ترجمة وتحرير نون بوست
على مدى العامين الماضيين، كشفت صحيفة ألمونيتور قصة المفاوضات السرية الجارية ما بين إيران والولايات المتحدة بوساطة عمانية، ووفقًا للمصادر الأمريكية التي تحدثت لصحيفة ألمونيتور، بدأت هذه الاتصالات في عامي 2011 و2012، وحينها انخرط بونيت تالوار، كبير مديري مجلس الأمن القومي لمنطقة الخليج الفارسي في ذلك الوقت، وجيك سوليفان، نائب رئيس هيئة الأركان في عهد وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، بمحادثات منخفضة المستوى، وحضرا اجتماعات “تحضيرية” مع الإيرانيين، بتسهيل من العمانيين، للتباحث حول احتمالية افتتاح قناة تحاور ثنائية يقودها من على الجانب الأمريكي وليام بيرنز، وفي وقت لاحق، عقدت محادثات رفيعة المستوى في مارس 2013، قبل ثلاثة أشهر من انتخابات يونيو الإيرانية، التي أوصلت حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية.
مؤخرًا، نشرت صحيفة السياسة الخارجية الإيرانية “ديبلومات” مقابلة مدتها ثلاث ساعات مع علي أكبر صالحي، الذي شغل منصب وزير الخارجية الإيراني في الفترة الممتدة من ديسمبر 2010 حتى أغسطس 2013، وتجدر الإشارة إلى أن صالحي يضطلع حاليًا بمنصب نائب الرئيس الإيراني، ويرأس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أيضًا، كما لعب عالِم الذرة، الذي تلقى تعليمه في معهد ماساتشوستس، دورًا رئيسيًا في تأمين خطة العمل في 14 يوليو، حيث قاد المسار التقني للاتفاق مع نظيره الأمريكي إرنست مونيز.
حصلت المونيتور على النص الكامل لمقابلة صالحي، الذي يتضمن تفاصيل غير معروفة حتى الآن حول القنوات السرية الأمريكية – الإيرانية التي أفضت إلى توقيع الاتفاقية النووية.
وفقًا لصالحي، أدركت إيران في بداية المطاف الرغبة الأمريكية في عقد محادثات ثنائية في منتصف عام 1390، وفقًا للتقويم الإيراني الهجري الشمسي، الموافق لأواخر صيف عام 2011، وأوضح بأن حسن قشقاوي، الذي كان ومازال نائب وزير الخارجية للشؤون القنصلية والبرلمانية، والمسؤول عن متابعة ملفات الإيرانيين المسجونين في الخارج، قام بزيارة إلى سلطنة عمان، وأشار بالتحديد إلى ملف السفير الإيراني السابق نصرت الله طاجيك، الذي كان قد اعتقل في بريطانيا في عام 2006، وأشار صالحي قائلًا: “من خلال الدعم والتعاون مع حكومة سلطنة عمان، وخصوصًا السلطان، كنا قادرين على تحرير هؤلاء السجناء”، ومن الجدير بالذكر، بأن المتنزهين الأمريكيين، اللذان اعتقلا في إيران في عام 2009، تم الإفراج عنهما أيضًا من خلال الوساطة العمانية، في 21 سبتمبر 2011.
وفي هذا السياق، قال صالحي: “قال أحد الأشخاص العمانيين، يدعى السيد سالم، لأعضاء وفد قشقاوي بأن الأمريكيين يرغبون في إجراء مفاوضات ثنائية بشأن القضية النووية، وبأن المدير أعد مذكرة موجهة لي في هذا الشأن”، وأوضح صالحي بأن المذكرة لم تكن عمانية، لكن “السيد سالم”، الذي وصفته مجلة ديبلومات بأنه مستشار لسلطان عمان قابوس بن سعيد، نقل الاقتراح شفويًا، وأضاف صالحي: “حينها كانت السيدة كلينتون وزيرة للخارجية وكان السيد كيري رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ولكن ذلك الوقت تزامن مع فترة نهاية ولاية السيد أوباما الأولى، لذا لم نأخذ هذه الرسالة على محمل الجد”، وأردف صالحي قائلًا: “لم يكن من الواضح ما إذا كانت الرسالة قد جاءت من البيت الأبيض أو من وزارة الخارجية، فالعمانيون قالوا بأن الرسالة جاءت من الأمريكيين، ونحن لم نأخذ الرسالة على محمل الجد”.
أحد الأسباب التي حذت بإيران لعدم اتخاذ رسالة التفاوض الأمريكية على محمل الجد كانت تتمثل بأن المفاوضات مع الأمريكيين حينها لم تكن فعلًا معقولًا، ويوضح صالحي ذلك بقوله: “أولًا، قلنا لأنفسنا، من سيذهب من بيننا، نحن الإيرانيين، للتفاوض مع الأمريكيين؟ وثانيًا، لم نكن نعرف ما إذا كانت الرسالة قد جاءت حقًا من حكومة الولايات المتحدة أو ما إذا كانت محاولة عمانية للتوفيق، أو حتى إن كانت مبادرة شخصية من السيد سالم ذاته”.
في تطور آخر، نقل صالحي تدخل رجل أعمال إيراني كبير في الأعمال الممهدة لتأسيس قنوات اتصال سرية مع أمريكا، حيث قال: “في وقت لاحق بعد بضعة أسابيع، كان السيد محمد صوري، الذي كان حينها المدير المنتدب لشركة الناقلات الإيرانية الوطنية (NITC)، يسافر بين إيران وسلطنة عمان بغية عقد اتفاق تجاري، وفي ذلك الوقت، استطاع السيد سالم التواصل مع السيد صوري، وأخبره بالاهتمام الأمريكي للتحاور وعدم الاستجابة الإيرانية، ونقل السيد صوري عن السيد سالم بأن عمان على استعداد لتلعب دور الوسيط، في حال قبول إيران للتفاوض”، وأكد صالحي بأنه وفي هذه اللحظة أخذت إيران الطلب الأمريكي على محمل الجد.
شرح صالحي الدور الحاسم الذي لعبه مدير شركة الناقلات الإيرانية الوطنية في المساعدة على الانطلاقة الدبلوماسية لقنوات التفاوض السرية، حيث قال: “بعد ذلك، قال لي السيد صوري بأنه قادر على إيصال طلباتنا أو أي شيء نرغب بقوله، طالما أنه يقوم برحلات ذهاب وإياب ما بين إيران وعمان في هذه الفترة، وحينها قلت له بأننا لسنا واثقين للغاية من جدية هذه العملية، ولكن إذا كان الأمريكيون جادون حقًا في إجراء المفاوضات، فمطالبنا تتمثل بالآتي، وقمت حينها بكتابة أربعة مطالب بخط اليد على قطعة من الورق، وكان أول مطلب يتمثل بالاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، في حين أن المطالب الثلاثة الأخرى كانت تتحدث مثلًا عن الخطوات المطلوبة لرفع العقوبات وأمور أخرى من هذا القبيل جميعها تتعلق بالقضية النووية، وأوضحت أيضًا بأنه يجب على الأمريكيين أن يعربوا أولًا عن استعدادهم للتصدي لمطالبنا، وحينها سنعلن عن استعدادنا أيضًا، وثانيًا، أخبرته بأننا نرغب بأن يعبّر الأمريكيون رسميًا عن هذا الاستعداد، فمذكرة مكتوبة بخط اليد من قِبل أحد المدراء، أو تقرير شفوي منقول على لسان مسؤول عماني، لا يعتبران من وجهة نظرنا قبولًا رسميًا، وحينها كتب السيد صوري الطلبات التي أوضحتها بصفتي ممثل لجمهورية إيران الإسلامية، وسلّم هذه الرسالة إلى السيد سالم”.
وفقًا لصالحي، واستجابة لطلبه بإضفاء المزيد من الرسمية على الاقتراح الأمريكي، كتب سلطان عمان رسالة موجهة إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، آية الله علي خامنئي، حيث قال: “من خلال هذه الرسالة أصبح من الواضح أن الأمريكيين يريدون حقًا الدخول في حوار جاد، وبعد وصول الرسالة إليّ، اتصلت بشكل مباشر مع مكتب المرشد الأعلى، وأخبرت السيد أصغر مير حجازي بالرسالة، واستوضحت منه عن الطريقة التي يجب أن أتبعها لإيصالها للمرشد الأعلى، وحينها أخبرني السيد حجازي بأنه سيخبرني لاحقًا بالطريقة الملائمة لذلك، وفعلًا، وفي وقت لاحق، اتصل بي السيد حجازي وأخبرني بأنني يجب أن أسلّم الرسالة إلى السيد علي أكبر ولايتي، وقمت فعلًا بتسليمها للسيد ولايتي الذي أوصلها بدوره للمرشد الأعلى”، كما أوضح صالحي أيضًا بأن السيد صوري نقل بشكل منفصل عن العمانيين بأن الأمريكيين كانوا ينتظرون الرد على هذه الرسالة.
وفقًا لما ذكره صالحي، تم إرسال الرسالة من سلطان عمان في خريف عام 2011، وفي الفترة التي تمتد من شهر سبتمبر 2011 حتى مارس 2012، قام السيد صوري برحلات مكوكية بين عمان وإيران، وأصبح مسؤولًا عن تبادل الرسائل ما بين الدولتين.
أشار صالحي أيضًا بأنه لم يخبر أحدًا عن موضوع الرسالة، بما في ذلك الرئيس الإيراني حينها، محمود أحمدي نجاد، مبررًا ذلك بقوله: “في ذلك الوقت لم يكن الأمر مؤكدًا حتى أقوم بنقله للرئيس، ففي البداية كان يجب علي التحقق بنفسي من جدية الأمر، حتى أستطيع بعدها تبليغه للرئيس”.
قال صالحي أيضًا في حديثه لصحيفة ديبلومات: “في ذلك الوقت، لم يكن من المصرح لنا أن ننخرط بتفاوض مباشر مع الأمريكيين، حيث تم منح الإذن بالتفاوض ضمن إطار دول الخمسة زائد واحد، والتي تتضمن وجود ممثل للولايات المتحدة، ولكن لم يتم منح الإذن بالتفاوض ضمن إطار مفاوضات ثنائية مباشرة”، وفي هذا السياق، أشار صالحي بأن الإذن بالانخراط المباشر بالمحادثات أُعطي سابقًا في مسألة إقليمية واحدة، في عام 2007، حيث يقول:” في ذلك الوقت، طلب منا المسؤولون العراقيون التفاوض مع الأمريكيين بغية معالجة المشاكل المتصاعدة مع العراق، وحينها منح السيد خامنئي تصريحًا خاصًا بالتفاوض فقط ضمن الشأن العراقي، ومثلنا بالمفاوضات حينئذ سفيرنا في بغداد، السيد حسن كاظمي قمي، ولكنها لم تفضِ إلى نتيجة”.
من الجدير بالذكر، بأن صالحي نقل محادثته مع خامنئي حول رسالة سلطان عمان، وأوضح الاتجاه الفكري والمنطقي الذي عوّل عليه لإقناع المرشد الأعلى بمنح الإذن بإجراء مفاوضات مباشرة مع الأمريكيين، حيث قال: “قلت للمرشد الأعلى بأنه وبالنظر إلى السنوات العديدة التي تفاوضنا خلالها مع دول الخمسة زائدًا واحدًا، والتي لم تفضِ إلى نتيجة، وعلى اعتبار أن عمان قد أعلنت أيضًا عن استعدادها للتوسط، والتجارب تشير إلى أن عمان هي وسيط جدير بالثقة، جميع ذلك يسمح لنا باتخاذ خطوات لفتح مفاوضات ثنائية مع الولايات المتحدة، وردًا على ذلك، أشار المرشد الأعلى إلى الماضي الأمريكي، موضحًا بأن الولايات المتحدة ليست جديرة بالثقة، وأننا سبق لنا وأن انخرطنا لعدة مرات بمفاوضات معها، ولكن أمريكا لا تفي بالتزاماتها، ويسهل على مسؤوليها اتخاذ قرارات خارج إطار هذه الالتزامات”.
وعند هذه النقطة قال صالحي بأنه ناقش خامنئي قائلًا: “إذا توصلنا إلى نتيجة جرّاء هذه المفاوضات، فذلك أمر جيد، وإن لم نتوصل إلى نتيجة، فسوف نبقى في ذت الموقف الحالي، ولكننا سنؤكد حينها بأن إيران اتخذت جميع التدابير اللازمة لحل الأمور سلميًا، والناس ستعرف أيضًا بأننا كنا مستعدين للمفاوضات، وأن الأمريكيين هم الذين رفضوها”، وبعد هذا التبرير المنطقي، قال صالحي بأن خامنئي أجابه بأنه لا يعارض المفاوضات الثنائية مع الأمريكيين، ولكنه مع ذلك لم يمنح تفويضًا مطلقًا بهذه المحادثات.
وفقًا لصالحي وضع المرشد الأعلى أربعة شروط للانخراط المباشر بالمفاوضات مع الولايات المتحدة، موضحًا إياها بقوله: “أولًا، اشترط السيد خامنئي بأن يتم عقد المفاوضات على مستوى أدنى من وزراء الخارجية، بمعنى، أن وزيري خارجية البلدين لا يجب أن يجتمعا خلال مسار المفاوضات، وأيضًا اشترط على وجوب ألا تكون المفاوضات معقودة لمجرد التفاوض، واشترط ثالثًا بألا يتعدى موضوع المفاوضات القضية النووية ليشمل العلاقات السياسية أو ما شابه ذلك”، وبعد تردد حول نقل الشرط الرابع، أوضح صالحي أخيرًا بأنه كان يتعلق بـ”إدارة المفاوضات”.
ذكرت التقارير السابقة، بأن نائب وزير الخارجية الإيراني حينها، علي أصغر خاجي، الذي يعمل الآن سفيرًا لإيران في الصين، ترأس الوفد الإيراني، تماشيًا على ما يبدو مع طلبات خامنئي لحصر مستوى المشاركة بما دون مستوى الوزراء، كما كشف صالحي أيضًا عن بقية أعضاء الوفد الإيراني الذي سافر إلى عمان، حيث أوضح بأن رضا زبيب، الذي يشغل حاليًا منصب سفير إيران في قبرص، رافق خاجي بصفته مدير عام مكتب أمريكا الشمالية في وزارة الخارجية الإيرانية، وعلاوة على ذلك، كشف صالحي بأن محسن باهارفاند، الذي يشغل حاليًا منصب نائب الأمين العام للمنظمة الاستشارية القانونية الآسيوية – الأفريقية في الهند، اجتمع أيضًا مع الأمريكيين بصفته نائب المدير العام لمكتب بلدان أمريكا اللاتينية في وزارة الخارجية الإيرانية.
نقل صالحي بأنه خلال الاجتماع الأول مع الأمريكيين، “لم يكن الجانب الأمريكي يؤمن بجديتنا، لدرجة أنهم قالوا بأننا لسنا على استعداد للمفاوضات، وحينها رد عليهم ممثلونا قائلين: إذن صحيح ما يقولونه عنكم بأنكم لستم جديرين بالثقة! ولكن بعد الدورة الأولى، تم توضيح إطار العمل وخارطة الطريق”.
وفقًا لصالحي، عقد الاجتماع الأول “في نهاية ربيع لعام 1391، أي بعد 4 إلى 5 أشهر من منح المرشد الأعلى الإذن بالمفاوضات المباشرة”، وهذا التاريخ يتوافق مع التقارير التي تقول بأنه في 7 يوليو 2012 عُقد الاجتماع في عمان بحضور سوليفان وتالوار، ولكن بغياب بيرنز، ووفقًا لهذا الجدول الزمني، فإن المرشد الأعلى الإيراني منح الإذن رسميًا بإجراء المحادثات الثنائية مع الولايات المتحدة في أوائل عام 2012، قبل نحو 18 شهرًا من انتخاب روحاني.
المصدر: ألمونيتور