في مقابلة له على قناة المنار التابعة لحزب الله اللبناني وبعد الانتخابات البرلمانية في يونيو الماضي في تركيا قال صلاح الدين ديميرطاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطية “إن سياسة حزب العدالة والتنمية الخارجية في المنطقة هي سياسة خاطئة تعتمد على المذهبية”، وأعلن أنه يدعم المقاومة اللبنانية الشريفة المتمثلة في حزب الله الذي يعمل في وجه الإمبريالية.
ومن حزب الله وتوجيه التحية له ولمقاومته وخاصة بعد تدخل الحزب في سوريا ووقوفه إلى جانب الأسد ضد إرادة الشعب السوري والذي أفقده الكثير من شعبيته التي حصل عليها من مقاومته للاحتلال الإسرائيلي، ظهرت بعض المجاملات في خطاب الحزب الكردي نحو إيران فبعد هذا بشهر تقريبًا صدرت تصريحات في يوليو 2015 عن حزب الشعوب تمتدح سياسات إيران بأنها حققت تفوقًا كبيرًا في المنطقة في الوقت الذي تعيش فيه تركيا حالة من العزلة التامة على حد وصف التصريح.
ومن إيران انتقل حزب الشعوب الديمقراطية إلى روسيا وتحديدًا بعد حدوث أزمة طائرة السوخوي 24 الروسية التي أسقطتها المقاتلات التركية في 24 نوفمبر الماضي وأدت إلى سلسلة أحداث عدائية متعاقبة من قِبل روسيا في صورة عقوبات لتركيا، وقد انتقد ديميرطاش حادثة إسقاط طائرة السوخوي 24 التي اخترقت المجال الجوي التركي ووصف ذلك بأنه لم يكن أمرًا صائبًا، والذي زاد من حدة الأمر أن تصريحات ديميرطاش هذه المرة جاءت من قلب موسكو وخلال لقائه مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف.
وقد كانت ردود الأفعال في تركيا قاسية على هذه الزيارة وكان من بين الذين انتقدوا زيارة ديميرطاش بشدة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو اللذان انتقدا توقيت الزيارة في ظل الأزمة والتصرفات العدائية من روسيا، واعتبر أردوغان أن الزيارة تأتي في سياق العداء للأمة والدولة التركية، كما أن أعمدة الصحف التركية كانت أكثر قسوة وصراحة في التعبيرعن رفض الزيارة وسياسة حزب الشعوب، ولعل هذه رسالة واضحة إلى الحزب بأن الحكومة التركية لن تسمح بتطور هذه العلاقات إلى مدى أبعد يمكن معه تدخل الروس في الشأن الداخلي التركي.
لقد كان متوقعًا أن تستخدم روسيا الورقة الكردية في سوريا والعراق خلال أزمتها مع تركيا من أجل أن تنتقم من تركيا عبر حزب العمال الكردستاني وقد فعلت روسيا ذلك ومدت بعض المجموعات الكردية في سوريا بالأسلحة، ولكن زيارة ديمرطاش أكدت أن روسيا تريد أن تكون مؤثرة في الداخل التركي أيضًا، ويخشى من أن تكون هذه الزيارة بداية لإحداث حالة من الفوضى الداخلية التي أثبتت الأيام السابقة أن الساحة التركية مهيأة لحدوثها وأنها قد تتضرر كثيرًا في حال حدوثها.
ولما سبق فقد رأينا تصريحات قاسية من السياسيين الأتراك ضد زيارة ديميرطاش في هذا التوقيت، بل واعتبرها البعض مثل داود أوغلو خيانة واضحة، وهو تصريح يبدو أن له ما بعده.
لقد استشعر ديميرطاش قوة رد الفعل في المجتمع السياسي التركي على زيارته إلى روسيا فحاول التخفيف من حدتها خاصة أن الكثير من النقاد لا يرون وجود فرق بين حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردي من جهة وبين حزب الشعوب من جهة أخرى؛ حيث يعتبرونه الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني في تركيا وأن زيارته تهدف إلى حشد الدعم لصالح مشروع الكيان الكردي في شمال سوريا والذي تعارضه تركيا بشدة، والذي يتسق حاليًا مع التدخل العسكري الروسي في سوريا، كما أن وزير الخارجية الروسي قال خلال المؤتمر الصحفي مع ديمرطاش إن روسيا مستعدة لدعم الجماعات الكردية في شمال سوريا، ولذلك قال ديمرطاش إنه لم يمثل خلال زيارته أكراد سوريا أو حزب الاتحاد الديمقراطي ولم يتقدم باسمهم بـأي طلب إلى الروس.
لقد أفقدت هذه الزيارة حزب الشعوب الديمقراطي الكثير من مصداقية شعاراته خاصة أنه كان يقول إن الحزب يسعى لأن يكون حضنًا لكل الأتراك وليس حزبًا كرديًا فحسب، كما أن الزيارة في هذا الوقت في ظل القصف الروسي للتركمان تثير مشاعر الأتراك بشكل كبير، ولذلك فإن هذه خسارة كبيرة للحزب على المستوى الداخلي، ولكن هل يمكننا التنبؤ بأن الحزب بقيامه بهذه الزيارة في هذا الوقت الحساس إلى روسيا يعمل على حرق الجسور مع الحكومة ومع عملية السلام ويتجه من الديمقراطية إلى الراديكالية في التعامل؟ وهل يصنف نفسه في داخل المحور الروسي الإيراني الذي يعمل في دائرة تنسيق واحدة في المنطقة؟ لعل الإجابة الدقيقة على هذه الأسئلة قد تأتي بوضوح من خلال تتبع المسار العملي لسياسة الحزب خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.
لقد رأينا تطورًا كبيرًا من بعد ظهور نجم حزب الشعوب الديمقراطية في انتخابات يونيو الماضي والتي أصبح الحزب خلالها أحد الأحزاب الرئيسة في البرلمان التركي وهذا التطور جاء باتجاه المحور الروسي الإيراني فبدءًا بمدح حزب الله وإيران ووصولاً إلى زيارة روسيا والعمل على افتتاح مكتب تمثيلي فيها يبقى السؤال هل يحقق حزب الشعوب أهدافه من هذه العلاقة؟ بمعنى أن هذا التطور يمكن اعتباره إيجابيًا لصالح الحزب أم أنه كما يرى كثير من المتابعين يجسد نفسه كأداة قابلة للتخلي عنها عند أي اتفاق بين الكبار؟
من زاوية أخرى تأتي هذه الزيارة في أعقاب بعض المواقف التي أبدتها بعض أحزاب المعارضة مثل زيارة حزب الشعب الجمهوري لسوريا وتصريح أحد نواب الحزب بأنه في حال نشبت حرب بين تركيا وإيران أنه سيقف في صف إيران وهذه المواقف كلها تعكس حالة التخبط لدى المعارضة في داخل تركيا كما تعكس من جهة أخرى استعدادها للتوجيه والاستخدام.