في ظل التضييق الإعلامي الذي يفرضه تنظيم “الدولة” حول المناطق التي يحكم سيطرته عليها منذ أكثر من عام ونصف في العراق وسوريا، تطرح وسائل الإعلام قصصاً توصف بالمتناقضة بين مدافع عن التنظيم معتبراً أنه منقذ للمناطق المسيطر عليها، وقد جعل منها مناطق حرة ويعيش أهلها في أمان واستقرار ورغد العيش، وبين من يختلق القصص حول وحشية التعامل والممنوعات التي وصلت الأمور إلى بعض الجهات الإعلامية بالقول إن كل شي ممنوع كما حدث في رمضان الماضي، حول خبر منع “الدولة” لصلاة التراويح، الذي تبين كذبه في أول أيام رمضان.
وبين هذا وذاك، تصبح الحقيقة ضائعة صعبة المنال، ما يستدعي وضع النقاط على الحروف بتحقيق مصغر حول أبرز الممنوعات التي أصدرها التنظيم بحق المدنين القابعين تحت سيطرته.
أولاً: منع الخروج من المدن التي تقع تحت سيطرته.
قرار منع الخروج من المدن الخاضعة لسيطرة التنظيم، بدا الأكثر صعوبة على الناس، حيث يمنع ديوان الأمن في التنظيم خروج أي مواطن من المدن دون كتاب موقع من الجهة الأمنية وبشروط أبرزها جلب كفيل يضمن عودة الراغب بالخروج من المدينة، ويتم محاسبة الكفيل إذا لم يقم المكفول بالرجوع في الوقت المحدد بعقوبات تصل إلى القتل.
كما يضع التنظيم شرطاً ثانياً في حال عدم وجود الكفيل، وهو رهن المنزل الذي يسكنه من يرغب بالخروج، أو سيارة ثمينة، أو مبلغ مالي لا يقل عن 10 آلاف دولار، ليسمح له بالخروج وتعاد له عند العودة، ويشترط تقديم عذر قوي إضافة للكفيل (الشخص) أو المال، مثل تقرير طبي لغرض العلاج أو معاملة حكومية لغرض التقاعد. وقد جعل هذا التشديد أهالي المدن بمثابة أسرى في سجون كبيرة لدى التنظيم.
ويرى مراقبون أن التنظيم يمنع خروج الأهالي لسببين أساسيين، أولها لاعتبارهم دروعاً بشرية ضد أي تحركات قتالية ضده، والثاني هو أن الكتلة البشرية الداخلية هي “سوق اقتصادي له” ويد عاملة بإمكانه إخراج مقاتلين منه في المستقبل.
ثانياً: منع عمل شركات الهواتف المحمولة والاتصالات.
بعد سيطرة التنظيم على مدن كبيرة في العراق وسوريا، عمل على عزل تلك المدن عن العالم الخارجي، فتم إيقاف أبراج شركات نقل خدمات الاتصالات التي تقع تحت حكم التنظيم بعد أشهر من سيطرته على تلك المدن، محدثاً حالة من الرعب خاصة في مدن كبيرة مثل الموصل والفلوجة وتكريت (قبل أن يستعيد الجيش العراقي مدينة تكريت)، ويعد هذا المنع بسبب رصد تحركات عناصر التنظيم وعمليات اغتيال لعناصره داخل المدن، ما جعل التنظيم يقدم على هذه الخطوة.
ثالثاً: منع تجارة الكحول والسجائر والأراكيل.
ديوان الحسبة، منع محال بيع الكحول كافة وكذلك محلات بيع السجائر والمقاهي التي تقدم (الأراجيل)، وتمت مصادرة تلك المواد وإتلافها، وتعتبر تجارة السجائر في الوقت الحالي تجارة خطرة ورائجة في ظل التضييق الحاصل، إذ تصل عقوبة المتاجرة؛ من القتل والاستيلاء على السجائر أو الأراكيل إلى كسر الأصابع.
رابعاً: منع خروج النساء دون تغطية جميع الجسد بما في ذلك العيون وبلباس أسود فقط.
تعد المرأة تحت حكم التنظيم؛ الأكثر تعرضاً للتضيق، فقد فرض التنظيم زياً يتمثل بالغطاء الأسود الذي يغطي الجسد بشكل كامل من الرأس إلى القدم، ولا يظهر حتى العيون، وتتعرض النساء المخالفات لعقوبات على يد نساء يسمون بـ (العضاضات)؛ وهم نساء من التنظيم يقومون بمعاقبة المخالفات (بعَض) أجسادهم بآلات حديدية وتعزير الزوج بالجلد أو الحبس؛ لعدم منعه زوجته من الالتزام بقرارات التنظيم، كما يفرض التنظيم هذه الملابس حتى على الطبيبات في المستشفيات، ما يجعل ممارستهن لعملهن الطبي شبه مستحيل وصعب جداً.
خامساً: منع حلق اللحية للرجال، ومنع ارتداء الجينز وحلق الشعر بطرق حديثة.
حلق اللحية وتخفيفها يجعلك هدف لرجال الحسبة في المناطق التي تخضع تحت حكم التنظيم، عقوبتها تلقي توبيخ علني على أقل تقدير، وقد تصل بك الأمور للجلد والغرامة المالية والحبس، فيما تعتبر القصات الحديثة للشعر والملابس الجينز، من الأمور التي تجعلك هدفاً لرجال الحسبة.
سادساً: منع التسميات للمحال والعلامات التجارية الأجنبية أو التي تحتوي على أسماء نساء.
أصدر ديوان الحسبة في التنظيم، بياناً يمنع التسميات التي يعتبرها محرمة للمحال والمرافق التجارية في المدن التي يسيطر عليها، حيث أقدم على إلزام أصحاب تلك المحال بتغيير عناوينها كما حدث مع مطعم “سيدتي الجملية” أحد أشهر مطاعم مدينة الموصل العراقية؛ ليصبح مطعم “الإخلاص”، كما قام بتغير اسم فندق “نينوى أوبروي” في الموصل إلى فندق “الوارثين”، وشمل ذلك أسماء المناطق والشوارع لتكون بمسميات يختارها التنظيم ويرتضيها.
سابعاً: منع استيراد البضائع الإيرانية.
كان البيان الذي صدر من التنظيم متوقعاً في ظل العداء المعلن الذي يتبناه التنظيم في خطابه ضد طهران، حيث أقدم ديوان الحسبة بتوزيع البيان الذي يمنع منعاً قاطعاً استيراد البضائع الإيرانية بأنواعها كافة، وأقدم التنظيم على مصادرة عدد كبير من البضائع ولم يعرف إذا كان قد أتلفها أو قام بإعادة تدويرها في الأسواق.
ثامناً: منع استيراد اللحوم والدجاج.
يعتبر قرار منع استيراد اللحوم وخاصة الدجاج، أحد أكثر القرارات الاقتصادية تأثيراً على المواطنين، حيث قفزت أسعارها إلى ما يقارب الضعف، بعد منع التنظيم استيراد الدجاج واللحوم بحجة أنها لم تذبح بمذابح “الدولة الإسلامية”، ما يعني لدى التنظيم ورود حرمة الذبح الذي دفع التنظيم لمنعها بالكامل.
تاسعاً: منع العمل أو تشغيل الأسواق خلال فترة الصلاة.
تقفل المحلات والأسواق التجارية أبوابها قبل الصلاة وبعد الصلاة خشية تعرضهم للملاحقة والإغلاق من قبل رجال ديوان الحسبة، الذين يعاقبون من يجدون محله التجاري مفتوحاً بغلقه لمدة تصل إلى 3 أشهر.
عاشراً: منع الدوام في كليات الحقوق والفنون الجميلة والإعلام والعلوم السياسية.
أصدر ما يعرف بـ (ذي القرنين)، المسؤول عن ديوان التعليم في التنظيم، بياناً يلغي فيه كليات الحقوق والفنون الجميلة والعلوم السياسية والإعلام، باعتباها كليات “ترسخ مفاهيم كفرية” لا يرتضيها التنظيم.
الأمر دفع بطلاب تلك الكليات للهروب خارج المدن التي تقع تحت سيطرة التنظيم لإكمال دراستهم أو البقاء دون دراسة تحت حكم التنظيم، وهو ما أثار حفيظة عدد كبير من المتابعين للشأن التعليمي للمناطق القابعة تحت حكم التنظيم.
الحادي عشر: منع عقد الزواج خارج محكمة “الدولة” الشرعية
يمنع التنظيم أي حالة عقد قران شرعي بمأذون إذا لم تكن تحت سلطته وفي محكمته الشرعية، ويتم معاقبة أي من يقوم بذلك العقد بالسجن أو الجلد.
الثاني عشر: منع التصوير أو استخدام معدات التصوير أو حتى الهواتف الذكية.
التصوير خط أحمر في أراضي الخلافة، قد يودي بحياة صاحبه، حيث قتل التنظيم عدداً كبيراً من الصحفيين والمراسلين خاصة في مدينة الموصل، فاستخدام آلة تصوير بشكل علني في شوارع المدن التي يسيطر عليها التنظيم ضرب من الخيال، باستثناء الفريق الإعلامي للتنظيم، والأمر يشمل حتى عناصر التنظيم أنفسهم.
حيث يمنعون من التصريح الإعلامي أو التعليق بأسمائهم على مواقع التواصل أو التصوير في مقراتهم، أو استخدام خدمة الجي بي إس حسب بيان للهيئة العليا للتنظيم.
الثالث عشر: منع بيع وتشغيل كاميرات المراقبة.
أقدم التنظيم في الأشهر الأخيرة على مصادرة كامرات المراقبة التي تباع في الأسواق، ومنع استيرادها واستخدامها، ويرى مراقبون أمنيون أنها خطوة لمنع أي عمليات رصد لهم خلال حركتهم في الأسواق وداخل المناطق.
الرابع عشر: منع أجهزة استقبال القنوات “الستلايت”
ختم التنظيم عام 2015 بمنع بيع واستيراد وتصليح واستخدام أجهزة الاستقبال الفضائي الستلايت في مطلع الشهر الحالي، من خلال بيان تم توزيعه في الأسواق التجارية، ويستخدم التنظيم قناته الخاصة التي تبث عبر منظومة أرضية باسم “قناة الخلافة” يبث من مدينة الموصل، إضافة لـ “إذاعة البيان” والتي ستكون المصدر الرئيس للأخبار والمتابعات للمواطنين القابعين تحت سيطرة التنظيم.
الخامس عشر: منع عدد مقاهي وشركات توريد خدمة الإنترنت.
ما يزال الإنترنت هو المتنفس الوحيد وصلة التواصل بين الناس تحت حكم “الدولة” والعالم الخارجي، رغم مجموعة التضييقات والمنع لعدد من مقاهي الإنترنت ومجهزي الخدمة، وطلب وثائق ومعلومات كاملة لكل مشترك في الإنترنت من قبل الجهات الأمنية للتنظيم، ورغم العدد الكبير من الإشاعات بوقف الخدمة، إلا أنها ما تزال مستمرة بالقيود الشديدة والأسعار المرتفعة نسبياً، مع حالة الفقر العام التي تعيشه مناطق تحت سيطرة التنظيم.
الممنوعات الخمسة عشر هي الأبرز التي فرضها التنظيم على المواطنين تحت سيطرته، وتوجد العديد من الممنوعات الهامشية التي لا تؤثر بشكل مباشر في حياة عامة الناس، ولا يوجد قانون واضح يعاقب من يخرق تلك الممنوعات لدى التنظيم؛ وإنما يترك للاجتهاد الشخصي لعناصر التنظيم.
حيث تتراوح العقوبات بين التعزير الشفهي والغرامات المالية والجلد، لتصل للسجن وقطع الأطراف والإخفاء القسري والإعدام، في ظل دولة لا يمكن وصفها بأقل من “جمهورية الخوف”.
نُشر هذا المقال لأول مرة في موقع الخليج اونلاين