تاريخ ظهور الملاكمة
من بديهيات دفاع المرء عن نفسه، أن يشهر قبضته ليردع بها الأذى عن وجهه، ثم يسدد اللكمات تجاه عدوه، وهذا باختصار مبدأ الفن النبيل، الذي استعمله الكائن البشري منذ ظهوره للحفاظ على وجوده، قبل أن يتطور استخدامه مع ظهور المجتمعات والحضارات، ليصبح أسلوبًا قتاليًا يستخدم في الحروب والمعارك، وتنظم من أجله المنافسات والمباريات بغية التدرب وتخريج المقاتلين الأكفاء، وقد عرفت معظم الحضارات القديمة الملاكمة، وجسدتها عبر لوحات جدارية أو هياكل حجرية، يعود أقدمها إلى حوالي 7000 عام قبل الميلاد، وقد اكتشفت في بلاد الرافدين، كما ظهرت في بعض المنحوتات الفرعونية والبابلية والفينيقية، وفي آثار حضارات أخرى كالصينية والهندية والكورية، قبل أن يتلقفها الإغريق ويمارسوها قبل الميلاد بـ 1000 عام، ويدخلوها إلى ألعابهم الأوليمبية القديمة منذ عام 688 ق.م، ويدونوا أسماء أبطالها في سجلات الشرف الأوليمبية التي لاتزال محفوظةً في متحف أولمبيا باليونان.
ويحتفظ التاريخ القديم بصورة قبيحة للملاكمة، حيث كانت تستخدم في النزالات المميتة التي كانت تعقد تحت أنظار حكام الرومان، الذين كانوا يستمتعون بمشاهدة الدماء تنضح من أجساد الأسرى والعبيد، مما ولد كرهًا مقيمًا لدى كثير من الناس تجاه الملاكمة، أدى لاختفائها واضمحلال الاهتمام بها إبان القرون الوسطى، قبل أن تستعيد شيئًا من مكانتها مطلع القرن الـ 18، على أيدي بعض أبناء طبقة النبلاء في أوروبا، الذين قاموا بإحيائها وفق قواعد وقوانين تواكب العصر، وضع أسسها البريطاني جيمس فيج الذي أسس أول مدرسة أهلية لتعليم الملاكمة عام 1730، ومن بعده تلميذه جاك بروتون الذي يعزى إليه الفضل في استعمال القفازات الجلدية لدى الملاكمين.
عام 1880 تأسس أول اتحاد محلي للملاكمة في إنجلترا، ونظم أول بطولة رسمية بعدها بعام، قبل أن تعتمد رياضة الملاكمة ضمن المنهاج الأوليمبي، اعتبارًا من أولمبياد سان لويس بالولايات المتحدة عام 1904.
أبرز محطات تطور الملاكمة
الملاكمة النسائية ظهرت أخيرًا في أوليمبياد لندن 2012
– عام 1921، تأسست رابطة الملاكمة الأمريكية (NBA) في الولايات المتحدة، وتولت تنظيم جميع منافسات الملاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية.
– عام 1946، تأسس الاتحاد الدولي لملاكمة الهواة (AIBA) في بريطانيا، ليتولى إدارة منافسات الملاكمة الأولمبية، بعد أن تم فصلها عن ملاكمة المحترفين، التي تولت إدارتها رابطة الملاكمة الأمريكية.
– عام 1962، تم تدويل رابطة الملاكمة الأمريكية لتصبح رابطة الملاكمة العالمية (WBA)، وتتولى تنظيم جميع منافسات ملاكمة المحترفين عبر العالم.
– عام 1963، تأسس المجلس العالمي للملاكمة (WBC) في المكسيك، ليصبح ثاني الجهات المنظمة لمنافسات ملاكمة المحترفين.
– عام 1974، نظم الاتحاد الدولي لملاكمة الهواة، أول بطولة عالمية لملاكمة الرجال في هافانا بكوبا، واستمر في تنظيم البطولة كل 4 سنوات ثم كل عامين، حتى البطولة الأخيرة التي حملت الرقم 18، واستضافتها الدوحة بقطر في أكتوبر 2015.
– عام 1976، تأسس الاتحاد الدولي لملاكمة المحترفين (IBF) في الولايات المتحدة، ليصبح شريكًا جديدًا في تنظيم منافسات ملاكمة المحترفين عبر العالم.
– عام 1988، تأسست منظمة الملاكمة العالمية (WBO) في بورتوريكو، لتصبح أحدث الجهات الـ 4 المنظمة لمنافسات ملاكمة المحترفين.
– عام 2001، أقيمت أول بطولة عالمية لملاكمة السيدات في سكرانتون بالولايات المتحدة، وبقيت تقام كل عامين، حتى وصلت إلى نسختها الثامنة، التي استضافتها كوريا الجنوبية عام 2014.
– عام 2012، أدخلت رياضة ملاكمة السيدات لأول مرة ضمن الألعاب الأوليمبية الصيفية، وذلك في أولمبياد لندن الأخير.
أساسيّات الملاكمة الأوليمبية (ملاكمة الهواة)
حلبة الملاكمة عن كثب
– الحلبة: مربعة الشكل محاطة بالحبال وأرضيتها من اللباد المغطى بالقماش، أبعادها: من 4.30 إلى 6 أمتار لكل جانب، سمك الأرضية: من 1 إلى 2 سم.
– اللباس: يرتدي الملاكم قميصًا ملونًا وسروالًا حتى الركبة، وينتعل حذاءً خفيفًا، ويلف رباطًا واقيًا حول قبضته قبل ارتداء القفازات الجلدية المحشوة بالإسفنج، كما يستخدم واقيًا للرأس والأسنان والخصيتين.
– الأوزان المعتمدة أولمبيًا: في الوقت الحالي هناك 10 أوزان معتمدة لدى الرجال، تبدأ بوزن خفيف الذبابة (تحت 49 كغ)، وتنتهي بوزن فوق الثقيل (فوق 91 كغ)، أما لدى السيدات فالأوزان المعتمدة 3 فقط هي: الريشة (48-51 كغ)، الخفيف (57-60 كغ)، وخفيف الوسط (69-75 كغ).
– النزالات: يتلاكم الخصمان على مدى 3 جولات مدة كل منها 3 دقائق، تعلن بعدها لجنة الحكام (حكم رئيسي في الحلبة و5 قضاة خارجها) اسم الفائز، بعد جمع نقاط الملاكمين في الجولات الثلاث، وقد تنتهي المباراة قبل ذلك إذا سقط أحد الملاكمين ولم يستطع النهوض بعد أن يعد الحكم حتى الـ 10، وتسمى هذه الطريقة (الفوز بالضربة القاضية)، كما يمكن للحكم إيقاف النزال إذا لاحظ تعرض أحد الملاكمين لإصابة بليغة تمنعه من الاستمرار، أو إذا خرق أحد الملاكمين قواعد اللعبة، أو في حال أجمع القضاة على عدم التكافؤ بين الملاكمين.
– المحظورات: يمنع الضرب تحت الخصر بكل أشكاله، ويمنع ضرب المنافس بعد سقوطه أرضًا، أو بعد انتهاء زمن اللعب المحدد في الجولة، كما يمنع النطح والركل والعض والبصق والضرب بالكوع، ويتعرض المخالف لعقوبات تبدأ بخصم النقاط وتنتهي بالاستبعاد.
الفرق بين ملاكمة الهواة والمحترفين
محمد علي كلاي أبرز أساطير الملاكمة عبر التاريخ
الأساسيات: يلعب الملاكم المحترف بصدر عار وبدون ارتداء واق للرأس، وعدد جولات النزال ومدة الجولة تحدد بالاتفاق مع الجهة المنظمة وقد تصل إلى 12 جولة، كما أن صلاحيات الحكم في ملاكمة المحترفين محدودة، وهناك اختلافات أخرى تتعلق بفئات الأوزان ونوعية القفازات.
الجهة المنظمة: تتولى تنظيم مباريات ملاكمة المحترفين 4 جهات مهنية (غير رياضية) هي: رابطة الملاكمة العالمية (WBA)، المجلس العالمي للملاكمة (WBC)، الاتحاد الدولي لملاكمة المحترفين (IBF)، ومنظمة الملاكمة العالمية (WBO)، أما الجهة الوحيدة المنوطة بتنظيم بطولات الهواة فهي: الاتحاد الدولي لملاكمة الهواة (AIBA)، ومقره الحالي في لوزان بسويسرا.
الغرض: بينما تعتبر ملاكمة الهواة مجرد رياضة كغيرها من الرياضات الفردية، خرجت ملاكمة المحترفين عن كونها رياضةً لتصبح مهنةً تدر على صاحبها ملايين الدولارات، سواءً من خلال عقود العمل التي يوقعها الملاكم مع الجهات المنظمة والراعية للمباريات، أو عبر مصادر أخرى كالإعلانات والمراهنات وحتى عروض السينما.
السجل الأوليمبي والعالمي للملاكمة
جانب من منافسات الملاكمة في أوليمبياد لندن
منذ ظهورها في الأوليمبياد الثاني عام 1904، لم تغب رياضة الملاكمة عن المنهاج الأوليمبي، سوى في نسختي عامي 1912 و1916، وتنفرد الولايات المتحدة بصدارة الدول الأكثر نجاحًا في مسابقات الملاكمة الأولمبية، إذ أحرز ملاكموها 50 ميدالية ذهبية و110 ميداليات في المجموع، تليها كوبا برصيد 34 ذهبية و67 ميدالية في المجموع، ثم بريطانيا بـ 17 ذهبية و53 ميدالية في المجموع، أما في دورة الألعاب الأوليمبية الأخيرة التي جرت في لندن عام 2012، فقد تصدر ملاكمو وملاكمات بريطانيا جدول الترتيب النهائي لمنافسات الملاكمة برصيد 3 ذهبيات و5 ميداليات في المجموع، ثم أوكرانيا برصيد ذهبيتين و5 ميداليات في المجموع، وحلت كوبا ثالثةً برصيد ذهبيتين و4 ميداليات في المجموع.
تنفرد كوبا بصدارة الدول الأكثر نجاحًا في بطولات العالم لملاكمة الهواة منذ انطلاقها عام 1974، إذ أحرز ملاكموها 71 ذهبية و128 ميدالية في المجموع، تليها روسيا (الاتحاد السوفييتي سابقًا) برصيد 38 ذهبية و108 ميداليات في المجموع، ثم الولايات المتحدة بـ 16 ذهبية و41 ميدالية في المجموع، وفي بطولة العالم الأخيرة بقطر، تصدر ملاكمو كوبا جدول الترتيب النهائي بإحرازهم 4 ذهبيات و7 ميداليات في المجموع، وجاءت روسيا ثانيةً برصيد ذهبيتين و4 ميداليات في المجموع، ثم أذربيجان برصيد ذهبية واحدة و4 ميداليات في المجموع.
على صعيد بطولات العالم للسيدات، تتصدر ملاكمات روسيا ترتيب الميداليات العام برصيد 21 ذهبية و52 ميدالية في المجموع، تليها الصين برصيد 12 ذهبية و35 ميدالية في المجموع، ثم الهند بـ 8 ذهبيات و27 ميدالية في المجموع.
يعد الأمريكي محمد علي كلاي أشهر من لبس قفاز الملاكمة عبر التاريخ، إلى جانب مواطنيه: شوغار راي روبنسون، جو لويس، جو فرايزر، جورج فورمان، ومايك تايسون، والبريطانيين لينوكس لويس ونسيم حميد، والأخوين الأوكرانيين فيتالي وفلاديمير كليتشكو، علمًا بأن أغلب هذه الأسماء بدأت حياتها في الملاكمة الأوليمبية قبل أن تتجه إلى الاحتراف.
أبرز إنجازات الملاكمة العربية
المغربي محمد ربيعي صاحب الذهبية العربية الوحيدة في بطولات العالم للملاكمة
تحظى الملاكمة العربية بوزن مقبول على الساحة العالمية، فقد استطاع ملاكمونا العرب حصد 16 ميدالية أوليمبية في مختلف الأوزان، قوامها ذهبية وفضية و14 برونزية، وكان لأبطال الجزائر النصيب الأكبر من التألق، ولا سيما الملاكم حسين سلطاني الذي فاز بذهبية العرب الوحيدة في أوليمبياد أتلانتا عام 1996 فضلًا عن برونزية برشلونة عام 1992، أما صاحب الفضية العربية الوحيدة فهو المصري محمد علي رضا، وقد فاز بها في أولمبياد أثينا 2004، بينما توزعت البرونزيات العربية الباقية على الأبطال: الجزائريين (مصطفى موسى، محمد الزاوي، محمد البحاري، ومحمد علالو)، والمصريين (عبد المنعم الجندي، أحمد اسماعيل، ومحمد سيد الباز)، والمغربيين (محمد عشيق، عبد الحق عشيق، وهشام التمسماني)، والتونسيين (حبيب غالية وفتحي الميساوي)، والسوري (ناصر الشامي).
أما على صعيد بطولات العالم لملاكمة الهواة، فقد كانت الحصيلة العربية متوسطةً نسبيًا قبل البطولة الأخيرة، واقتصرت على فضيتين و7 برونزيات أحرزها أبطال الجزائر، مصر، والمغرب، ولكن المغربي محمد ربيعي أعاد كتابة التاريخ، بإحرازه أول ذهبية عربية في تاريخ بطولات العالم لملاكمة الهواة، وذلك في البطولة الأخيرة بالدوحة، والتي خرج الأبطال العرب منها ببرونزيتين إضافيتين، عبر المصري حسام بكر، والجزائري محمد الفليسي.