أظلّت الأزمة السياسية في لبنان بظلالها على الاقتصاد اللبناني، حيث أصبح المواطن اللبناني العادي يجد صعوبة في تأمين قوت يومه بينما يعيش السياسيون حياة رغيدة غير آبهين بالمشاكل الاقتصادية التي تعصف بالبلاد فقد سجل الاقتصاد اللبناني عام 2015 أسوأ أداء له منذ عام 2011 وخيّم الركود الاقتصادي على المشهد اللبناني.
يعد التأزم السياسي أحد أسباب ذلك الركود حيث لا يزال منصب رئيس الجمهوية فارغًا منذ 18 شهرًا بالإضافة إلى الأزمة السورية التي تتجه للتأزم أكثر؛ حيث تعد سوريا البلد الجار للبنان وخاصرته الحيوية ولها أهمية بالغة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والأمني للبنان، إذ تأثر الاقتصاد اللبناني بشكل ملحوظ بعد توقف للحركة التجارية في المعابر البرية وخسارة عوائد السيّاح السوريين قبل اندلاع الأحداث في سوريا، وزاد الوضع سوءًا التدهور الأمني والحالة الهشّة للأمن الداخلي في لبنان بسبب دخول حزب الله كأحد أطراف الصراع في الأزمة السورية ليقاتل بجانب النظام السوري ضد المعارضة هذا من جهة، ومن جهة أخرى الاشتباكات المتبادلة بين الجيش اللبناني وجبهة النصرة على الحدود اللبنانية السورية والتي أدت لاحتجاز جنود لبنانين تم الإفراج عن بعضهم الشهر الماضي في صفقة تبادل أسرى برعاية قطرية.
يبلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان 1.173 مليون أكثر من نصفهم يعيشون في أماكن إيواء دون المستوى المطلوب، وتعد مخيمات اللجوء هناك الأسوأ بين البلدان المستقبلة للاجئين، على الرغم من تلقي لبنان مساعدات دولية وعربية لقاء استقبالها للاجئين إلا أنّ تلك المساعدات لا تزال خجولة حيث لم ترتق لمتطلبات اللاجئين الصحية والسكنية والتعليمية وغيرها من مستلزمات العيش، وهذا شكل ضغطًا على لبنان لتخصيص موارد مالية وجهود بشرية والتزامات إنسانية لمساعدة اللاجئين، ناهيك عن حدوث وفرة في الأيدي العاملة الرخيصة الأمر الذي أدى بدوره إلى إضعاف وضع العمال اللبنانيين.
انعكس تراجع أداء الاقتصاد اللبناني على الحالة المجتمعية باتساع دائرة الفقر والبطالة عند الشباب حيث يخلق لبنان أقل من خمسة آلاف فرصة عمل سنويًا بينما الحاجة إلى نحو ثلاثين ألف فرصة عمل سنويًا.
نفور الاستثمارات الموجودة وعدم جذب استثمارات جديدة وتراجع مشاريع تطوير البنية التحتية أدت لعدم خلق فرص عمل جديدة.
أظهرت دراسة أعدتها إدارة الإحصاء المركزي بتمويل وتعاون من البنك الدولي تناولت قياس معدلات الفقر في لبنان واستندت لمسح بياني للأسر اللبنانية خلال عامي 2011 و2012 أن 27% من السكان فقراء أي نحو مليون شخص لديهم معدل استهلاك أدنى من خط الفقر، متركزة في مناطق شرق وشمال البلاد.
وكشفت الدراسة أيضًا أن ما نسبته 20% من السكان – وهم الأكثر فقرًا – كان نصيبهم 8% فقط من الاستهلاك الإجمالي، في حين أن 20% من السكان وهم – الشريحة الأكثر غنى – استهلكوا نحو 40% من إجمالي الاستهلاك.
وكان تقرير صدر عن البنك الدولي في نوفمبر 2013 في بيروت أوضح أن نحو 170.000 لبناني قد يلتحقون بصفوف الفقراء جراء الصراع الدائر في سوريا، وأفاد التقرير أن نسبة البطالة قد ترتفع بنحو 10% بنهاية عام 2014.
يمر لبنان بأحلك أزمة اقتصادية على الإطلاق في هذه الأيام باتفاق العديد من الخبراء الاقتصاديين اللبنانيين، تجلى ذلك من خلال تراجع أعمال كل القطاعات الاقتصادية؛ فالميزان التجاري يشهد على ذلك حيث صّدرت لبنان في عام 2013 ما قيمته 4.79 مليار دولار واستوردت بما قيمته 22.1 مليار دولار أي بميزان تجاري سالب مقداره 17.3 مليار دولار، كما يشار إلى أن لبنان بدون موازنة مالية عامة منذ عشر سنوات والدين العام فوق الـ 70 مليار دولار وعجز الموازنة المتوقع هذا العام حوالي 4، 5 مليارات دولار فيما نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي ارتفعت لتبلغ 143% لعام 2015 كما سجلت قيمة الشيكات المرتجعة في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري مليار و150 مليون دولار ويتوقع أن يسجل النمو معدل صفر بالمئة هذا العام وهذا كله كفيل بمعرفة الوضع المتردي الذي يمر به الاقتصاد اللبناني، حسب “محمد شقير” رئيس اتحاد الغرف اللبنانية ورئيس غرفة بيروت وجبل لبنان.
القطاع التجاري يترنح بسبب تراجع الاستهلاك المحلي وأقفلت آلاف المؤسسات أبوابها بينما تتصارع الأخرى للبقاء، كما سجل القطاع السياحي انخفاضات كبيرة في أعماله أدت لإغلاق شركات فندقية وأغلقت فنادق أخرى طوابق لها لتقليص الخسائر التي منيت بها، ووضع المطاعم ليس أفضل حالًا حيث بالكاد تشهد مرتادين بسبب ضعف الحركة السياحية في عموم البلاد، الذي أثر على قطاع تأجير السيارات حيث تقلص عدد الشركات العاملة فيه من نحو280 شركة إلى أقل من 160 شركة وانخفض أسطول السيارات بشكل كبير من نحو 16500 سيارة إلى أقل من 8 آلاف سيارة.
انتقلت العدوى إلى القطاع العقاري حيث انخفضت مساحات البناء المرخصة بنسبة 20% فيما انخفضت معاملات المبيعات العقارية بنسبة 16%.
رغم ذلك كله لايرى “وسام حركة” الخبير الاقتصادي في البنك الدولي أن الوضع في لبنان وصل حد الإفلاس أو الإنهيار “إن الاقتصاد اللبناني ينمو بأقل من طاقته الكامنة لكن الانكماش الذي تعرض له لم يصل به إلى حد الإفلاس أو الانهيار”.
ووفقًا لتقرير حديث عن صندوق النقد الدولي أشار أن الناتج المحلي الإجمالي سينمو بنسبة 2% في العام 2016 وسيتراوح التضخم بين 0.1% و1.5% خلال الفترة ذاتها.
المؤكد أنه من الصعب الاستمرار باقتصاد إنتاجي في ظل الأزمات السياسية المستعصية مع ما يرافقها من تهديدات إرهابية وأمنية وتباطؤ النمو سواء من حيث الاستهلاك أو الاستثمار، لذلك خفض معدلات الفقر والبطالة والارتقاء بمستوى اقتصاد البلاد يبدأ بالتفاهمات السياسية بين الفرقاء اللبنانيين وحل الأزمات السياسية القائمة والابتعاد عن التدخل في الشأن السوري لما له من تأثيرات سلبية على الاقتصاد المحلي، وإعادة الاعتبار للاقتصاد الإنتاجي أكثر من القطاعات الريعية كالريع القادم من العقار والمال.