يقف المغرب على موعد مع الانتخابات التشريعية على بعد 9 أشهر من الآن، ينتظر فيها المغربيون تقييم تجربة حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي تزايدت ضد حكومته حدة المعارضة في الآونة الأخيرة من هذا العام المنصرم.
تُندد المعارضة بالسياسة الاقتصادية للحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، متهمين إياها بانتهاج سياسة اقتصادية ستؤدي إلى إثقال البلاد بالديون الخارجية، بعد تقديم حكومة عبدالإله بنكيران عدة تعهدات لمنظمات دولية مالية بخفض عجز الموازنة بإجراء مراجعة شاملة لنظام الدعم الذي يوفره صندوق دعم المواد الأساسية لبعض المواد مثل الحبوب والسكر والغاز.
هذه السياسات جعلت الاصطدام بالحياة اليومية للمواطن المغربي متكررًا، وهو ما سهل على المعارضة استغلاله في تنظيم احتجاجات تدعو الحكومة المغربية للكف عن تنفيذ سياسات مفروضة خارجيًا من قِبل المؤسسات المالية الدولية، والتي يرونها ستؤدي إلى تفقير قطاع كبير من الشعب المغربي.
جزء كبير من هذه المعارضة قادته النقابات المغربية التي صعدت من لهجتها ضد الحكومة مع بداية العام 2015 على خلفية مطالب عمالية سابقة، وكذلك بسبب ما أسموه تجميد الحكومة للملف الاجتماعي، وهو ما اعتبروه تنكيلًا بالطبقة العاملة بحسب أوصافهم.
استغلت المعارضة السياسية هذه الحالة من الشقاق بين المؤسسات العمالية المغربية والحكومة في محاولة لتشكيل جبهة موحدة في وجه برنامج الحكومة الاقتصادي الذي يقوده حزب الأغلبية “العدالة والتنمية”.
على الجانب الآخر فإن الحزب يرى عجز المعارضة بشتى أطيافها عن التأقلم مع المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد، حيث يتهم المعارضة بإثارة مثل هذه القضايا بهدف تفجير الحكومة من الداخل تارة بالمطالبات الاجتماعية، وتارة بخلق تكتلات فئوية ضد الحكومة.
فيما تواصلت دعوات الحكومة للنقابات العمالية للحوار في مطالب زيادة الرواتب ومشكلة التشغيل وضمان الحريات النقابية والارتقاء بالقوانين الاجتماعية دون إعطاء الأمر أبعاد الابتزاز السياسي من قِبل المعارضة، إلا أن جولات الحوار هذه لم تسفر عن شيء بسبب تحميل الطرفين لبعضهما البعض مسؤولية فشل الحوار الاجتماعي.
المعارضة المغربية تحاول إعداد كشف حساب للحكومة المغربية قبيل الدخول في معترك الانتخابات التشريعية، إذ تصدّر قضايا البطالة في المغرب والعدالة الاجتماعية وتراجع الحريات العامة وإغلاق باب الحوار مع النقابات العمالية، وتأخر إصدار قوانين المتعلقة بتنظيم بعض أحكام الدستور، مؤكدة أن الحكومة الحالية فشلت في الوفاء بجميع تعهداتها السابقة.
أما على الجانب الآخر يرى قطاع من المغاربة أن ثمة تجني حقيقي ضد حكومة العدالة والتنمية في المغرب عن طريق تصفية الحسابات السياسية بإنكار مجهودات الحكومة التي بُذلت في سبيل تصحيح أوضاع قطاعات كبيرة من الشعب كانت تعاني في السابق، وذلك عن طريق طرح وتنفيذ مشاريع إصلاحية اقتصادية واجتماعية.
يرى محللون مشاريع إصلاح منظومة التضامن الاجتماعي وإنقاذ أنظمة المعاشات من الإفلاس وضبط الميزانية العامة للدولة تأتي على رأس نجاحات حكومة الحزب في الفترة الماضية، والتي تعمل على تثبيت أركان هذه النجاحات تشريعيًا في الفترة القادمة بمزيد من الإصلاحات.
كما يؤكد المناصرون لحكومة بنكيران أن الحكومة المغربية الحالية التي جاءت بعد سنة من الحراك الاجتماعي في المغرب أدارت البلاد طوال هذه الفترة بنجاح، بالإشارة إلى قبولها تحمل المسؤولية في هذا الوقت العصيب من أجل التغيير وإيقاف الفساد استجابة لتطلعات الشعب المغربي.
وكذلك يُحسب للحكومة الحالية من أنصارها صمودها أمام الرياح الإقليمية العاصفة التي ضربت بالمنطقة، والتي أثارت الاضطرابات في البلدان المجاورة، خاصة مع صعود روح معاداة الحكومات المنحدرة من خلفيات إسلامية كتلك التي تُمثلها حكومة عبدالإله بنكيران، إلا أن الحكومة أدارت المرحلة بحنكة تُحسب لها، أدت إلى تفادي الصدام الإقليمي.
إلا أن حسابات التقييم لهذه التجربة من اتجاه المعارضة تختلف كلية عن تقييم أنصار العدالة والتنمية لتجربتهم، لينقسم المغاربة حول تقييم تجربة الحكم، بعد أن أجزم البعض منهم بنجاح هذا الحزب في تسيير المملكة في ظرف دولي وإقليمي دقيق، في مقابله أتى الجزم من المعارضة بفقدان هذه التجربة للرصيد الشعبي تحت ضغط تزايد الغاضبين والمعارضين لسياسات الحكومة الاقتصادية.
وربما تأتي أطروحات التقييم والمعارضة في الفترة الأخيرة من منطلق تخوفات مشروعة من ضياع المشروع الإصلاحي الديمقراطي، عن طريق التعلل بالظرف الدقيق للبلاد، والانشغال بالمشاريع الاقتصادية اليومية عن اتخاذ إجراءات إصلاح المجال السياسي العام في المغرب، في وسط غموض حقيقي يكتنف العملية السياسية الدائرة.
غير أن صعوبة الظروف الاقتصادية الحالية والأزمة الاجتماعية والسياسية في المغرب، فرضت على الجميع هذه الأوضاع، فالحكومة فضلت أن تأكل من شعبيتها لدى المواطن المغربي بقرارات الزيادات المتتالية للأسعار، والتصور الحكومي لإصلاح صندوق التقاعد، إلى جانب العديد من القرارات الأخرى التي خلقت ارتباكًا لدى المغاربة، تحت تبرير إصلاح المنظومة الاقتصادية في المغرب. أما المعارضة فقد فضلت أن تقف أمام هذه القرارات التي تراها تضحية بمصلحة الفئات المعدمة أمام توازنات اقتصادية دولية، في حين لم يقف الأمر عند ذلك بل خلق تحالفًا وجبهة سياسية ضد الحكومة بين السياسيين والنقابيين المغاربة.
يُعزى البعض هذه القرارات إلى عدم وجود خيال سياسي وإداري لدى حكومة بنكيران أدت بها إلى اتخاذ هذه الإجراءات الصادمة التي لعبت المعارضة عليها جيدًا لخفض شعبية الحكومة لدى المواطن العادي، حيث لم تلجأ أي حكومة مغربية من قبل إلى زيادة أسعار الوقود بهذه السهولة إلا عند حالات الضرورة القصوى في أضيق الحدود.
بينما لجأت الحكومة الحالية إلى هذه الحلول دون أدنى محاولة لإيجاد بديل في ظل ظرف حرج كهذا، وهو الأمر الذي ساعد على تصاعد وتيرة الاحتجاجات ضد الحكومة في الفترة الماضية.