ترجمة وتحرير نون بوست
مع إعلان القوات العراقية لانتصارها وتحريرها لكامل منطقة الرمادي، تجد بغداد نفسها أمام اختبارين صعبين، أولهما يتمثل باستعادة السيطرة على مدينتي الفلوجة والموصل، اللتين يسيطر عليهما تنظيم الدولة الإسلامية، وثانيهما إقناع السكان السنة القلقين بإمكانية وضع ثقتهم بالحكومة العراقية التي يقودها الشيعة، لدرجة كافية لإقناعهم بالعودة إلى ديارهم ومباشرة إعادة بناء المنطقة التي مزقتها الحرب.
الحصار المستمر منذ شهور على مدينة الرمادي، التي استولت عليها الدولة الإسلامية في مايو إثر هزيمة مذلة لبغداد، وصل إلى نهايته أخيرًا بعد أن تمكنت القوات البرية العراقية من اختراق طوق العبوات الناسفة وغيرها من العوائق التي تم وضعها من قِبل مقاتلي تنظيم الدولة بشكل منظم وممنهج.
بدأت الحملة على الرمادي باستهداف الطائرات الحربية الأمريكية للمنطقة بأكثر من 630 غارة جوية ضربت أهدافًا للدولة الإسلامية في جميع أنحاء المدينة منذ يوليو الماضي، ولكن للمرة الأولى لم يعتمد الهجوم النهائي في الرمادي على القوة الجوية الأمريكية أو على الميليشيات الشيعية ذات القدرات القتالية العالية، بل بدلًا من ذلك، أدت الوحدات العسكرية العراقية النظامية المهمة باستخدام تكنولوجيات منخفضة الكفاءة نسبيًا، ومعدات أمريكية غير فتاكة، ساعدت على تحويل دفة الأمور ضمن المعركة، وبعبارة أخرة، أوضح تحرير الرمادي كيف يمكن، في كثير من الأحيان، أن تكون الحكمة التقليدية والرأي السائد حول الحروب خاطئان بشكل كبير.
توجهت قوات الجيش النظامي العراقية إلى المدينة بدون مساعدة كبيرة من الميليشيات العراقية الشيعية القوية المدعومة إيرانيًا، والتي لعبت دورًا حاسمًا في استعادة السيطرة على مدينتي تكريت وبيجي في وقت سابق هذا العام إبان تعثر وتراجع وحدات الجيش العراقي العادية، وكان العديد من المحللين قد توقعوا بأن اعتماد بغداد على الميليشيات، التي غالبًا ما كانت تخوض المعارك بفعالية أكبر من الجيش العراقي، من شأنه أن يزيد من نفور السكان السنة القلقين أساسًا من دور هذه المليشيات في الداخل العراقي.
هذا النفور يمكن تفسيره من خلال ما حدث إبان دحر تنظيم الدولة الإسلامية من تكريت من قِبل القوات العراقية والميليشيات الشيعية في وقت سابق من هذا العام، حيث وردت تقارير كثيرة من عشرات اللاجئين السنة الذين فروا من القتال، تؤكد قيام الميليشيات المدعومة إيرانيًا بقتل الرجال العزل، نهب المنازل وإحراقها، واعتقال نحو 200 شاب بدون سبب، كما اعتمد تقرير هيومن رايتس ووتش، الذي صدر في سبتمبر الماضي، على صور الأقمار الصناعية لتوثيق الكم الهائل من الدمار الذي ألحقته الميليشيات الشيعية بتكريت بعيد انتهاء القتال.
ولكن يبدو بأن بغداد أحجمت عن إرسال القوى الشيعية أثناء عملية الرمادي، واعتمدت في هذه المعركة بدلًا من ذلك على وحدات الجيش النظامي، الذين تم تدريب البعض منهم من قِبل القوات الأمريكية في الأشهر الأخيرة، حيث نشرت الولايات المتحدة بضعة مدربين عسكريين في العراق منذ يونيو 2014، حتى وصل عدد الجنود الأمريكيين إلى 3500 جندي في نهاية المطاف، ومن هذا المنطلق، يشكل تحرير الرمادي أول عملية ناجحة يجريها الجيش العراقي الذي تمت إعادة تدريبه وتسليحه.
تمثلت العثرة الجديدة التي واجهت القوات العراقية في سعيها لتحرير الرمادي، بتفجير مقاتلي الدولة الإسلامية للعديد من الجسور الرئيسية في المدينة التي تعبر نهر الفرات، ساعين من خلف ذلك لحصر تقدم القوات العراقية إلى المدينة بحفنة من الطرق المحمية بشكل جيد من قِبل عناصر التنظيم، مما يجعلها هدفًا أسهل بالنسبة لقوات الدولة الإسلامية، ولكن بدلًا من تسخير المزيد من الدبابات والصورايخ والشاحنات المقاومة للانفجار التي تقدمها الولايات المتحدة، مدّ المهندسون العراقيون جسرًا عائمًا مقدمًا من قِبل الأمريكيين، وتم استخدامه لعبور قناة الثرثار بسرعة ودفع المركبات والمعدات الثقيلة إلى داخل المدينة.
من خلال تأمينه لطريق جديد لدخول الرمادي، يمكن القول بأن الجسر المائي المقدم إلى القوات العراقية لا يقل أهمية عن الدبابات أو أنظمة الأسلحة التي كانت واشنطن تهديها لبغداد خلال السنوات الأخيرة، كما أن تحرير الرمادي شكّل اختبارًا حاسمًا للقوات العراقية التي تم تدريبها، ومن المرجح أن يتم تكليف هذه القوات للقيام بمهمة التحرير مرة أخرى في مدينة الموصل، المدينة التي يشطرها نهر الفرات أيضًا إلى قسمين، علمًا بأن مسلحي الدولة الإسلامية قاموا بالفعل بتفجير بعض الجسور في المدينة تحسبًا للهجوم القادم.
بجميع الأحوال، توفر معركة الرمادي منهجية يمكن تطبيقها في المعارك القادمة التي سيتم افتتاحها ضد معاقل الدولة الإسلامية، تتمثل بإعطاء الوقت اللازم لدخول آلاف القوات البرية إلى المدن، تحت مظلة كثيفة من التغطية الجوية الأمريكية.
“معركة الرمادي تدلل على فعالية الحملة الجوية لقوات التحالف المتلازمة مع القوات البرية المتفانية” قال أحمد علي، الزميل البارز في معهد الدراسات الإقليمية والدولية في الجامعة الأمريكية في العراق، وتابع موضحًا: “الأعداد الهائلة، التي تشمل قوات العمليات الخاصة العراقية، الجيش، وحوالي 5000 مقاتل من العشائر السنية، يجب أن تلعب اليوم دورًا هامًا كقوة متماسكة على الأرض”.
في الوقت الذي يجب فيه على القوات العراقية أن تركز على تكتيكات التحرك إلى الأمام، تتواجه بغداد بمشكلة أخرى تتمثل بوجوب إيجادها لوسيلة لكسب ود السكان السنيين في معقلهم بمحافظة الأنبار، وهي معركة أطول، وعلى الأرجح أكثر صعوبة، من المعركة ضد الدولة الإسلامية، وفي هذا السياق، ينبغي علينا أن ننتظر لنعرف إلى متى سيستمر تهميش الميليشيات الشيعية، وداعميها الأقوياء من السياسيين العراقيين في بغداد، بمجرد مباشرة معركة الأنبار.
استمرار تهميش المليشيات الشيعية ذات الميول الإيرانية هو مفتاح النجاح، “لأن ثقة السكان السنة تتقلص يومًا بعد يوم من خلال ملاحظتهم لإستراتيجيتنا في العراق المنحازة بشدة لدعم القوات العراقية المخترَقة بشكل كبير من قِبل الميليشيات الشيعية”، قال مايكل بريجنت، ضابط استخبارات أمريكي متقاعد وزميل مساعد في معهد هدسون.
ومن بعد ذلك يجب أن يتم التركيز على عملية إعادة الإعمار، وهو أمر لا يبدو سهلًا في ظل شح المعلومات حول عدد المدنيين الذين ظلوا في الرمادي في الوقت الذي دخلت به القوات العراقية إلى المدينة، فضلًا عن عدم توفر معلومات أيضًا حول مظاهر الحياة المتبقية في الرمادي بعد معاناتها من وحشية الدولة الإسلامية، ولكن رغم ذلك، وكما يتوضح من عشرات الصور ومقاطع الفيديو التي تم نشرها خلال الأسبوع الماضي، تم إحالة أحياء كاملة في المدينة إلى ركام بعد أشهر من القصف الشديد، وهذا الدمار الواسع المتلازم مع عدم وجود جسور توصل إلى قلب المدينة، سيفرضان تحديات لوجستية كبيرة ومن المرجح أن تكون التكاليف المالية لإعادة الإعمار هائلة للغاية.
بمجرد توقف إطلاق النار في الرمادي وغيرها من المدن، يجب على الحكومة العراقية، التي يقودها الشيعة في بغداد، أن تؤكد سلطتها، وتحضر لنجدة المدن المدمرة بشكل كامل للسكان السنة المرتابين أساسًا من الجيش العراقي الذي تحكمه أغلبية شيعية، ومن الميليشيات الشيعية التي لا تخفي النفوذ الإيراني ضمن أوساطها، ولمعالجة ذلك، تعهد المسؤولون الحكوميون بتسليم المهام الأمنية في الرمادي، على الأقل، إلى الميليشيات السنية خلال الأسابيع المقبلة، كما صرح مسؤول عسكري أمريكي، بأن المدربين العسكريين الأمريكيين والإيطاليين في العراق دربوا مسبقًا حوالي 100 ضابط سني للخدمة في الرمادي، بالإضافة إلى عدة آلاف من رجال القبائل السنية.
نصر الرمادي ينبغي أن يعزز ثقة الجيش، الذي ما زال ينتظره طريق طويل يقبع أمامه، والمسيرة القادمة إلى قلب المنطقة السنية لمحافظة الأنبار، ستشكل اختبارًا لمدى سيطرة بغداد على الميليشيات القوية المدعومة إيرانيًا، والتي قد تكون تعمل اليوم على قدم وساق لإعداد الأرض لعمليات الفلوجة، كما ستكون حرب الأنبار ميزانًا لقياس قدرة بغداد في الحفاظ على تماسك البلاد.
حتى الآن، يبدو أن المعنويات في بغداد عالية، حيث احتفل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بتحرير الرمادي يوم الإثنين، من خلال تغريدة نشرها يقول فيها: “نقولها بثقة تامة، نحن قادمون لتحرير الموصل، لتكون الضربة القاصمة والنهائية لداعش، بوحدة وعزيمة هذا الشعب العظيم وبسواعد أبنائه الشجعان”، ولكنه لم يفصح عن موعد بدء عملية تحرير الموصل، وهي العملية التي تم تأخيرها بالفعل لعدة أشهر بعد إعلان مستشاري الولايات المتحدة العسكريين في وقت سابق من هذا العام بأن العراقيين سيبدأون هجوم الموصل بحلول الربيع المنصرم.
المصدر: فورين بوليسي