ثعلب الصحراء
لفت الأنظار إليه منذ أولى مباريات الموسم الحالي بتسجيله هدفين قاد بهما فريقه للفوز على سندرلاند، ثم أضاف هدفين آخرين تصدر بهما ترتيب هدافي الدوري الانكليزي في ختام المرحلة الثالثة، الجميع حسب تألقه مطلع الموسم حالةً عابرةً وضربة حظ سرعان ما يطويها النسيان بانقضاء المراحل، ولكن ما حصل هو العكس، إذ ازداد توهجه على مر الأسابيع، وأذهل المراقبين بقيادته فريقه المتواضع “ليستر سيتي” إلى تصدر ترتيب البريمير ليغ، عبر مواهبه الكبيرة التي أفصح عنها إضافةً للتهديف، كإتقانه تنفيذ الضربات الثابتة، ووعيه التكتيكي الواضح، وذكائه العالي ورؤيته الثاقبة للملعب، فضلًا عن تمريراته الحاسمة التي ساعدت زميله جيمي فاردي على تبوء صدارة الهدافين.
إنه نجمنا العربي الجزائري رياض محرز الملقب بـ “ثعلب الصحراء”، والذي أصبح حديث الصحف والمجلات والمراقبين في إنجلترا وأوروبا حاليًا، بتصدره تقييمات أفضل لاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز في الموسم الحالي، مما وضعه في مصاف أبرز النجوم الصاعدين، الذين يتوقع لهم مستقبلًا مبهرًا مع أفضل الأندية الأوروبية في أقرب الآجال.
الطفولة والنشوء
ولد “رياض أحمد محرز” يوم 21 فبراير 1991، في حي سارسيل المتواضع الذي يقبع في إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس، لأب جزائري وأم مغربية، وكان أبوه أحمد العاشق للكرة، أول من اكتشف موهبته وآمن بها، فدرب طفله الأعسر على مداعبة الكرة صغيرًا، قبل أن يزج به في نادي حيه سارسيل ليتلقن مبادئ اللعبة ضمن فرق أشباله، وكان الأب من أصحاب التمسك بالوطن والجذور، فحرص على اصطحاب ابنه وعائلته باستمرار لزيارة مدينة تلمسان الجزائرية حيث مسقط رأسه، مما ولد حس الانتماء لدى الفتى الجزائري الموهوب، الذي لم يتردد لاحقًا في تفضيل اللعب لمنتخب بلده الأصل على حساب منتخب بلد الولادة.
وحمل عام 2006 حدثًا حزينًا لرياض، تمثل بوفاة والده إثر أزمة قلبية مباغتة، ليفتقد ابن الـ 15 عامًا معلمه وناصحه وأكثر الأشخاص قربًا منه، دون أن يؤثر ذلك على طموحه في متابعة ما بدأ به مع أبيه، فكان أن وقع على أول عقوده الاحترافية مع ناد فرنسي مغمور يدعى كويمبر، ليلعب له منذ مطلع موسم 2009-2010 ضمن الدرجة الرابعة الفرنسية، وينجح في لفت الأنظار إليه من خلال اشتراكه في 27 مباراة، وتسجيله هدفًا خلالها إضافةً إلى صناعة العديد منها، مما أغرى مسؤولي نادي لوهافر العريق لاستقطابه إلى فريقهم.
مسيرته مع لوهافر
محرز بقميص لوهافر الفرنسي
بدأ محرز مسيرته مع لوهافر في صفوف فريق شباب النادي اعتبارًا من يوليو 2010، فخاض معهم 32 مباراة خلال موسمه الأول سجل خلالها 13 هدفًا، و25 مباراة خلال موسمه الثاني مسجلًا 11 هدفًا، وهو معدل تهديفي ملفت لشاب لم يكمل عامه الـ 20 ويلعب في خط الوسط، أهله لخوض بعض المباريات مع فريق لوهافر الأول الذي كان ينشط في دوري الدرجة الثانية، فخاض 9 مباريات موسم 2011-2012، قبل أن يصبح أساسيًا في الموسم التالي، فيخوض 39 مباراة مع الفريق الأول ويسجل خلالها 5 أهداف، ويتابع تألقه في الموسم التالي فيسجل 5 أهداف أخرى ولكن خلال 19 مباراة خاضها ضمن مرحلة الذهاب فقط، قبل أن يتلقى عرضًا للانضمام إلى فريق ليستر سيتي الإنجليزي الناشط في دوري الدرجة الأولى الإنجليزي الشامبيون شيب، ليوقع معه عقدًا لمدة 3 سنوات ونصف مقابل أقل من مليون يورو، مفضلًا إياه على عدد من العروض الأخرى من أندية فرنسية وإسبانية.
بداية النجوميّة مع ليستر سيتي
محرز محتفلاً مع فريقه ليستر سيتي ببطولة دوري الدرجة الأولى الإنجليزي
لم يكن اختيار محرز لليستر سيتي مفهومًا لدى الكثيرين، فالكرة الإنجليزية بسرعة إيقاعها واعتمادها على الناحية البدنية تبدو غير جذابة للاعب يعتمد على مهاراته وذكائه الكروي، في ظل ضعف بنيته الجسمية الواضح، ولكن الإرادة تصنع المعجزات، وهذا ما كان، حيث بدأ ثعلب الصحراء مسيرته مع فريقه يوم 25 يناير عام 2014، عندما حل بديلًا للاعب لوي داير في الدقيقة 79 من المباراة أمام ميدلسبرة المنافس على الصعود إلى البريمير ليغ، ولم يتأخر أول أهدافه حيث نجح في معانقة شباك نوتنغهام فورست في ظهوره الرابع مع فريقه، الذي أعلن مدربه نيجل بيرسون أنه كسب لاعبًا ممتازًا بسعر زهيد، ليمنحه مكانًا أساسيا منذ مطلع فبراير وحتى آخر الموسم، الذي أنهاه رياض وفي رصيده 3 أهداف سجلها في 19 مباراة، ساعد بها فريقه على الفوز ببطولة دوري الدرجة الأولى الشامبيون شيب لموسم 2013-2014، والصعود إلى الدوري الإنجليزي الممتاز للمرة الأولى منذ 10 أعوام.
في جنة البريمير ليغ
محرز متصدرًا التقييمات الخاصة بأفضل لاعبي الدوري الإنجليزي للموسم الحالي
في جنة البريمير ليغ تابع النجم الجزائري صعوده، فلعب أولى مبارياته في 16 أغسطس 2014، وسجل أول أهدافه في 4 أكتوبر من نفس العام وكان أمام بيرنلي، وتابع مشواره مع فريقه الذي استطاع التشبث بجنة البريمير ليغ الموسم الماضي، فكان أساسيًا ضمن التشكيلة التي صنعت المعجزة بفوزها في 7 من مبارياتها الـ 9 الأخيرة، لتجنب ناديها الهبوط، وينهي رياض موسمه الأول في البريمير ليغ وفي رصيده 4 أهداف و3 تمريرات حاسمة، سجلها خلال 30 مباراة لعبها مع فريقه، الذي أنهى الموسم في المركز الـ 14 برصيد 41 نقطة.
وكافأ النادي نجمه بتجديد عقده حتى عام 2019 براتب وشروط أفضل، فرد رياض الدين لناديه بتألقه اللافت منذ مطلع الموسم الحالي، الذي انفجرت فيه مواهبه بشكل منقطع النظير، تحت إدارة المدرب الجديد الإيطالي كلاوديو رانييري، الذي أعاد اكتشافه بإعطائه حريةً أكبر بعد أن كان جناحًا تقليديًا، ليلعب كمهاجم متأخر ويشكل ثنائيًا هجوميًا رهيبًا مع جيمي فاردي، استطاعا تسجيل 28 هدفًا ساعدت ليستر سيتي على تصدر ترتيب البريمير ليغ -بالشراكة مع أرسنال – مع نهاية مرحلة الذهاب، التي مازال نجمنا العربي رياض محرز يتصدر جداول التقييمات الخاصة بأفضل اللاعبين خلالها، بتسجيله 13 هدفًا وتقديمه 7 تمريرات حاسمة.
المسيرة الدولية
محرز بقميص المنتخب الجزائري
إبان تألقه مع ليستر سيتي في موسمه الأول، لم يتردد الناخب الوطني البوسني وحيد هاليلوفيتش، في استدعائه لتمثيل منتخب محاربي الصحراء، في المباراة الودية التي خاضها أمام أرمينيا في مايو 2014 استعدادًا لكأس العالم، والتي أعلن فيها عن نفسه كنجم قادم لمنتخب الأفناك من خلال أدائه الرائع، الذي أجبر المدرب على اصطحابه إلى مونديال البرازيل، الذي وإن لم يكن ضمن التشكيلة الأساسية فيه، إلا أنه كان شاهدًا على تألق رفاقه وصمودهم أمام المانشافت في ملحمة دور الـ 16 الشهيرة.
ليحين دوره الحقيقي مع المنتخب بعيد المونديال، حيث سجل أول أهدافه الدولية في 15 أكتوبر 2014، وكان أمام مالاوي ضمن تصفيات كأس أمم أفريقيا 2015، التي خاض نهائياتها أساسيًا، وسجل هدفًا أمام السنغال ساعد به منتخبه على تجاوز الدور الأول، قبل أن يخسروا أمام ساحل العاج في ربع النهائي.
وحافظ رياض على مكانته الأساسية في منتخب الخضر، فكان شريكًا في الفوز الكبير الذي حققوه على تنزانيا بسباعية، مكنتهم من ضمان الصعود إلى دور المجموعات الحاسم من تصفيات مونديال روسيا 2018، الذي تأمل الجماهير العربية والجزائرية بتكرار نجاحات محاربي الصحراء خلاله، بقيادة نجومه الممتازين: إبراهيمي، فيغولي، سليماني، ورياض محرز، الذي خطا بتألقه الحالي مع ليستر خطوته الأولى باتجاه التحول إلى نجم عالمي كبير، بانتظار متابعة خطاه عبر بوابات الأندية الأوروبية الكبرى، كريال مدريد، تشيلسي، أرسنال، ومانشستر يونايتد، وكلها أندية أبدت رغبتها بشدة في الفوز بتوقيع نجمنا الجزائري المتألق.