قد يبدو الحديث عن التسويق وربطه بالقيم والأفكار حديثًا ليس مألوفًا، فقد تعودنا على ربط مفهوم التسويق بالمنتجات المختلفة من سلع وخدمات يحتاجها المستهلك أو الزبون، وتنتجها شركات ومعامل وورش وذلك حسب متطلبات الزبون وظروفه وقدراته المختلفة الشرائية والعقلية والعاطفية، وتلتقي حاجة المستهلك مع منافع المنتجات في السوق حيث يتم التبادل وكثيرًا ما يمارس المنتجون فنون التسويق المختلفة لإشباع حاجات المستهلكين، وما الأفكار والقيم إلا منتجات لها من يصنعها وينتجها وبالتالي يسوقها لتحقيق هدف إشباع حاجة موجودة أو حاجة مصنوعة.
وكما يكون للمنتج من مواصفات ومزايا وبريق وشعاع جاذب للمستهلك ومثير لشهيته للشراء، كذلك هي الأفكار والقيم وتمثل أهم المنتجات في حياة الأفراد والأمم، يتم تسويقها بالتشويق وإثارة الدوافع الإيجابية حينًا والسلبية في أكثر الأحيان.
وإذا كان حجم الإنفاق والاستثمار في السلع والخدمات يقدر ببلايين الدولارات فهو يفوق ذلك بكثير في مجال تصنيع الأفكار وتصميم القيم أو تشويها وتسويقها للسوق العريضة من الجمهور.
والفكرة تنتشر بفضل الدفع بها من منتجيها بسرعة فائقة وكذلك القيمة المصنعة أو المعاد إنتاجها في مخابر السياسيين والأحزاب وقوى الضغط الفاعلة في المجتمع.
ومما ساعد على ذلك وجود عدد من العوامل وأبرزها:
– الانطلاق من وجود حاجة في السوق السياسي أو الاجتماعي لهذا النمط من الأفكار أو لتبني هذا النوع من القيم قيد التوجيه، كالحاجة لتفسير ظاهرة العنف والتطرف أو حالة الإرهاب المتنامي والمتحول على سبيل المثال لا الحصر.
– توافر الأدوات المساعدة وبشدة على ترويح هذه القيم والأفكار عبر منصات الإعلام المختلفة وأهمها اليوم مواقع التواصل الاجتماعي عبر الشبكة العالمية وما وفرته من فرص كالنشر والإعلانات والفيديوهات والتسويق الفيروسي وإثارة الحماس والتشويق بقصد التسويق.
– نقص المناعة والعوز الفكري والقيمي لدى الجمهور العريض ولاسيما الجمهور العربي الذي أنهكته حكومات مستبدة عبر العديد من الأجيال والسنوات وأورثته الفقر بكل جوانبه.
– عدم توافر كثير من البدائل المطروحة أو بمعنى آخر ضعف المنافسة في توفير الفكرة الإيجابية أو الوجه الصحيح للفكرة والقيمة.
وهذا ما يحصل اليوم في سياق تطور الأحداث في سورية أو يمكننا اليوم القول ما يحدث حول سوريا.
وكيف تلونت وتبدلت القيم والمفاهيم في كل مرحلة من مراحل المواجهة وذلك بفعل التسويق السياسي للقيم والأفكار والذي أنجبته علاقة التلاقح المصلحي بين مختلف الدول الإقليمية والقطبية، وتبنت عملية إنجاز هذا التسويق مراكز المخابرات العالمية ذات الصلة ومافيا الإعلام الدولي وبتمويل من الأنظمة المستبدة والضالعة في تشويه مواطنيها وأوطانها حد الإجرام.
والمنتج الرائج اليوم هو الفزاعة ذات اللحية الطويلة والثوب القصير والإمكانات الخارقة والخرافية والتي تتكاثر بالتناسل الفكري وتبيض متفجرات وتلد سيوفًا وسلاسل حديدية وترتدي قبعة الإخفاء، فتدخل باريس وتضرب بواشنطن وتقطع أعناق البطاريق على شواطئ الأطلسي والهادي ولكنها تجهل طريق القدس ولم تسمع بإسرائيل مطلقًا، وتخشى جليد موسكو وتربطها بإيران علاقة غامضة كما علاقات الغرام الشاذة.
ونتيجة ضعف المنافسة وعدم وجود نقل حقيقي وبلا مؤثرات صوتية ولونية لما جرى ويجري على تراب سوريا الصامت الصامد، ولطالما أن اللون الأحمر (لون الدم) يغدو بالمؤثرات لون أحمر الشفاه لشواذ الآفاق وشواذ السياسة، ولطالما أن حكام الغرب يصممون الأفكار والقيم ويرهبون الرأي العام لدى شعوبهم لاستصدار مواقفهم المؤيدة لقرارات محافلهم المقيدة بثارات واعتقادات ومصالح أقل ما يمكن وصفها بأنها إسرائيليات؛ فعلى منظماتنا وما يمثلنا ألف سلام.
لم تعد اليوم – على مساحة منصات الإعلام الواسعة – تظهر أي دلالة لحراك ثوري حقيقي ومطالبة عادلة ومواجهة مدنية للظلم، لا راية ولا شعار ولا أهزوجة، فقط العمائم السوداء وثارات الحقد وسيمفونية الجحيم بعنوان “داعش يهدد العالم فلتؤجل الحياة بعض الوقت أيها الشعب السوري” حتى تهدئ من روعها شعوب تستحق الرفاهية والحياة على امتداد أوروبا وحتى يتمكن الحالم الموتور بوتين من استعراض عضلاته الحديدية وحتى تتمكن رموز المد الفارسي من نشر كامل عورتها على مساحة كرامة المتخاذلين.
هذا لم يحدث مصادفة ولا بصورة عبثية إنما هو بفعل تقنيات تسويق القيم والأفكار، فما علينا سوى استعادة الثقة بحقيقتنا وبشخصيتنا وبهويتنا والمواجهة بالتسويق الصحيح والحقيقي لوجودنا وحياتنا وإنسانيتنا التي كاملت في الماضي الإنسانية جميعها ولا تكتمل دائرة الضوء إلا بهوية الشرق بجميع مكوناته المتصلة والمرتبطة لا المنفصلة والمرتبكة.