بعد إعلان قيادة العمليات المشتركة وعلى لسان المتحدث باسمها العميد يحيى رسول استعادة مدينة الرمادي ورفع العلم العراقي فوق المجمع الحكومي وسط المدينة، ذكرت مصادر أمنية بالأنبار انسحاب مقاتلي تنظيم الدولة “داعش” إلى مناطق أخرى في الرمادي خارج مركزها، فيما لا تزال عيون أهلها الذين غادروها منذ نحو سبعة أشهر ترنو إلى مدينتهم، رغم أن أغلب مبانيها أصبحت أثرًا بعد عين، بفعل اتّباع الأطراف المتصارعة فيها سياسة الأرض المحروقة.
بداية القصة
القصة بدأت في شهر يونيو الماضي، حيث انسحبت القوات الأمنية العراقية انسحابًا عاجلًا ومفاجئًا وبشكل كامل من الرمادي، ليتسلّمها تنظيم داعش وسط غموض يكتنف الحدث.
بدأت بعدها القوات العراقية بلملمة صفوفها وترتيب أوراقها وبمساندة التحالف الدولي، فشنّت هجمات مستمرة للسيطرة على محاور المدينة إلى أن تم لها ذلك، فحاصرت مقاتلي تنظيم الدولة “داعش” داخل الرمادي، ليحين وقت إعلان معركة الحسم لاستعادة المدينة، وكان ذلك الاعلان في الثامن من ديسمبر الجاري.
معركة الحسم
العملية بدأت بتوزع المهام والجبهات بين القوات الأمنية العراقية بمختلف تشكيلاتها إضافة الى مقاتلي العشائر من حشد الأنبار، ووصل تعداد تلك القوات نحو 17 ألف مقاتل، وكان المحور الجنوبي للرمادي من جهة منطقة التأميم من حصة قوات جهاز مكافحة الإرهاب وأفواج طوارئ شرطة الأنبار، فيما تمركزت في المحور الشمالي من جهة منطقة البو فراج الفرقة العاشرة بالجيش العراقي ومقاتلو العشائر من حشد الأنبار، أما المحور الشرقي للمدينة من جهة ناحية الخالدية وحصيبة الشرقية فكانت فيها الفرقة الثامنة بالجيش العراقي ومقاتلو العشائر، وأخيرًا المحور الغربي من جهة منطقة الخمسة كيلو فكانت لقطعات قيادة عمليات الأنبار.
المساند الأكبر للقوات العراقية وصاحب الصوت الأعلى واليد الطولى هو القصف الجوي لطائرات التحالف الدولي، حيث قصفت الطائرات أهداف التنظيم ومواقعه داخل المدينة، لتفسح المجال لتحرك القوات الأمنية العراقية، والتي سارت ببطء وتؤدة خشية العبوات الناسفة والمنازل الملغمة التي أعدها تنظيم الدولة مسبقًا، وما لم ينفجر منها فكّكته تلك القوات بالتتابع.
انهيار دفاعات تنظيم الدولة “داعش”
هكذا بدأ تنظيم الدولة ينحسر بفعل الضربات الجوية، فقد أعلن التحالف الدولي تنفيذه لـ600 غارة استهدفت مواقع لمقاتلي التنظيم بالرمادي حسب ما أعلن ستيف وارن المتحدث باسم التحالف الدولي، وبدأ التنظيم يخسر المناطق الواحدة تلو الأخرى لصالح القوات العراقية، وصولًا إلى مركز المدينة حيث المجمع الحكومي الذي كان يمثل ثقل تنظيم داعش وجُلّ مقاتليه، لتسيطر عليه القوات العراقية وترفع العلم العراقي فوقه، ما يعني سياسيًا أن الرمادي استعيدت من يد التنظيم، أما عسكريًا فلا تزال جيوب صغيرة لتنظيم الدولة في بعض مدن الرمادي.
معاناة أهالي الرمادي
حالة إنسانية صعبة ومعاناة مادية ونفسية يعيشها أهالي الرمادي، تخفق فيها قلوبهم وتتعالى أصواتهم، سواء من كان منهم داخل المدينة أو خارجها، فهم الطرف الأضعف في معادلة الصراع، فقد اتَّبَعتِ الأطراف المتصارعة سياسة الأرض المحروقة في معركة استعادة الرمادي، سواء القصف الجوي لطائرات التحالف والقصف المدفعي للجيش العراقي من جهة، أو تنظيم الدولة وزرعه للعبوات وتلغيم المنازل من الجهة الأخرى، ولم يبق من بيوت الأهالي سوى أنقاضها.
معاناة الأهالي بدأت مع دخول تنظيم داعش إلى مدينتهم وخروجهم منها أفواجًا نحو المناطق المجاورة هاربين من لهيب المعارك بما عليهم من لباس، متوجهين إلى حضن حكومتهم التي أغلقت ولأكثر من مرة باب بغداد في وجوههم عبر منفذ بزيبز، ليهيموا في مخيمات النزوح بين مناطق العراق المختلفة.
وبعد إعلان الحكومة عن عمليات استعادة الرمادي، كان للأهالي داخلها قصة ثانية مع القصف الجوي لطائرات التحالف أو القصف المدفعي للجيش العراقي، والذي لم يفرق بين مسلح أو مدني، وأوقع عشرات القتلى والإصابات بين صفوف المدنيين، في ظل انعدام منافذ الهرب والخروج إلى أماكن آمنة.
أما القصة الأخرى فتقول إن من وجد من الأهالي منفذًا للخروج من الرمادي وتمكّن من الهرب على حين غفلة من عيون تنظيم الدولة “داعش”، فإن عيون عناصر الحشد الشعبي وأيديهم لهم بالمرصاد، فبعد أن أُبعد الحشد وبإصرار أمريكي عن الاشتراك في معارك الرمادي، تجمّع على محارو المدينة، ووجد عناصره وظيفة لهم باصطياد الأهالي العزّل ليقعوا فريسة بين اعتقال أو إنهاء حياة، كما حدث في معبر الرزازة المؤدي الى جنوب العراق، حيث صرح مسؤول من الأنبار عن خطف العشرات من أهالي الرمادي عند ذلك المعبر من قِبل عناصر الحشد الشعبي.
اليوم ومع استعادة مدينة الرمادي، والتي اتبعت فيها الأطراف المتصارعة سياسة الأرض المحروقة، فلم يبق القصف والعبوات الناسفة والبيوت الملغمة حجرًا على حجر، وأصبحت الرمادي أثرًا بعد عين؛ ليبدأ فصل جديد من معاناة الأهالي، فبعد ذهاب ماء الوجه بمخيمات النزوح، وتذوق مرارة الإذلال على معبر بزيبز، والموت نتيجة القصف أو خطف الحشد الشعبي، تُهدم بيوتهم وتُحرق أرضهم، فعلى أي شيء سيرجعون، وبأي حال سيرون مدينتهم؟ ولا ميزانية تكفي لإعادة الإعمار.
وبين سقوط الرمادي واستعادتها، ما تزال جملة أسئلة تحتاج إلى إجابة، منها: لماذا سقطت الرمادي أو سُلّمت على طبق من ذهب لتنظيم الدولة “داعش”؟ ولما انسحبت القوات العراقية بين ليلة وضحاها دون مقاومة جادّة وحقيقية؟