“عندما يتوعد نصر الله بالانتقام، فالأفضل لإسرائيل أن تأخذ كلماته على محمل الجد”، حسبما عنونت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقالها بصدد تداعيات الغارة الجوية التي استهدفت القائد الدرزي البارز بحزب الله، سمير القنطار، في سوريا، لتنهي حياته، مع آخرين، يوم 19 ديسمبر 2015.
لم تكن تلك هي القاعدة حتى عام 2012، حيث اعتادت إسرائيل استهداف قادة تنظيمات المقاومة الفلسطينية واللبنانية دون رد، على ذات المستوى، من قبل تلك التنظيمات. إلا أن الأمور تغيرت منذ ذلك الحين.
لابد أولًا أن نحدد الموقع الذي شغله سمير القنطار على خارطة صراعات المنطقة. انتسب القنطار في مطلع عمره إلى جبهة التحرير الفلسطينية ونفذ تحت رايتها مهمة اختراق مدينة نهاريا الساحلية المحتلة وقتل أربعة إسرائيليين عام 1979، واعتقل على إثرها ليحكم عليه بالسجن حتى عام 2008، عندما أطلق سراحه ضمن صفقة لتبادل الأسرى بين حزب الله وإسرائيل، ما استدعى أن يطلق عليه “عميد الأسرى المحررين اللبنانيين”، فهو أقدمهم، ومنذ إطلاق سراحه تابع عمله في المقاومة ولكن ضمن صفوف حزب الله.
جدير بالملاحظة أن مصادر الصحافة الإسرائيلية بالعملية بوصفها عملية ثأرية، بل بأنها ضربة استباقية وتفوقٌ للاستخبارات الإسرائيلية التي استطاعت رصد أنشطة القنطار في الجولان وتحديد موقعه الآمن واغتياله، حيث وصفته الصحافة العبرية بـ”القنبلة الموقوتة” بسبب خطط الشبكات التي ترأسها.
بالتأكيد لا تخجل إسرائيل من إعلانها استهداف أحد الأهداف التابعة لإيران في سوريا، أو إحباط عملية نقل أسلحة إلى حزب الله، أو حتى الإعلان، بشكل غير مباشر عن طريق المصادر الصحفية، الانتقام ممن نفذوا عمليات ضدها في السابق، ولكن هذه المرة تشير ردود الأفعال الإسرائيلية إلى أن العملية كانت لهدف استباقي، وأن القنطار بالفعل كان يحيك من الجولان ما من شأنه تمثيل خطر على إسرائيل، لدرجة تستدعي اغتياله.
بطبيعة الحال، لانتسابه إلى حزب الله، المساند لقوات الأسد في سوريا، كان للقنطار دورًا ما في تنسيق، أو تنفيذ، أعمال حزب الله في سوريا الهادفة إلى مساندة الأسد، ولكن ذلك لم يستمر خلال العام الأخير من حياته، حيث انتقل إلى هضبة الجولان السورية.
تضيف المصادر أنه خلال ذلك العام كان القنطار في خضم مهمة بناء شبكات جديدة للمقاومة في الجولان، لتمثل جبهة جديدة تفتح على إسرائيل، إلى جانب الجنوب اللبناني وقطاع غزة، في حال إعلانها الحرب على التنظيمات المقاومة في تلك المواقع، ولتأسيس بنية تحتية في الجولان تحمي شحنات الأسلحة الواردة إلى حزب الله من إيران عن طريق سوريا. جدير بالذكر أن واشنطن قد أدرجت سمير القنطار، وأخرين، على قوائمها للإرهابيين الدوليين، فقط في شهر سبتمبر الماضي.
من ينتقم للقنطار؟
يقودنا ذلك إلى سؤال هام حول الجهة التي انتسب لها القنطار خلال ذلك العام الأخير، فرغم فخر حزب الله بحمل القنطار لرايته، يبدو أنه لم ينشط تحت مظلة التنظيم خلال العام الماضي، بل فضّل التنظيم أن يخفض نطاق اتصالاته به بعد أن وجدت شبكته صعوبة في تنفيذ عمليات ناجحة في الجولان. ما يرجح نشاطه تحت الراية المباشرة للحرس الثوري الإيراني.
ولكن من المستبعد أن تعلن إيران عن تلك العلاقة المباشرة، أو أن تنتقم من أجله، حيث سيعني ذلك تضحيتها بمكاسب الاتفاق النووي، وتحسن علاقاتها بشكل نسبي مع الدول الغربية، ناهيك عن انشغالها بالفعل، واستنزاف قوات الحرس الثوري، بالصراع السوري ومساندة الأسد، بالإضافة إلى محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ومساندة قوات الحشد الشعبي الشيعية في العراق. ولكن بالتأكيد يمكنها دعم عملية انتقامية ينفذها حزب الله.
العمليات الثأرية لحزب الله
تغيرت طبيعة العلاقة بين إسرائيل وحزب الله منذ العام 2012 لتصبح أقرب إلى الندّية، ففي ذلك العام واجهت إسرائيل أول رد قوي على عمليات الاغتيال التي تنفذها، ردًا على اغتيال القيادي البارز بحزب الله عماد مغنية، حيث أدت عملية منسوبة لحزب الله وإيران إلى تفجير حافلة في بلغاريا تحمل سياح إسرائيليين إلى قتل ثمانية إسرائيليين على الأقل وإصابة 27 شخصًا.
وفي يناير 2015، قتلت غارة إسرائيلية جهاد مغنية، ابن الراحل عماد مغنية، ليأتي الرد من جانب حزب الله بنصب كمين في مزارع شبعا استهدف عربة تابعة للواء “جيفعاتي” الإسرائيلي بالصواريخ المضادة للدبابات، وأسفرت العملية عن مقتل ضابط وجندي إسرائيليين، بالإضافة إلى الخسائر المادية.
تدرك إسرائيل أن قوات حزب الله التي واجهتها عام 2006، وتمكنت من إيقاع خسائر فادحة بالجيش الإسرائيلي، أصبحت الآن أمهر على الصعيد العملياتي. فرغم فقدان حزب الله للكثير من عناصره في المعارك بسوريا، إلا أن المشاركة في تلك المعارك جعل قوات التنظيم أكثر تمرسًا وخبرةً في إدارة المعارك، وأفضل قدرة على تنفيذ الهجمات النوعية المنسقة.
المواقع المحتملة
في ضوء انشغال إيران وتجنبها لاستعداء القوى الغربية، من غير المرجح أن تكون العملية الانتقامية خارج المنطقة، حيث سيشير ذلك بشكل واضح إلى المساعدة الإيرانية حتى وإن كان التنفيذ بأيادي عناصر حزب الله.
وعلى الصعيد الآخر، لا يريدان الطرفان، لا حزب الله ولا إسرائيل، التصعيد، ففي حال قيام حرب جديدة بينهما، سيخسر الطرفان أكثر مما سيربحان، وخصوصًا حزب الله المستنزف في سوريا، في ظل عدم استقرار الوضع الداخلي في لبنان الذي ينتظر رئيسًا جديدًا، والعمليات التي نفذها داعش مؤخرًا في الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله.
تشير تلك العوامل إلى أن الاحتمالات الأكبر تكمن في تنفيذ عملية ثأرية محدودة عن طريق الجنوب اللبناني، أو عن طريق هضبة الجولان. بالتأكيد لن يجد الأعضاء المتمرسون لحزب الله صعوبة كبيرة في تنفيذ عملية مشابهة لعملية استهداف أفراد اللواء “جيفعاتي”، والتي لن تؤدي على الأغلب إلى تصعيد الأمور إلى درجة إعلان الحرب، مع حفظها لماء وجه التنظيم الذي يتوعد بالثأر على لسان زعيمه، حسن نصر الله، منذ اليوم التالي لسقوط القنطار “في التوقيت والمكان الذي يختاره التنظيم”.
يشير الاحتمال الآخر إلى تنفيذ عملية من خلال الجولان السوري، الذي لا يتمتع حزب الله فيه بنفوذ مباشر على نطاق واسع، على عكس الحرس الثوري الإيراني، بواسطة الشبكات المزعومة التي استمر بناؤها عامًا، أو أكثر، على يد القنطار، والتي بلغت الخط الأحمر الذي يستعي اغتيال قائدها.
التداعيات
إن أفلح حزب الله، ومن خلفه إيران، في تنفيذ العملية المحدودة، على غرار الرد على اغتيال ابن مغنية، سواء عبر جنوب لبنان أو الجولان، بالتأكيد لن تقف إسرائيل مكتوفة الأيدي، بل سترد ولكن بشكل محدود أيضًا، ربما عبر قصف صاروخي من أراضيها لا يستهدف شخصيات بعينها ولا يسعى إلى التصعيد. أما إن أتت العملية على نطاق مشابه لعملية الحافلة البلغارية، فربما تسعى إسرائيل إلى التصعيد الحذر، الذي سيقابل بالتهدئة من جانب حزب الله المشتت بين ميادين القتال.
لإدراكها أن حزب الله لا يبحث عن التصعيد، ولتجنبها أيضًا دخول حرب استنزافية مع المتمرسين الجدد بحزب الله، قد تلجأ إسرائيل إلى امتصاص غضب التنظيم – عمليته الانتقامية – خلال الوقت الراهن على أن تستكمل عمليات الاغتيال لاحقًا، حيث تبدو تلك العمليات أكثر إفادة لها من إعلان حرب قد تصيب هيبتها القتالية في مقتل.