شهد حزب المؤتمر الشعبي العام خلال الربع قرن الفائت عمليات انشقاق متعددة وضربات موجعة غير أنه ظل متماسكًا ومحافظًا على حضوره وتأثيره بسبب وجود صالح على رأس الحزب.
في عام 1999 بعد إعلان الوحدة وظهور الحزب الاشتراكي في الشمال بقوة وفعالية وصلت إلى مناطق شمال الشمال القبلي، تلقى المؤتمر ضربة مؤلمة برحيل شرائح مهمة إلى الحزب الاشتراكي كوافد جديد وشريك في دولة الوحدة آنذاك له نصف امتيازات حزب صالح.
واستمر نزيف قواعد وقيادات المؤتمر نحو الحزب الاشتراكي حتى انتخابات 1993 حين لجأ المؤتمر إلى اتفاق غير معلن مع حركة الإخوان المسلمين لدخول الانتخابات بتنسيق مسبق في عدد كبير من الدوائر الانتخابية وذلك لمنع الحزب الاشتراكي من الحصول على نسبة مقاعد مهمة في مناطق الشمال وتحديدًا تعز والحديدة وعمران وأيضًا الحصول على نسبة مقاعد للمؤتمر والإصلاح في الجنوب معقل الحزب الاشتراكي وموطنة الأساسي.
وانتهت الانتخابات بحصول صالح وحزبه وحليفه الإصلاح على ما يريدون وبذلك نجح صالح في فرملة تقدم الحزب الاشتراكي سياسيًا في الشمال بعد أن نجح جماهيريًا وأصبح الحزب الثالث بعد المؤتمر والإصلاح.
وبعد انتخابات 93 جاءت حرب 94 وانتصر تحالف صالح والإخوان المسلمين وتقاسم تركة الحزب في الجنوب في أكبر عملية تسريح وإحلال ومصادرة عرفها تاريخ اليمن الحديث، بعدها سعى المؤتمر إلى استقطاب قيادات وكوادر الحزب الاشتراكي وفتح هيئات الحزب التنظيمية والمؤسسات الحكومية لهذه القيادات ترغيبًا لها في الانضمام لحزب السلطة.
وحين اطمئن صالح إلى وضع حزبه وزوال خطر الحزب الاشتراكي أنهى علاقة التحالف والشراكة في السلطة مع حزب الإصلاح خلال عامي 96 و97 وفتح أيضا أبواب الحزب والحكومة لقيادات وكوادر الإصلاح ليكون المؤتمر حزب السلطة أقوى تيار سياسي في البلاد حتى 2011.
وفي مستهل ثورات الربيع العربي وبعد سقوط محمد حسني مبارك تحرك الحزب الاشتراكي ومعه التنظيم الناصري في محافظة تعز لإشعال فتيل ثورة اليمن الشبابية السلمية لإسقاط نظام علي عبد الله صالح وذلك ليلة سقوط مبارك بل وبعد أقل من 3 ساعات من رحيل مبارك.
وبعد أيام انضم حزب الإصلاح إلى الثورة وشكل حضوره رافدًا مهمًا للميادين الهادرة في مختلف المحافظات كونه حزب يملك قدرات مالية وجماهيرية وتنظيمية كبيرة شكلت فارقًا مهمًا في مسار ثورة شباب اليمن ضد نظام صالح.
واستمرت التظاهرات والغليان الشعبي حتى شهر مارس أي بعد أقل من شهرين على انطلاق الثورة ليعلن بعد ذلك اللواء علي محسن الأحمر الرجل القوي في نظام صالح انضمامه لثورة الشباب السلمية ويعلن معه تيار عريض من الساسة والمسؤلين والدبلوماسيين والشخصيات الاجتماعية الفاعلة الانضمام للثورة في أكبر عملية انشقاق يشهدها حزب المؤتمر الشعبي العام.
وقد خدمت المتغيرات حينذاك نظام صالح وحزبه وبقي محافظًا على تماسكه وأعاد صالح بناء الحزب تنظيميًا مستغلاً الدعم الخليجي وتحديدًا السعودي والإماراتي له ولحزبه رغم قوة الضربة وفداحة الألم الذي شعر به صالح وحزبه.
وبعد توقيع صالح والمشترك على المبادرة الخليجية وصعود عبد ربه منصور للحكم رئيسًا توافقيًا في عملية انتخاب أشبه بالتزكية من قِبل كل الأطراف، عاد صالح للعمل في الحزب كرئيس للمؤتمر وبقى هادي أمينًا عامًا غير أن شهر العسل لم يدم طويلاً وبدأ خلاف صالح وهادي يتصاعد من دوائر الحزب قبل مؤسسات الجيش والحكومة ووصل الأمر إلى تجميد هادي كل أموال المؤتمر ومصادرة نصف مليار دولار كانت في البنك المركزي اليمني باسم المؤتمر وهي مقدمة من العقيد معمر القذافي والملك عبدالله بن عبد العزيز.
وبدأ بعد ذلك الرئيس هادي في عملية شق جديدة للمؤتمر الشعبي العام اتخذت طابعًا مناطقيًا في بدايتها من عدن بقيادة بن حبتور والميسري غير أنها ومع تطورات الحرب والصراع وصلت إلى عقر دار الحزب وصالح وتمثل ذلك برحيل 3 من أهم قادة حزب صالح ومساعديه وهم البركاني والعليمي وبن دغر والذين مثلوا عملية انشقاق موجعة أيضًا حيث يعد الثلاثة من أكثر المقربين من صالح.
ومثل دخول الرياض كقائد للتحالف المساند لشرعية الرئيس هادي دفعة مهمة لجلب أهم قيادات المؤتمر وأقرب مساعدي صالح إلى صف الرئيس هادي وهذا ما دفع صالح لارتكاب خطأ إستراتيجي بتوطيد تحالفه مع المليشيات الانقلابية الحوثية والدفع بقوته العسكرية والقبلية والسياسية والمالية في صف هذا التحالف ويكون المؤتمر الشعبي العام كحزب هو الخاسر الأكبر في هذه الحرب بعد كل الضربات التي تلقاها خلال أقل من 4 أعوام.
وبعيدًا عن تفكك المؤتمر تنظيميًا في الجنوب ومأرب والجوف وصعدة ومناطق أخرى، فقد مثل تحالف صالح مع الحركة الحوثية وقتال الطرفان في خندق واحد والتماهي بين مكونات الجانبين حد الالتحام انهيارًا جديدًا لحزب المؤتمر وليس انشقاقا كون حزب صالح الذي ظل خصمًا لحركة الحوثي التي تنازعه السلطة في الشمال القبلي بدأ يذوب في الخطاب الحوثي والنزعة الطائفية والتوجه الديني للحركة الحوثية نظرًا لرابط المذهب الذي يجمع هذا المحيط.
وبذلك يكون صالح خسر كل محاولاته لتسوير حزبة بالمفاهيم السياسية والليبرالية وإبعاده عن الخطاب الديني بل أن تغنيه بالوسطية والاعتدال هو وحزبه انتهت في وليمة الذئاب القادمة من عمق التاريخ والجغرافيا في شمال الشمال الزيدي الذي لبس ثوبًا جديدًا مطرزًا بملازم المجدد حسين الحوثي.
تحول المؤتمر إلى تيار قبلي وطائفي يقاتل في صف المليشيا في الشمال القبلي، وتحول إلى قوة مغيبة ومنبوذة في تعز وإب والحديدة، وتحول إلى طرف يصارع إلى صف الرئيس هادي والشرعية المدعومة إقليميًا ودوليًا في الجنوب، وبذلك لم يتبق من المؤتمر سوى مجموعة قيادات اختارها صالح بعناية لتمثل جغرافيا البلاد لإثبات حضور الحزب كواجهة وطنية.
ومن يراجع قائمة فريق المؤتمر في حوار جنيف 2 سيدرك هذا الأمر؛ حيث شكل حضور قيادات ذات حضور تنظيمي متواضع ومعدوم مؤشرًا على واقع الحزب الجديد في ظل المتغيرات الراهنة.
وضع عارف الزوكا وفائقة السيد وبعض القيادات الجنوبية في واجهة المؤتمر لا يعني شيئًا مادام المؤتمر كحزب يقاتل في مترس الحوثي وتحت قيادة قبلية ودينية لا تعترف إلا بأحقية الولاية والاصطفاء الإلهي وتميز السلالة.
المؤتمر الشعبي العام سيخرج هو الخاسر الأكبر بين كل التيارات وهو من دفع وسيدفع الفاتورة الأشد خسارة في صراع اليوم الذي سيفرز واقعًا جديدًا يعد حزب السلطة والقوة والنفوذ أضعف تياراته.