ترجمة وتحرير نون بوست
كتبت لويز أوزبورن وروبي روسل:
تهدد أزمة اللاجئين في أوروبا بتفاقم مشكلة خفية من انعدام الجنسية، حيث يحذر الخبراء من أن الأعداد المتزايدة من الأطفال المولدين في المهجر ستشكل جزءًا من معضلة ناشئة ومتنامية متمثلة بظهور “جيل من عديمي الجنسية”.
قوانين الجنسية المتحيزة ضد المرأة في سورية، جنبًا إلى جنب مع الضمانات القانونية غير الفعالة بدول الاتحاد الأوروبي، تعني بأن العديد من الأطفال الذين يولدون للاجئين السوريين في أوروبا هم عرضة لأن يصبحوا عديمي الجنسية، وهي حالية قانونية بائسة تعني عدم تمتع الشخص بجنسية أي بلد من البلدن، وتؤثر حاليًا على أكثر من 10 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم.
بموجب قانون الجنسية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي 276 لعام 1969، تُمنح الجنسية السورية للأطفال المولودين لأب سوري فقط، وهو ما يسمى قانونيًا بانتقال الجنسية بحق الدم، ولا تثبت الجنسية السورية للأطفال الذين ولدوا لأم سورية، إلا في حال عدم ثبوت نسبة الطفل لأبيه قانونًا، ويشترط هنا بأن تتم الولادة على الإقليم السوري؛ وإذا أخذنا بعين الاعتبار إحصائيات الأمم المتحدة التي تشير بأن 25% من أسر اللاجئين السوريين هي يتيمة الأب، فسندرك حينها بأن الأطفال المولودين في المهجر لنساء سوريات فقدن أزواجهن السوريين، لن يتمتعوا قانونًا بالجنسية السورية.
“الكثير من الأشخاص الذين أُعيد توطينهم في أوروبا هم من النساء اللاتي فقدن أزوجهن قتلًا أو ضياعًا، حيث يتم توطينهن مع أطفالهن أو وهن حوامل في ذلك الوقت، والمشكلة تتنامى وتتصاعد لتصبح أكبر”، قالت زهرة البرازي من مركز دراسات انعدام الجنسية والإدماج، الذي يقع مقره في هولندا.
سناء ، وهي أم عازبة تبلغ من العمر 35 عامًا، أنجبت ابنتها، صبا، في برلين العام الماضي، “ذهبت إلى السفارة السورية، وأوضحت لهم وضعي، ولكنهم رفضوا إعطاء ابنتي جواز سفر سوري، لأنهم طلبوا بأن يكون الطفل مولودًا لأب سوري ومن علاقة زواج شرعية”.
سناء وابنتها صبا في برلين
ألمانيا، وكغيرها من باقي دول أوروبا، لا تمنح الجنسية تلقائيًا للأطفال المولودين على إقليمها، وهذا يعني بأن صبا لا تحمل جنسية أي بلد.
بموجب المعاهدات الدولية، وبما في ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل في المادة السابعة منها، تُلزم الحكومات بمنح الجنسية لأي طفل يولد على ترابها ولا سيما حيثما يعتبر الطفل عديم الجنسية في حال عدم القيام بذلك، ولكن قلة فقط من دول الاتحاد الأوروبي اعتمدت هذا النص في قوانينها المحلية، وحتى تلك الدول التي اعترفت بهذا الحق، فشلت بشكل مستمر بتطبيقه.
تقدر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وجود 680.000 شخص من عديمي الجنسية على الأقل في أوروبا وحدها، رغم أن الخبراء يقولون بأن العدد يرجح أن ينوف عن ذلك بكثير، كونه يصعب للغاية إحصاء العدد الحقيقي لعديمي الجنسية.
تظهر مشكلة انعدام الجنسية بأسوأ أشكالها في جنوب شرق آسيا؛ ففي ميانمار وحدها تقدر الأمم المتحدة وجود أكثر من 810.000 شخص من عديمي الجنسية، ولكن الوضع في أوروبا على وشك أن يصبح أشد سوءًا جرّاء موجة الهجرة غير المسبوقة.
حتى الآن، أكثر الجماعات تضررًا من مشكلة انعدام الجنسية في أوروبا هم شعب الروما (الغجر) ومجموعات دول البلطيق الناطقين بالروسية، علمًا بأن الأمم المتحدة تلقي باللوم بمسألة انعدام الجنسية على “مجموعة كبيرة من الأسباب”، ولكن بالمحصلة، مجموعة واسعة من الأشخاص المنحدرين من خلفيات مختلفة يجدون أنفسهم غير متمتعين بجنسية أي دولة.
في الوقت الراهن، لا يوجد أي بحث أُجري لإحصاء نطاق انعدام الجنسية بين أطفال اللاجئين السوريين في أوروبا، ولكن يُعتقد بأن العديد من الأطفال السوريين في المهجر يعانون من ذات وضع صبا.
انعدام الجنسية في أوروبا يمكن أن يثير مشاكل هائلة، حيث يشير الخبراء إلى أن كثيرًا من الآباء لا يدركون بأن أطفالهم هم من عديمي الجنسية، وغالبًا لا يدرك الأطفال أيضًا بأنهم لا يحملون الجنسية القانونية إلا عند بلوغهم سن الرشد، بعد أن يتواجهوا بمشكلات واقعية، كعدم إمكانية ممارستهم للعمل بشكل قانوني، أو عدم السماح لهم بتسجيل زواجهم، فضلًا عن منعهم من تسجيل الملكيات الخاصة وحرمانهم من حق التصويت أو حتى التخرج من المدرسة.
يقول تقرير للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين صدر هذا الشهر، بأن انعدام الجنسية يمنع الأطفال من “ممارسة حياة رائدة ومنتجة”، كما يعكس “آثارًا نفسية مدمرة” على الأطفال وذويهم، ونقل التقرير جملة عن والد أحد اللاجئين السوريين قائلًا: “إذا لم يكن لدى الأطفال شهادة ميلاد، فلا وجود لهم قانونًا”.
وفي ذات السياق، تشكل مشكلة انعدام الجنسية في بلدان الجوار السورية، التي استقبلت غالبية اللاجئين السوريين، مصدر قلق كبير، حيث تقول الأمم المتحدة بأن أكثر من 30.000 طفل ولدوا للاجئين سوريين في لبنان، معرضين لخطر انعدام الجنسية، كما أشار بحث أُجري من قِبل المنظمة الدولية للاجئين هذه السنة، بأن أغلبية الـ60.000 طفل الذين ولدوا للاجئين السوريين في تركيا منذ عام 2011، قد يعانون من ذات المشكلة.
في هذه البلدان يعود سبب مشكلة انعدام الجنسية جزئيًا لعدم قدرة اللاجئين على تسجيل أطفالهم بشكل صحيح، ولكن الأطفال الذين يتم خداعهم لاغتصابهم، فضلًا عن الفتيات السوريات القاصرات اللواتي يتزوجن بطريقة غير مشروعة برجال بلدان اللجوء المضيفة، قد يكونون معرضين للخطر بشكل أكبر.
“حجم العنف الجنسي داخل سورية أو تجاه اللاجئين يصعب حصره وتحديده، ولكن هذه الممارسات تبدو منتشرة للغاية”، يقول داريل غريسجرابر من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويضيف: “لذلك أعتقد بأن هذه الأرقام التي نعول عليها في الوقت الراهن هي على الأرجح أعلى مما نتخيله، وبالإضافة إلى ذلك، هناك آباء لقوا حتفهم، أو تم اعتقالهم في سورية، أو اختفوا ببساطة، ولهذا لا يمكن التحقق من نسبة المولود للأب لغرض تسجيله في البلد المضيف”.
تشكل قضية انعدام الجنسية أيضًا مصدر قلق بالغ للأزواج الذين لا يمتلكون الوثائق اللازمة لإثبات وضعهم القانوني والشرعي، فمثلًا راما وراشد هربا من سورية كل على حدة، والتقيا وتزوجا في تركيا، وأنجبا ابنهما سيد في أنطاكية، على بعد بضعة أميال فقط من الحدود السورية.
تبعًا لكونهما قد تزوجا في حفل غير رسمي في تركيا، لا يمتلك راشد وراما الوثائق القانونية التي تثبت زواجهما، واسم راشد غير مذكور ضمن شهادة ميلاد ابنه، “من هذا؟ ما هي جنسيته؟”، سأل راشد يائسًا وهو يحتضن ابنه الصغير؛ فبدون تصحيح وضعه القانوني، تخشى عائلة سيد من أن الطفل لن يكون قادرًا على الذهاب إلى المدرسة.
بالعودة إلى برلين، تعاملت السلطات الألمانية مع سناء بشكل متشكك لكونها غير قادرة على تحديد اسم والد طفلتها صبا، وشرعت السلطات بطرح أسئلة على الأم الجديدة العازبة حول تاريخها الجنسي، وبالمحصلة، وبدلًا من الاعتراف بانعدام جنسية صبا ومنحها جنسية ألمانيا، قدمت السلطات وثائق سفر للطفلة بصفة لاجئة سورية، رغم أنه ووفقًا للقانون السوري، لا يحق لصبا أن تتمتع بالجنسية السورية.
اصطفاف اللاجئين في النمسا تمهيدًا لسفرهم إلى ألمانيا
“في الوقت الراهن تتوارى قضية انعدام الجنسية خلف حقيقة أن هؤلاء الأشخاص مازالوا خاضعين لنظام اللجوء”، قال كاريل هندريكس من مؤسسة دعم اللاجئين في أمستردام، وأضاف: “ولكن المشكلة سوف تبزغ في غضون سنوات قليلة، فعندما ستحط الحرب أوزارها في سورية، ستقرر الحكومات أيضًا بدء ترحيل اللاجئين إلى بلدانهم، وحينها سنتجابه بحالات لأشخاص لن يتم تمديد تصاريح إقامتهم، وبذات الوقت لا يمكن أن تتم إعادتهم إلى بلدهم، لأنهم ببساطة لا يتمتعون بجنسيتها”.
وفقًا لتقرير الأمم المتحدة، يولد طفل عديم الجنسية كل 10 دقائق في مكان ما من العالم، ويضيف التقرير بأن هذا الواقع مروّع سيّما “نظرًا لمدى قوة الإطار الدولي لحقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بحماية حقوق الطفل، بما في ذلك حق كل طفل في الحصول على الجنسية”.
وفي ذات الإطار، تشير إنجي ستركنبوم، ضابط حماية في مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة متخصصة في شؤون انعدام الجنسية، بأن حكومات الاتحاد الأوروبي يجب عليها، الآن أكثر من أي وقت مضى، أن ترتقي لتحقيق التزاماتها بموجب المعاهدات الدولية لحماية الأطفال من انعدام الجنسية، حيث تقول: “يجب أن نرى تنفيذًا لتلك الاتفاقيات الدولية من خلال النص عليها في تشريعات الجنسية المحلية، ولكن بعد ذلك ينبغي أيضًا أن تُطبق هذه التشريعات على حالات الأطفال المخولين للاستفادة منها”.
تحاول السلطات في الأردن وتركيا اتخاذ خطوات لتحسين نظام تسجيل المواليد اللاجئين، ولكن حتى في ظل جميع هذه الجهود المبذولة، إذا لم يستطع ذوو الطفل تأمين كافة الأوراق المتطلبة لمنح المواطنة السورية، فإن هؤلاء الأطفال سيتوهون في غياهب النسيان، ما لم ترتقِ الحكومات المضيفة لمسؤوليتها للاعتراف بحق هؤلاء الأطفال من عديمي الجنسية بالاستحصال على جنسية البلد المضيف.
عبد الله ومرح يعيشان في ذات المبنى السكني الذي يعيش فيه راما وراشد، ومثل جيرانهما، تزوجا بشكل غير رسمي في تركيا، ومرح اليوم تشهد آخر أيام حملها؛ لذا اجتمعت أسرة عبد الله ومرح مؤخرًا لمناقشة أفضل طريق لإضفاء الوضع القانوني الملائم للطفل المتوقع.
لاجئان سوريان خلال حفل زواجهما غير الرسمي في الأردن
مرح قلقة للغاية حول انعدام جنسية طفلها، لدرجة أنها كانت تفكر بالعودة إلى سورية للولادة وتسجيل الطفل هناك، ولكن آخرون نصحوها بعد الإقدام على هذه الخطوة، لأنها ستصبح عالقة في نهاية المطاف في البلد الذي تمزقه الحرب، لأنه بموجب القانون السوري، لا يمكن للمرأة أن تخرج طفلها خارج البلاد دون إذن والده، وبالمقابل لا يمكن لزوجها عبد الله الذهاب معها إلى هناك، لأنه سيواجه الاعتقال لانشقاقه سابقًا عن الجيش السوري، “كنت أفضل لو أنني لن أنجب هذا الطفل”، قالت مرح وهي تذرف الدموع.
بالمحصلة لم تستطع العائلة التوافق على أفضل طريقة لتسجيل الطفل نظرًا لمدى تعقيد الوضع، حيث عاث الصراع الناشب في سورية فسادًا بالاتفاقيات القانونية والاجتماعية، ترك الأطفال في حالة ضياع قانوني، وحرم الآباء من حقوقهم القانونية.
أخيرًا، تشير سناء بأن وضعها كأم عازبة كان سيكون معقدًا أو مستحيلًا في سورية بسبب وصمة العار الاجتماعية، وأوضحت بأنها تأمل أن تستحصل ابنتها في نهاية المطاف على الجنسية الألمانية، رغم عدم وجود أي ضمانات على قبول طلبها، “أرغب أن تعيش ابنتي في ألمانيا، لتتعلم، لتعيش، لتتمتع بالحرية، ولتكمل حياتها” قالت سناء، لكنها أضافت: “أعتقد أنه في المستقبل، ستتساءل صبا عن سبب عدم تمتعها بالجنسية السورية”.
*ملاحظة: تمت تغيير بعض الأسماء في المقال.
المصدر: الغارديان