ربما نجد رخصة لادعاءات عائلة الإسرائيلي “إفراهام منغستو” المتواجد لدى حركة حماس، بحكم اجتيازه إلى داخل قطاع غزة في سبتمبر من العام الماضي، في أن حماس تُناقض نفسها وتنافق الناس في ذات الوقت، في شأن إظهار انكوائها وشعورها بالحرقة في أعقاب قيام الجيش المصري بقتل الفتى الفلسطيني “إسحق حسان” المُعاق جسديًا بعد قيامه بتجاوز الحدود المصرية، ودون أي تحذيرات مسبقة.
حيث اعتبرت ذلك القتل، بأنه خارج عن حدود الإنسانية، بينما فعلت نفس الشيء في شأن قيامها باحتجاز منغستو واستمرار احتجازها له، إذ كان يُحظر عليها فعل ذلك، باعتباره بلا عقل، حيث ضل الطريق باتجاه القطاع، ولم تشأ الحركة تسريحه وإعادته إلى أهله.
لكننا لا نجد الرخصة ذاتها لكبراء آخرين من سياسيين وخبراء وأمنيين (إسرائيليين وعرب)، حين يصفون الحادثتين بوصفٍ واحد ودون وقوفهم على أية فروقات بينهما، حيث أثبتوا بأنفسهم بأن عقولهم لا تزيد كثيرًا عن عقول العصافير، وما يزيد عقولهم صغرًا هو وصولهم إلى خيال أوحى لهم بأن حماس حرصت على استخدام “حسان” لأغراض تجسسية، ربما بقصد الإبلاغ عن عدد أفراد الجنود المصريين في المكان على الأقل، وذلك اعتمادًا على ادعاءات عسكرية إسرائيلية تقول بأن جنود الجيش الإسرائيلي اعتادوا على قيام حماس بإرسال أطفال أو ممن بلغوا الحلم – غير مسلحين – إلى المناطق الحدودية، في مهام المراقبة وجمع المعلومات الاستخباراتية.
على أي حال، يمكننا تلاشي تلك الادعاءات، حتى وإن كانت هناك نسبة 0% لنجاحها، حيث لا نعلم بعد، بأي طريقة يمكن فهمها أو الاقتناع بها، وحتى في حال وصول تلك الادعاءات إلى درجة المحاولة لاستخدامهم في تصميم وإدارة الحروب المقبلة، لكن اللازم – ليس لأجل المُدافعة عن أحد كأساس -، هو توضيح أن هناك فروقات وافرة بين الحادثتين، والتي يمكن سوْق بعضًا منها كما يلي:
لا شك، بأن الطريقة التي تناولت بها حركة حماس الإسرائيلي منغستو هي طريقة آدمية، وسواء من حيث القبض عليه أو طريقة إيداعه إلى أماكن آمنة، أو بالحرص على توفير معيشة رحبة (صحية، وترفيهية) لجنابه – ويمكن التأكد من ذلك بسؤال “جلعاد شاليط”، باعتباره كان متواجدًا لدى حماس طيلة فترة لا بأس بها امتدت على مدار عدة سنوات -، بينما حسان لم يُستشر مطلقًا من قِبل جنود الجيش المصري في مسألة إطلاق النار عليه، ولم يتم الأخذ بالحسبان أية تداعيات لاحقة، حتى على الصعيد الأخلاقي والإنساني.
وكما أن حماس لم تقم بتوجيه أية اتهامات باتجاه منغستو تؤهله للمحاكمة للقصاص منه بسبب تجاوزه الحدود عمدًا أو بناءً على ما هدته إليه حالته النفسية، بينما حسان تعرض لحكم الإعدام فورًا، بدون أي تدخلات لجهة قضائية، فإنها أيضًا، ليست هي التي انهارت ألمًا على مقتله وحدها، بل كل الفلسطينيين والعرب وكل من ساءه المشهد من المصريين أيضًا.
إن ظروف منغستو وإن كان ضالًا عن الطريق، هي ليست مشابهة لظروف حسان الذي جاء بباله أن يسمح له الجانب المصري بمواصلة مسيره، لأجل تكملة علاجه داخل المستشفيات المصرية بعد انتظاره سنين طويلة، وفي ضوء وصوله إلى نتيجة فظة، كما بقية المأزومين الفلسطينيين، بأن بوابة المعبر (معبر رفح) قد صُبت بواسطة بشرية، بسدادٍ من حديد ونحاس.
إن منغستو ضل باتجاه ما تعتبره إسرائيل كيانًا معاديًا، هي وحتى هذه الأثناء، في غنى عن الاعتراف به، بينما حسان سار باتجاه من نقول بأننا نرتبط وإياهم برباط العروبة والدم وليس بطريق العداء، بغض النظر عن مسألة انقطاع العلاقة بين حماس والحكم المصري منذ 2013، وهو العام الذي تسلم فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الرئاسة والحكم، وفي ضوء أن حسان لم يُكتشف أمره، فيما إذا كان تابعًا لحركة فتح أو حماس أو حتى لتنظيم الدولة.
لا تزال حماس تطمع من وراء احتجازها منغستو، إلى مبادلته بِحفنة من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، الذين لا يزالون يقبعون داخل السجون الإسرائيلية، وفي ضوء أن إسرائيل لا تنهار قيد أنملة، في شأن استمرار اعتقالهم، بينما حسان ليس من ورائه أية أطماع سوى رميه بالرصاص، وإبداء المزيد من القسوة.
ومتابعة في ذات السياق، فإنه لا يمكننا نسيان أفضال الإعلام المصري الذي أوجد الفرق الأهم والنادر باتجاه المسألة، حيث كان يُفضل الصمت والكتمان بشأن قضايا مُشابهة ومتكررة، ليهود اجتازوا الحدود المصرية، بعد ردهم على آثارهم ردًا جميلًا، بينما اشتغل بجدارة فائقة إلى جانب تأييد قتل مُعاق فلسطيني أعزل.