يُطل علينا العميد حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني ليعلن بكل صراحة أن المشروع الإيراني بدأ يتحقق في المنطقة، فقد وقف الرجل ليخطب في جمع من الإيرانيين مؤكدًا لهم أن ما وصفهم بـ”أبناء الثورة الإسلامية” باتوا موجودين في شرق البحر المتوسط، ويواجهون من وصفهم في حديثه بأعداء الإسلام من “التكفيريين والإرهابيين”.
كما رأى نائب قائد الحرس الثوري الإيراني إن إيران قد نجحت في التمدد بمنطقة شرق المتوسط، من خلال حلفائها من الفصائل والمليشيات الشيعية التي تُقاتل في سوريا ولبنان واليمن الذين باتوا لاعبين رئيسيين بالمنطقة، مشبهًا إياهم بقوات “الباسيج” الإيرانية.
“اليوم إيران أكبر وأوسع مما تحدده الخرائط الجغرافية”، هذا ما استمر في التصريح به العميد حسين سلامي، وهو ما يعكس رؤية الإيرانيين لأنفسهم، ومن خلال التطور الحادث في هذه التصريحات التي تؤكد أن حالة الإنكار التي كانت تعتري إيران حينما يُذكر تدخلها في شؤون دول المنطقة عبر وكلائها قد اختفت، وحل محلها الاعتراف الواضح الصريح بأنه لا حدود للمشروع الإيراني في المنطقة.
هذه التصريحات ذكرت بالتحديد المليشيات المقاتلة بجوار الرئيس السوري ونظامه وهي مجموعات شيعية من عدة دول مختلفة استقبلتها إيران في سوريا لقتال المعارضة السورية المسلحة بعد اندلاع الثورة السورية، كما استشهد سلامي بجماعة “أنصار الله” الحوثي في اليمن التي تقاتل القوات الموالية للتحالف العربي بقيادة السعودية على الأراضي اليمنية، بالإضافة إلى حزب الله اللبناني صاحب النفوذ الواسع في السياسة اللبنانية.
بهذا كشفت إيران الستار عن أبرز مشاريعها التمددية الناجحة في الشرق الأوسط التي تبنتها طوال الفترة الماضية، لتعلن نجاحها اليوم في أن تصبح هذه الأذرع لاعبًا أساسيًا في الصراع الإقليمي الدائر داخل أبرز نقاطه اشتعالًا، وبحيث أصبح استحالة التوصل لإنهاء أي نزاعات بدونها.
هذه ليست التصريحات الأولى التي تحمل نفس هذا الطابع الدعائي للمشروع الإيراني في المنطقة، فقد أطلقها قبل ذلك نفس الشخص “العميد حسين سلامي” في ديسمبر من عام 2014، متحدثًا عن تغير موازين القوى الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، الذي أكد أنه يصب مباشرة في مصلحة “الثورة الإسلامية”، من خلال وجود جيوش شعبية مرتبطة بإيران في كل من العراق وسوريا واليمن، وقد وصفها حينها بأن حجمها أضعاف حجم حزب الله في لبنان.
إيران تُصعد الآن من لهجتها في المنطقة بعدما تخلصت جزئيًا من عبء برنامجها النووي من خلال الاتفاق النووي التاريخي الذي عقدته مع الغرب مؤخرًا، لتنطلق في مشروعها الإقليمي دون رادع بعدما أعلن الغريم الأمريكي صمته عن الممارسات الإيرانية بالمنطقة، فيما يبدو كأحد أجزاء الصفقة.
فمع التصعيد العسكري السعودي بالمنطقة من خلال عقد تحالفات عسكرية عربية وإسلامية، تزداد اللهجة الإيرانية حدة كنوع من الرد عليها، ظهر ذلك في إعلان الحرس الثوري الإيراني امتلاكه أعداد هائلة من الصواريخ البالستية إلى الحد الذي بات يصعب معه إيجاد مواقع لتخزينها، وهو الأمر الذي أكده العميد حسين سلامي في خطابه الأخير من خلال تصريحه بأن إيران لديها مئات الأنفاق الطويلة المليئة بالصواريخ الجاهزة للإطلاق دفاعًا عن استقلال وحرية الشعب الإيراني.
لتعلن إيران بذلك عن أدواتها في اللعب داخل المنطقة والتي لن تكون بالسلاح الإيراني الجاهز فقط، وإنما بوكلائها في المنطقة التي أعلنت عن نجاح تجاربهم المدعومة إيرانيًا في كل من سوريا واليمن والعراق وقبل ذلك لبنان.
ولا مانع من تغليف الأمر بالصبغة الحشدية الشعبوية التي تتميز بها الخطابات الإيرانية دائمًا، بشعارات مثل التصدي للمشروع الأمريكي الصهيوني ووكلائه في المنطقة، هؤلاء الوكلاء الذين ربما أصبحوا الأهم لدى إيران من المشروع الأمريكي الصهيوني نفسه، إذا ما اعتقدنا أن لفظ “الوكلاء” هذا إشارة مغطاة إلى المملكة العربية السعودية.
وأصبح مما لا شك فيه أن إيران لن تكف عن استخدام هذا الخطاب مع تفعيل أدواتها الفترة القادمة في المنطقة التي أعلنتها للجميع في كافة البلدان المتواجدين بها، هذه البلدان التي تشهد صراعات دموية طاحنة، وذلك بغية كسب مزيد من الأرضية في الصراع تحسبًا للوصول إلى المراحل التفاوضية، وهو أسلوب إيراني معروف.
على الجانب الآخر لن تقف المملكة العربية السعودية وحلفاؤها موقف المتفرج، وسيكون الرد بصورة مشابهة للطريقة الإيرانية بتفعيل الأدوات السعودية في الصراع، وإن وصل الأمر إلى التدخل المباشر كما حدث في اليمن، ليستمر هذا الصراع الطائفي المحموم الذي تستخدمه الأطراف المختلفة في بسط السيطرة والنفوذ الإقليمي، وليستمر معه شلال دماء الأبرياء في سوريا واليمن والعراق ولبنان دون أي رادع.
ولتدخل المنطقة في عصر صراع المشروع السعودي أمام المشروع الإيراني وهو عين ما يطلبه الإيرانيون، وينجر إليه السعوديون دون هوادة، ولتقتل به مشاريع التغيير الحقيقية داخل المنطقة، وليتحول الجميع إلى مجرد أدوات في أيدي كلا المشروعين، وإلا ستناله وصلات من التخوين والتكفير من جانب أو اتهامات العمالة للمشروع الأمريكي الصهيوني من جانب آخر.