته من براثن ومخلفات داعش”.
وبعد دقائق من صدور هذه التصريحات من الجهات العراقية الرسمية أظهرت لقطات فيديو بثها التلفزيون الرسمي الجنود العراقيين وهم يرفعون علم العراق فوق مبنى المجمع الحكومي الرئيسي في مدينة الرمادي بغرب البلاد كما بثت قنوات إخبارية أخرى صورًا لهذا المجمع شبه المدمر.
كما بث ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات أخرى تظهر القوات العراقية الخاصة تتجول في مركز مدينة الرمادي وسط دمار كبير وتصاعد لدخان كثيف من عدة بنايات بسبب تفخيخها وتفجيرها من قِبل مقاتلي تنظيم الدولة وجراء أكثر من 600 ضربة جوية وجهها التحالف الدولي لمساعدة القوات العراقية في إخلاء المجمع الحكومي في الرمادي.
صحيح أن المجمع الحكومي قد سيطرت عليه القوات العراقية ولكن لماذا فرحت القيادة بهذا النصر وتناست الحقيقة؟
ألم تصبح الرمادي شأنها شأن كوباني وتكريت وبيجي مدمرة جراء 6 أشهر من القصف والاشتباكات التي استنزفت البشر والحجر؟
إن تنظيم الدولة الذي غير من تكتيكاته وعاد إلى حرب العصابات في المدن العراقية أصبح ينتهج ويعتمد على سياسة الأرض المحروقة في كل المناطق التي تشهد كرًا وفرًا بينه وبين خصومه، وما قام به في مدينة عين العرب “كوباني” من تدمير وحرق عجزت عن وصفه الصور يبين لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن تسليمه للمدن دون أي ترك لبصمته “التدميرية” ضرب من الخيال خاصة وأن مقاتليه قالوا في أكثر من مرة إن هلاكهم كلهم أهون عندهم من تسليم أي قرية أو مدينة.
محافظ الأنبار صهيب الرواي غالط الرأي العام العراقي وخالف الإجماع كعادة المسؤولين العراقيين الذين دمروا العراق وأهله بسبب سياساتهم الطائفية وفتح حدودهم البرية والجوية لكل من هب ودب ليفرغ حمولاته ويطبق سياساته، فقد قال هذا المحافظ “إن معارك تحرير الرمادي أدت إلى مقتل أكثر من 1000 مسلح من تنظيم الدولة”، في حين تواترات الأخبار من مختلف المصادر قبل أيام عن وجود ما بين 150 و400 مقاتل فقط داخل المدينة.
القوات العراقية وأثناء تجولها رفقة وسائل الإعلام الموالية للحكومة داخل الأحياء المحررة التي تمثل فقط 10-30% من مساحة الرمادي لم تظهر لنا صورة واحدة من صور الـ 1000 مقاتل الذين سقطوا قتلى جراء هذه العملية العسكرية الكبيرة من قِبل طائرات التحالف الدولي لا من قبل أبطال قوات مكافحة الإرهاب كما وصفتهم لنا بعض وسائل الإعلام العراقية والعربية.
من الأفضل على المسؤولين العراقيين أن يقدموا لشعبهم الصورة الحقيقة للوضع ويكفوا عن “استبلاهه” رفقة بعض وسائل الإعلام العربية المدعومة خليجيًا وحكوميًا، كما أنه من الأجدر على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي قال في كلمته التي ألقاها بمناسبة الإعلان عن تحرير مدينة الرمادي والتي بثها التلفزيون الرسمي الإثنين: “ها قد تحقق الوعد وانهزم داعش، لقد عادت مدينة الرمادي إلى حضن العراق وستعود كل مدينة عراقية إلى حضن الوطن الكبير”، أن يكون واقعيًا ويبين لنا من هي الجهة المسيطرة على ألبو فراج والسجارية والملعب والصوفية والزراعة وألبو علوان وجزيرة الرمادي غيرها من القرى والأحياء التابعة للرمادي “المحررة بالكامل”.
كما نريد أن نسأل القنوات العربية التي هللت وكبرت فور ورود خبر السيطرة على كامل مدينة الرمادي، لماذا لم تخبرونا عن الأجواء داخل أحياء الملعب والجمهوري والثيلة الشرقية والجمعية وجويبة والزراعة؟ ولماذا جعلتم من سيطرة قوات مكافحة الإرهاب على أحياء التأميم والأرامل والبكر والضباط والحوز والمجمع الحكومي تحريرًا لكامل مدينة الرمادي؟
الضحك على العالم وعلى الشعب العراقي يبدو أنه متواصل في السنة القادمة، فرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي أخلف وعده لشعبه بالقضاء على “الدولة الإسلامية” عام 2015 أعاد الكرة هذه المرة وأعلن مجددًا أمس الإثنين أن العام 2016 سيكون عام الانتصار الكبير على “داعش”، ولا نعلم إن كانت وقائع 2016 ستكذبه أم ستخرجه من مأزق الوعود الزائفة التي ما فتئ يسمعها العراقيون.
العبادي المنتش بالنصر المزعوم كذب على العالمين مرة أخرى في نفس الخطاب عندما قال “إن المقاتلين العراقيين لن يتوقفوا حتى تحقيق كامل الأهداف بتحرير كل مدينة وقرية وقصبة، ونؤكد لكم وللعالم أجمع أننا لولا الحرص على سلامة العوائل المحاصرة في الرمادي لأتممنا تحريرها قبل هذا الموعد وهذا التاريخ بوقت طويل”، فالصور الواردة من المناطق المحررة تفند أقواله لأن الدمار والخراب قد حل بكل جامد في المدينة التي لا يوجد بداخلها أي مقر عسكري ثابث لمقاتلي تنظيم الدولة.
حلم تحرير الموصل لا يزال بعيدًا وما قول العبادي “نقولها بثقة تامة، نحن قادمون لتحرير الموصل، لتكون الضربة القاصمة والنهائية لداعش”، إلا محاولة لذر الرماد في عيون من لا يعرف أخطر وأغنى تنظيم إرهابي في التاريخ المعاصر، فالحرب لا تزال طويلة واستنزاف القوات العراقية على أطراف مدينة الموصل لا يزال متواصلاً وربما الالتفاف لاسترجاع المناطق التي فقدها التنظيم في الأشهر الأخيرة والسيطرة على مدن جديدة بعد هذا الاستنزاف لا يبدو حلمًا بعيد المنال خاصة لقيادات ومقاتلين خبروا الحرب لأكثر من عقد من الزمن.
مدينة الرمادي عاصمة محافظة “الأنبار” التي شهدت شهورًا متواصلة من القتال الذي خلف سقوطها في قبضة تنظيم الدولة وهو ما أحدث صدمة داخل التحالف الدولي، ووصفها الرئيس الأمريكي باراك أوباما من هول الخسارة في مقابلته مع مجلة ذي أتلانتك الأمريكية بأنها “تراجع تكتيكي بسبب أن المدينة في وضع هش منذ وقت طويل” لن تسقط بسرعة في يد القوات العراقية وستظل المعارك محتدمة طيلة الأسابيع القادمة خاصة وأن الأيام المقبلة ستشهد ربما تعطيلاً للعمليات العسكرية بسبب سوء الأحوال الجوية، وهو ما يمكن أن يستثمره مقاتلو التنظيم للقيام بهجمات مباغتة للقوات العراقية.