قرابة 30 مليون مصري من مستخدمي الشبكة العنكبوتية في مصر يبحثون عن حريتهم أيضًا، بعد محاولات حثيثة من السلطات المصرية لتكبيل هذه الحرية بقيود تشريعية وتقنية، كان آخرها قرار غير مبرر من الحكومة المصرية بإيقاف برنامجًا يوفر خدمات الإنترنت المجانية لأكثر من ثلاثة ملايين مصري.
أعلن موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” عن هذا القرار في تصريح لوكالة الأسوشيتد برس، حيث أكد مسؤولو الموقع إنهم يشعرون بخيبة أمل جراء إغلاق البرنامج، معربين عن أملهم في تسوية الموقف قريبًا حتى يتسنى إعادة البرنامج للمستخدمين.
بهذا لن تكون الخدمة متاحة، بعدما كانت توفر دخول الإنترنت بدون تكاليف لأكثر من مليون شخص لم يكونوا متصلين بالإنترنت من قبل عبر هذا البرنامج الذي أعلنت عنه شركة “اتصالات مصر” لخدمات الهواتف المحمولة، وكان هذا البرنامج قد تم تسليط الضوء عليه مؤخرًا في معرض لريادة المشروعات في مصر.
أتى هذا الإيقاف بدون سبب أو تعليق من جانب شركة اتصالات مصر أو من جانب الحكومة المصرية، ليوضع القرار في بوتقة القرارات السابقة التي اتخذتها الحكومة المصرية في سبيل تقييد حرية الإنترنت في مصر.
كان من آخر هذه القرارات ما أعلنته شركة “فيس بوك” سابقًا عن تقديم الحكومة المصرية عدة طلبات لمراقبة بعض حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة ببعض المستخدمين على الموقع، كما طلبت الحكومة المصرية أيضًا حظر بعض المحتويات التي ينشرها المستخدمون، وقد أعلن “فيس بوك” عن هذا الأمر في التقرير النصف سنوي الذي صدر عن الموقع في النصف الأول من عام 2015.
وفي انتهاك حديث لحرية الإنترنت من جانب النظام المصري، اشتكى موقع جريدة العربي الجديد من فشل قراء الجريدة على موقعها الالكتروني في الدخول إلى الموقع، بعد ظهر اليوم، ليتبين أن الموقع تعرض للحجب التدريجي على الأراضي المصرية.
مصر ماضية بخطوات ثابتة على يد النظام الحالي نحو ترسيخ انتهاكها لحرية الرأي والتعبير وحرية تداول المعلومات بين الجمهور بعد أن أعلنت في نهاية عام 2014عن تأسيس مجلس أعلى لأمن البنية التحتية والإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، حمل مسمى “المجلس الأعلى للأمن السيبراني”، الأمر الذي قرأه خبراء في التقنية على أنه خطوة تهدف إلى مراقبة ما يبث على شبكات التواصل الاجتماعي.
أتبع مجلس الوزراء المصري هذا القرار بتشكيل المجلس بقرار آخر أصدره رئيس الوزراء المصري السابق إبراهيم محلب في شهر فبراير من العام 2015 بتشكيل لجنة أخرى تتولى دراسة إدخال تعديلات تشريعية على القوانين المتعلقة بما أسموه “الأمن القومي”، بما يمنح المحاكم المصرية صلاحية البت في إزالة ما يبث على شبكة الإنترنت من جمهورية مصر العربية، وله علاقة بالمصطلح المطاطي”الإرهاب”.
لا يمكن قراءة هذه الإجراءات المتوالية بعيدًا عن ممارسات وزارة الداخلية المصرية التي بدأت منذ أكثر من عام عملية مراقبة لمحتوى شبكة الإنترنت في مصر، وقد أعلن عن ذلك من قبل تقارير صحفية تحدثت عن مسؤولية شركة “Blue Coat” الأميركية، المتخصصة في الأمن الرقمي في تركيب أنظمة تسهل عمليات الرقابة والتعقب لأنشطة المستخدمين المصريين على شبكة الإنترنت، ورغم نفي وزارة الداخلية المصرية للأمر إلا أن نشطاء في مجال حرية الإنترنت أكدوا حدوثه.
وعلى وقع كل هذه الوقائع وضعت منظمة فريدوم هاوس الأمريكية في تصنيفها المتعلق بحرية الإنترنت مصر ضمن أسوأ دول العالم في مؤشر حرية الإنترنت عام 2015، مانحة إياها وصف “غير حرة”، حيث يعتمد التصنيف على ثلاثة مستويات تندرج بين “حرة”، ثم “حرة جزئيا”، ثم “غير حرة”.
صدر هذا التصنيف استنادًا على وقائع سابقة للحكومة المصرية تمثل انتهاكات واضحة لحرية الإنترنت في مصر أبرزها الحكم بالمؤبد الصادر في شهر أبريل من عام 2015 ضد صحفيين إلكترونيين هما (عبد الله الفخراني وسامحي مصطفى) المسؤولين بشبكة رصد، والقابعين في السجن عقب أحداث فض اعتصام رابعة العدوية في أغسطس من العام 2013.
وكذلك بسبب سيل القوانين المتعلقة بما أطلقت عليه الحكومة الجرائم الإلكترونية ومكافحة الإرهاب، والتي تعتمد بالأساس على وضع توصيفات لجرائم بموجب اتهامات فضفاضة، وهو ما أشعل مخاوف النشطاء من إمكانية استخدامها في قمع نشطاء حقوق الإنسان ومنتقدي الحكومة المصرية.
منذ دخول الإنترنت في مصر عام 1993 وانتشاره في مطلع الألفية أخذت السلطات تتعامل معه بحذر لكن دون حجب للمحتوى أو فرض رقابة عليه، ربما لقلة الإمكانيات التقنية في مصر إبان هذه الفترة.
أما في عصر المدونات مطلع العام 2005 وحتى عام 2008 ومع صعود جيل من المدونيين الشباب الذين أزعجوا السلطات المصرية حتى قيام ثورة 25 يناير، دأبت السلطات المصرية ولا سيما ما يعرف باسم الجهات السيادية على الإنخراط في سياسة الرقابة الإلكترونية وحجب المحتوى بالتعاقد مع شركات أجنبية لديها من التقنيات الكثير التي تساعد السلطات على ذلك، ومنذ ذلك الحين ولا تكل الحكومة المصرية عن السير في اتجاه انتهاك حرية الإنترنت بتقييدها بشتى الطرق.
وقد تصاعد هذا الأمر بالتزامن مع التقلبات السياسية التي شهدتها مصر في آخر خمس سنوات، كان آخرها الانقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع في منتصف عام 2013 على الرئيس السابق محمد مرسي، ومنذ ذلك الحين والهجمات على حرية الإنترنت ومستخدميه في ازدياد لا سيما على المعارضين للنظام الحالي الذين يستخدمون الإنترنت ووسائله كأدوات للتعبير عن آرائهم بعد اتخاذ الدولة عدة قرارات تعسفية قيدت حرية التعبير بالتظاهر والإضراب وغيرها من الأدوات السلمية للتعبير عن الآراء.