تونس الأولى عربيا في مؤشر الديمقراطية “المهدّدة”

تصدرت تونس الدول العربية في مؤشر الديمقراطية، حسب أحدث تصنيف صادر عن “منظمة مؤشر الديمقراطية النرويجية” للديمقراطية في العالم.
واحتلّت تونس المرتبة 66 دوليا والأولى عربيا، كما سجلت أعلى نسبة تطور إيجابي على الصعيد الدولي في مؤشر التطور الديمقراطي بعد تقدمها بـ36 درجة بحسب تقرير المنظمة الصادر مؤخرا.
لم نتفاجأ في الحقيقة بهذا التصنيف لأنه سبق لتونس في السنوات التي تلت 14 يناير 2011 أن تحتل المرتبة الأولى عالميا في عدد من المؤشرات والفضل في ذلك يعود إلى ما قدّمه التونسيون خلال أحداث ثورة 14 يناير التي شهدتها البلاد.
أحد مقاييس الديمقراطية في العالم هو حرية التعبير،وكانت الأخيرة في تونس مطلقة ما بين 2011 و 2013 وكانت معظم الأصوات مسموعة وصرخ كلّ حزب وجماعة بأعلى صوته معلنا توجهه وأهدافه وأطروحاته وآراءه في الأحداث والنوازل التي تمر بها البلاد وقتها.
كانت الحكومة التونسية في تلك الفترة -وإن قلّت نسبيا الآن- تحاول أن تُظهر للعالم أنها بتسامحها وانفتاحها على الآخر تسعى إلى إرساء دولة القانون والمؤسسات التي تسودها الحقوق والواجبات،ولكن ورغم كلّ تلك الجهود،رفضت المعارضة التونسية أن تنخرط في المشروع الديمقراطي الحقيقي بأن تكون معارضة بناءة لا هدامة،ما أحدث حساسية كبيرة بين مختلف الأطراف السياسية.
هذا التصنيف الجديد لم يكن مجاملة لتونس على الصعيد العربي، فإذا ما استثنينا تونس ولبنان فلا يمكن أن نتحدث عن ديمقراطية في العالم العربي الذي يعيش حالة من الفوضى الكبيرة بسبب الفتن الداخلية والخارجية، ما عطّل عملية الإصلاح والبناء في المنطقة بأسرها.
لقد خطت الحكومات التونسية المتعاقبة ولجان الإصلاح وهيئات تحقيق أهداف الثورة منذ أن غادر الرئيس زين العابدين بن علي البلاد،خطوات متقدمة في الشأن الإصلاحي.
ففي شهر أبريل 2011 صادق مجلس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والإنتقال الديمقراطي في تونس على احداث هيئة عليا مستقلة للإنتخابات للإشراف على انتخاب المجلس الوطني التأسيسي في شهر أكتوبر من نفس العام وقتها وذلك للتخلص مع الموروث السابق وهي أن وزارة الداخلية هي المشرفة على الإنتخابات التي كانت مزورة على مر نصف قرن من تاريخ تونس.
وفي 2 من شهر نوفمبر من نفس العام، و باقتراح من نفس الهيئة وبعد الإطلاع على رأي الهيئة الوطنية المستقلة لإصلاح الإعلام والاتصال،صدر المرسومين المنظمين لقطاع الإعلام المكتوب والسمعي البصري في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية في خطوة أولى لاستقلالية الإعلام وتحريره من تبعية السلطة.
وفي العام 2013 نص القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 والمتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها على إحداث “هيئة الحقيقة والكرامة”. وتتمثل مهام هذه الهيئة في التحقيق وكشف الحقيقة حول انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة منذ 1 جويلية 1955 إلى غاية 31 ديسمبر 2013، وتقديم قائمة الضحايا وجمع روايات وشهادات الضحايا وتحديد مسؤوليات الدولة ومؤسساتها وإنشاء قاعدة بيانات حول هذه الانتهاكات. كما تتولى الهيئة مسؤوليات هامة خاصة في مجال جبر الضرر ومقاومة الفساد فهي تعمل على تقديم توصيات لجبر الضرر، وإدارة برنامج جبر الضرر الذي ستقوم بإرسائه.
وفي شهر ديسمبر 2014 انطلقت أشغال الهيئة في استقبال الشكاوي والعرائض من قبل المتضررين من النظام السابق ليصل عددها الجملي إلى غاية شهر ديسمبر 2015 إلى 23648 شكوى وعريضة عقد منها 1939 جلسة استماع للمتضررين.
إنّ جهود الإصلاح متواصلة في تونس وأمل التونسيين في الديمقراطية أيضا لا يزال على أشدّه وجهود الحكومة الحالية في تحقيق أهداف الثورة لا يبدو على أحسن حال والسبب في ذلك عزم الحكومة على محاربة الإرهاب دون مراعاة حقوق الإنسان وهو ما تسبّب في عودة بعض الممارسات الأمنية إلى سابق عهدها،معتمدين في ذلك على الضوء الأخضر من قبل رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد الّذي صرّح في 14 من شهر ديسمبر الجاري أنّ حقوق الإنسان بلا أمن لا معنى لها.
التونسيون يطمحون لديمقراطية حقيقية لا هي على المقاس الغربي ولا العربي، كما يرغبون في أن يكونوا سعداء في دولة القانون والمؤسسات لا في دولة قانون الغاب،فرغم أن تونس هي الدولة الأولى في الديمقراطية في العالم العربي إلا أنها في المرتبة الأخيرة في مؤشر السعادة في العالم العربي وحصلت على المركز ال141 عالميا وذلك حسب تقرير مؤشر غالوب-هيلث واي الدولي للسعادة في شهر يونيو 2015 عن مؤشر السعادة في العالم لعام 2014. واعتمد المؤشر وقتها على مقابلات مع أكثر من 146.000 شخص، تتراوح أعمارهم بين 15 وما فوق ذلك في البلدان الـ145 في عام 2014.
وكان من أبرز المعايير الرئيسية التي اعتمدها المؤشر للتصنيف:
– شعور الإنسان بوجود هدف له في الحياة.
– مستوى الرفاهية المالية والحالة الصحية الجيدة.
– والمشاركة المجتمعية، ومدى الثقة في الانتخابات والمؤسسات المحلية.
-الضغوط والأعباء اليومية.
– وجود نية للهجرة من عدمها.
– والأمن الغذائي ووجود مأوى.
– ومدى الاستعداد للعمل التطوعي ومساعدة الآخرين.
وبحسب مركز جالوب فإن هذه المعايير هي أكثر المعايير المدروسة والشاملة لقياس مدى شعور الناس بالسعادة.
وكان هذا ترتيب الدول العربية مع وضع الترتيب العالمي للدولة بين قوسين:
1- الإمارات (21)
2-السعودية (27)
3- البحرين (31)
4-موريتانيا (32)
5- الكويت (45)
6- السودان (62)
7- الجزائر (64)
8- لبنان (89)
9-اليمن (90)
10-الأردن (101)
11- العراق (102)
12- فلسطين (112)
13- المغرب (115)
14- مصر (129)
15-تونس (141)
كذلك خلص تقرير لمؤسسة فريدوم هاوس عن “المؤشر العالمي لحرية الإنترنت” (2014-2015) والذي تضمن دراسة أوضاع الإنترنت بـ 65 دولة بالعالم إلى أن أيا من الدول العربية وقعت تحت تصنيف الدول الحرة وفقًا للمؤشر، ووقعت 5 دول – من بين 11 دولة عربية شملتها الدراسة – تحت تصنيف الدول “الحرة جزئيًّا” وهي تونس والمغرب ولبنان والأردن وليبيا واحتلت تونس المرتبة الأولى عربيًّا بحصولها على (38 نقطة) بينما جاءت سوريا في ذيل القائمة العربية بحصولها على (87 نقطة) ولم تتقدم سوريا على أي دولة في العالم ما عدا الصين التي حصلت على (88) نقطة.
وظلت تونس تحت تصنيف”الحرية الجزئية” وقتها بسبب أحكام صادرة ضد التونسيين لأسباب تتعلق بنشر آرائهم عبر الإنترنت؛ إذ حوكم عدد من التونسيين بسبب أنشطتهم على الإنترنت؛ من أبرزهم راشد الخياري، مدير موقع صدى الذي تلقى حكمًا مع وقف التنفيذ لمدة ثلاثة أشهر بتهمة التشهير بعد نشر فيديو لسيدة شتمت قاضيًا عقب حكم صادر ضد ابنها، كما قضى المدون ياسين العياري حوالي 4 شهور بالسجن بعد محاكمة عسكرية بتهمة إهانة ضباط الجيش وكبار المسؤولين في وزارة الدفاع من خلال عدد من المنشورات له على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك.
أما فيما يتعلق بحرية الصحافة ففي تصنيف منظمة مراسلون بلا حدود للعام 2015 احتلت تونس مرتبة متأخرة في هذا التصنيف وكان مرتبتها 126 عالميا وذلك بسبب الإعتداءات المتكررة على الصحفيين بحسب ما جاء في تقرير المنظمة.
حرية التعبير في تونس مكسب بفضل الثورة لا بفضل حاكم ولا محكوم هذا ما قالته منظمات المجتمع المدني ونشطاءه ومن الأفضل أن تسعى الحكومات المتعاقبة على الحفاظ على هذه المكاسب ودعمها لا قمعها لسبب أو لآخر وعلى المسؤولين التونسيين أن يشتغلوا على تحسين صورة تونس في الخارج بالحفاظ على مكتسبات ثورة 14 يناير ودعمها لا بدعم أنشطة جانبية على غرار أكبر علم في العالم-بلغت مساحته 104 آلاف و544 متراً مربعاً، وقد استلزمت حياكته 80 ألف متر من القماش وبلغ وزنه 12.6 طناً- وأكبر عجة بالنقانق شارك في تجهيزها أكثر من أربعين طباخا وتكونت من 4000 بيضة وكمية كبيرة من النقانق، في الوقت الذي يعاني المئات في المناطق المهمشة من الفقر والجوع
وتحذر فيه الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة عالمية من احتمال وقوع مجاعات في مناطق مختلفة من العالم، خاصة في دول أفريقية.