ترجمة حفصة جودة
تُعتبر اللغة العربية لغة رسمية في “إسرائيل” ولذا فإن انعقاد مؤتمر باللغة العربية في جامعة تل أبيب لا يجب أن يكون أمرًا استثنائيًا حيث يشكل الطلاب الفلسطينيون 10% من طلابها، انعقد المؤتمر مبكرًا هذا الشهر تحت عنوان “اليهود الشرقيون واللغة العربية” حيث كان معظم المحاضرين من اليهود والفلسطينيين يتحدثون العربية في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجامعة بخلاف دورات اللغة العربية.
وفي قلب المؤتمر كانت هناك دراسة عن انتشار اللغة العربية بين اليهود في إسرائيل، كانت النتائج غير معتادة ولكنها معبرة؛ فبينما ينحدر نصف يهود إسرائيل من أصول عربية من المغرب إلى العراق فقد أعلن حوالى 10% فقط من اليهود الذي يعيشون في إسرائيل الآن أنهم يفهمون ويتحدثون العربية، وعند سؤالهم إذا كانوا يستطيعون قراءة كتاب بالعربية انخفضت النسبة لأقل من 1%.
انخفاض المعرفة باللغة العربية يتنشر بقوة بين اليهود من أصل عربي؛ ففي الجيل الأول الذي وُلد في إسرائيل عقب الهجرة من دول عربية كانت نسبة إجادة اللغة العربية حوالي 25.6 %، وانخفضت النسبة في الجيل الثاني إلى 14% ثم سقطت إلى 1.3% في الجيل الثالث، وبذلك تلاشت ثقافة آلاف السنين لليهود العرب.
يمكننا استخدام التجربة الشخصية للأستاذ يهودا شنهاف أحد منظمي المؤتمر كمثال على مصير اللغة العربية بين اليهود ذوي الأصول العربية؛ وُلد يهودا لأبوين يهوديين مهاجرين من العراق وحتى عمر الخامسة لم يكن يسمع سوى اللغة العربية حيث كان يعمل أبواه معلميّن للغة العربية بإحدى معسكرات التدريب في المخابرات الإسرائيلية.
بعد مغادرة والديه لمعسكر التدريب توقف شنهاف عن سماع اللغة العربية والتحدث بها وأصبح خجولاً حتى من استخدامها أمام العامة، لقد قام بتغيير كنيته من اسمها العربي “شهرباني” إلى اسم عبري “شنهاف” (العاج)، حيث يُوجد اعتقاد شائع بين اليهود المزراحي (من أصل عربي) أن اللغة العربية كانت وما زالت لغة العدو بالنسبة لإسرائيل.
بعد سنوات قليلة بدأ شنهاف بالعودة لأصوله اللغوية، فبدأ بدراسة العربية من جديد وقام بالترجمة لبعض الكُتّاب مثل اللبناني إلياس خوري والفلسطيني سلمان ناطور إلى اللغة العبرية واستعاد كنيته الأصلية “شهرباني”، وفي المؤتمر قال شنهاف خطابه بلغة عربية متقنة حيث اعترف من فوق المنصة قائلاً ” اللغة العربية التي عدت إليها تختلف عن التي تعلمتها من أمي”.
وبينما تلاشت اللغة العربية من استخدامات الحياة اليومية بين اليهود ذوي الأصول العربية وأحفادهم إلا أنها لم تختف تمامًا من المجتمع اليهودي في إسرائيل، وطبقا لشنهاف ويونثان ميندل مؤلف الكتاب الرائع “تأسيس العربية الإسرائيلية”، فإن اللغة العربية بين اليهود الإسرائيليين تطورت إلى لغة بلا متحدثين أصليين ويتم تدريسها في المدارس والجيش بالأساس حتى تُستخدم في أجهزة الاسخبارات ضد “العدو العربي”.
يقوم بتدريس اللغة العربية معلمين يهود ليسوا من أصل عربي ولا يوفرون للطلاب اتصال يومي مع متحدثين باللغة العربية ويتجنبون النصوص الأدبية، يقارن ميندل العربية باللاتينية، لغة ميتة ليس لها متحدثين أصليين، فقط في إسرائيل تبدو هذه اللغة حية جدًا حيث إن 20% من نسبة السكان فلسطينيين ناطقين باللغة العربية، ويعترف مندل أن التعامل مع اللغة العربية كلغة ميتة جعل المجتمع اليهودي منصرفًا عن تلك الحقيقة الواقعة.
وكجزء من معاملة اللغة العربية كاللاتينية في إسرائيل فمعظم من يدرسون العربية سواء في المدارس الثانوية والجامعات أو الجيش من اليهود الأشكناز (أصول أوروبية)، وطبقا للدراسة المقدمة في المؤتمر فإن نسبة متعلمي اللغة العربية بين اليهود الأشكناز ثلاثة أو أربعة أضعاف متعلميها من اليهود المزراحي، فانصراف اليهود المزراحي عن أصولهم الثقافية العربية يمنعها من الانتشار.
تكشف الدراسة عن مفارقة أخرى؛ فكما قلنا سابقًا إن 1% فقط من اليهود في إسرائيل يستطيعون قراءة كتاب باللغة العربية أظهرت الدراسة أن 57.8% منهم يعتقدون أن اللغة العربية ضرورية جدًا للحياة في إسرائيل وأكثر من 60% يعتقدون أنه من الضروري تدريس العربية بالمدارس.
وفي الحقيقة حوالي 65.4% يعتقدون أن تعلم العربية ضروري من مبدأ “اعرف عدوك”، لكن حوالي 55.8 % يعتقدون أن تعلم العربية ضروري حتى تستطيع إسرائيل الاندماج في الشرق الأوسط وحوالى 33% يعتقدون أن معرفتها أمر حيوي حتى يستطيع اليهود المزراحي حماية تراثهم.
هذه الفجوة بين الرغبة في معرفة العربية وقلة المعرفة الفعلية لها من الصعب أن نفهمها مع الأخذ في الاعتبار موافقة البرلمان الإسرائيلي (الكينيست) المبدئية منذ شهر على الاقتراح المقدم من النائبة حنين الزغبي عن القائمة المشتركة الفلسطينية من ناحية ومن أورين هازان النائب المستوطن عن حزب اليمين الليكودي من ناحية أخرى ينادون فيه بتعليم اللغة العربية في المدارس الإسرائيلية منذ الصف الأول.
بعض المشاركين في المؤتمر يشكون في أن اليهود الإسرائيليين سوف يتعلمون العربية، فكما يقول الأستاذ هيليل كوهين بالجامعة العبرية “ليس لدى الطلاب اليهود أي اهتمام بتعلُّم اللغة العربية فهم لا يجدون أي مكاسب حقيقية من معرفتها إلا عند الخدمة في المخابرات بالجيش، فالعبرية هي اللغة الرسمية أما العربية فهي لغة الطبقات الفقيرة في إسرائيل”، ويتساءل كوهين “فلماذا سيرغب اليهود في تعلّمها؟”.
بينما ينظر آخرون للأمر من ناحية أخلاقية مثل الأستاذ شنهاف شهربانى، حيث يقول “إذا أراد اليهود أن يكونوا مواطنين دائمين على هذه الأرض وليسوا مؤقتين فيجب عليهم أن يتعلموا لغة هذه الأرض – يقصد العربية -“. وشدد الكاتب الفلسطيني سلمان ناطور على هذه النقطة محذرًا “إذا لم يتعلم اليهود اللغة العربية فسيبقون دائما كسيّاح أو محتلين على هذه الأرض”.
يتفق دكتور ميندل مع كوهين وشنهاف حيث اعترف أن اليهود لديهم اهتمام ضئيل باللغة العربية، ولكن هذه الأشياء قد تتغير؛ فعلى سبيل المثال انعقد مؤتمر باللغة العربية في جامعة إسرائيلية لأول مرة، وأيضا قرار تدريس اللغة العربية مثال آخر بالرغم من أن المدارس الإسرائيلية ليست مستعدة للتعامل مع هذه المبادرة، فليس لديهم كفاية من معلمي اللغة العربية ولن تسمح وزارة التربية والتعليم لناطقين أصليين باللغة العربية أن يقوموا بالتدريس في المدارس العبرية.
وبالرغم من ذلك يعتقد ميندل أن هذه الرغبة المتزايدة في تعلّم ومعرفة العربية مهما كانت سطحية قد توفر الفرصة لأمثال شنهاف ممن يؤمنون بأنه إذا استطاع 20% من اليهود التحدث باللغة العربية فسيؤدي هذا إلى “ثورة ثقافية” في إسرائيل.
ويؤكد ميندل – كجزء من مشروع إعداد منهج لغة عربية شامل لمتحدثي العبرية من الصف الأول وحتى الثانوي – على الروابط التاريخية والثقافية بين اللغتين عبر العصور، ويقترح ميندل أيضًا أن تكون معرفة اللغة العربية شرط أساسي لمن يرغبون في التسجيل بالدراسات الأكاديمية في إسرائيل.
ويقول ميندل إنه إذا انتشرت اللغة العربية بين اليهود فسوف يؤدي إلى كسر احتكار المخابرات لهذه اللغة وبالتبعية كسر احتكار الخبراء اليهود للقضايا العربية المنتشرة في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
“هؤلاء الذين يشجعون تدريس اللغة العربية في المدارس قد لا يفهمون تمامًا وجود علاقة مترابطة بين الموقف تجاه اللغة والموقف تجاه من يتحدثونها” كما يقول ميندل.
المصدر: ميدل إيست آي