شاءت الأقدار أن يختم 2015 ساعاته الأخيرة ببعض الأحداث النارية في مناطق متفرقة من العالم والتي كان آخرها اندلاع حريق في نزل بمدينة دبي، وشاءت أيضًا أن تكون بدايات 2016 حارقة، فبدأ يومها الأول بكر وفر في العراق بين القوات الأمنية العراقية ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، ثم طالعتنا ساعات الصباح الأولى ليومها الثاني بخبر تنفيذ السلطات السعودية لإعدامات بالجملة راح ضحيتها 47 شخصًا قيل إنهم أُدينوا بالتهمة الجاهزة في عالمنا العربي “الإرهاب”.
إعدام 47 شخصًا بالجملة بدون ضمانات كافية لمحاكمة عادلة هو جريمة ضد الإنسانية لا يوجد لها تبرير ولا مسوغ ولا مخرج قانوني، إلا أن جهود الرياض “المالية” كفيلة بتلميع صورة المملكة العربية السعودية وإظهارها أنها على حق في كل ما تقوم به من جرائم ضد الإنسانية.
يبدو أن السلطات السعودية تورطت في هذه الإعدامات الأخيرة خاصة وأن رمزين كبيرين كانا من بين المعدومين وهما على التوالي رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر أحد أبرز الوجوه المعارضة للسلطات السعودية، والمنظر الأول لتنظيم القاعدة داخل المملكة فارس آل شويل الزهراني صاحب المقولة الشهيرة “جنسية بن سعود تحت قدمي”.
فارس آل شويل الزهراني
فارس آل شويل الزهراني هو أبرز منظري القاعدة في السعودية، كان اسمه مندرجًا في قائمة الـ26 التي حملت حمل أسماء أكثر “الإرهابيين” خطرًا في المملكة بحسب وزارة الداخلية التي صنفت هذه القائمة لمن قالت إنهم يتفاخرون بتدميراتهم وعملياتهم عبر مواقع أصولية على الإنترنت وعرضت بمقتضاها مكافآت مالية لمن يرشد إلى أحد منهم أو إلى أماكنهم أو أي خيوط تدل عليهم.
الزهراني كان من منظري القاعدة الأكثر علمًا وفقهًا ونشط في كتابة الرسائل العلمية والفتاوى الفقهية، وبحسب المعلومات المتوفرة عنه فإنه كان من دعاة الخروج على الحكومة السعودية بقوة السلاح وكان من المحرضين على قتالها؛ مما أدخله في مواجهة مع أجهزتها الأمنية التي لاحقته طيلة سنوات حتى ألقت عليه القبض في أغسطس 2004 في جبال “أبو خيال” قرب مسرح المفتاحة الشهير في الموسم السياحي الصيفي في مدينة أبها جنوب السعودية، بعد أيام قليلة من إلقاء القبض على المنظر الشرعي الأبرز عيسى العوشن حينها.
وفي أبريل عام 2014، قضت المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية بإعدامه مع 15 آخرين بعد 10 سنوات من الاعتقال والتعذيب وفق ما صرحت به والدته عزة ناصر الزهراني التي اعتدت عليها قوات الأمن أكثر من مرة وتسببت لها بأضرار وكسر في يدها، وقالت المحكمة وقتها إن “آل شويل” كان يحمل القنابل والسلاح بقصد قتل رجال الأمن، لتكفيره الدولة عندما تم القبض عليه، وأضاف بيان المحكمة وقتها أن الزهراني “”أشاد مرارًا وتكرارًا بتفجيرات العليا والخُبر، وتفجيرات شرق الرياض، ووصفها بأنها جهاد في سبيل الله، وأصر على ذلك الفساد خلال جلسات المحاكمة”، مشيرة إلى “عدم رجوعه عن ذلك، وتوعده بأنه سيستمر على منهجه الضال تنظيرًا وتطبيقًا حال خروجه من السجن”.
وأوضح البيان أن إدانتهم جاءت بتهم الافتيات (التعدي) على ولي الأمر والخروج عن طاعته، واتفاق بعضهم على الاشتراك في أعمال إرهابية تستهدف المستأمنين (غير المسلمين) داخل المملكة، والعزم على استهداف ضباط المباحث، وتمويل الإرهاب والعمليات الإرهابية.
ونقلت صحف سعودية وقتها أن القاضي أدان الشويل “باعتناقه منهج الخوارج في التكفير واستباحة دماء المسلمين والمعاهدين والمستأمنين داخل البلاد وخارجها، وانتمائه لمنهج تنظيم القاعدة وقيامه بالدعوة إلى ذلك المنهج والدفاع عنه والتنظير له، وتمجيد قياداته وأعمالهم الإرهابية، ونشر مذهبه في الخروج المسلح والتكفير، واستباحة الدماء المعصومة”.
كما قالت صحيفتا المدينة وعرب نيوز اليوميتان إن القاضي أمر بعرض جثمان فارس الزهراني الذي يعرف أيضًا بأبي جندل الأزدي على الجمهور بعد إعدامه.
السلطات السعودية التي لم تقدر على الإدانة المادية لآل شويل في تلك المحاكمة الجائرة وفق تعبير والدته ولإصباغ الشرعية على حكم الإعدام الصادر وقتها قالت وكالة الأنباء السعودية إن الحكومة بذلت جهودًا لتصحيح أفكار الزهراني لكنه تحدى سلطة الدولة أثناء محاكمته وجادل بأن قتل رجال الأمن أمر مبرر طبقًا لما يعتنقه من أفكار.
الزهراني وقبل اعتقاله بسنة وتحديدًا في عام 2003 نفى في رسالة منسوبة إليه نشرت بموقع أصولي معلومات أشارت إلى اعتزامه تسليم نفسه للسلطات عبر الداعية الإسلامي سفر الحوالي وقال وقتها في رسالته المعنونة “بيان من الشيخ فارس آل شويل الزهراني حول الدعاوى الكاذبة من سفر الحوالي وأشباهه”، إن ما أشيع عن استسلامه كذب وغير صحيح، معلنًا في الوقت نفسه تكفيره للدولة السعودية ونافيًا أن يكون لهم عهد أو بيعة عنده.
ما قالته والدته للسلطات السعودية إثر صدور حكم الإعدام
وعلى إثر صدور حكم الإعدام على الرجل الأول في القاعدة في أبريل 2014، وجهت والدة فارس آل شويل رسالة إلى السلطات السعودية تقول فيها “وغير خاف على كل متابعٍ أن وزارة الداخلية قد سجنت ابني عشر سنوات في زنزانة انفرادية مقطوعًا عن كل أنواع الحياة، فضلًا عن تعرضه لأنواع من التعذيب النفسي والجسدي، ومنعته أيضًا من الزواج إمعانًا في إذلاله وتقييد حريته وكرامته ثم ما تعرض له أخيرًا من منعه من الزيارة والاتصال ليزداد الأمر سوءًا، ثم انتقاله مابين سجن الحاير وذهبان دون علمنا ولأمر لا نعلمه، ثم تفاجأنا يوم الأربعاء الماضي الموافق 2 – 6 – 1435هـ بصدور حكمٍ قضائي بالقتل قصاصًا! الأمر الذي أقض مضاجعنا وجعلنا في حيرة وذهول”.
“ويدعونا للاعتراض على هذا الحكم جملةً وتفصيلًا أن القصاص لا يكون إلا بإراقة الدم المعصوم، وولدي لم يثبت عليه قتل أحدٍ ولم يثبت تورطه في إراقة الدماء، والغريب في الأمر أن الحكم تغير من (القصاص) إلى (القتل تعزيرًا) بعد ردود أفعال المؤمنين، ويعلم المؤمنون أن الظلم ظلمات يوم القيامة وأن الحاكم قد يموت قبل المحكوم عليه فيسبقه إلى محكمة شعارها (لا ظُلمٓ اليوم)، فإنِي احذر كل مشاركٍ في هذا الحكم الجائر عقاب الله وأن ينظر بعين فاحصة لمثل هذا الحكم والتراجع عن مثله لأنه ظلمٌ واضحٌ، وقد طلب ولدي مناظرتكم أمام الملأ ومقارعة الحجة بالحجة والدليل بالدليل فأبيتم ذلك، فأين علماؤكم ومؤسساتكم وجامعاتكم وكراسيكم العلمية وحواركم ومبادئكم التي ملأتم بها أسماع الناس، وما أحبُ الإشارة إليه هنا أن محبي ولدي لا يحصيهم إلا الله، فليس ثمنُ دمهِ رخيصًا ولا قتله أمرًا سهلًا” حسب تعبيرها”.
وكان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب (قاعدة اليمن) قد هدد المملكة العربية السعودية بالرد، في حال أقدمت على إعدام معتقلين جهاديين في سجونها بتهمة الإرهاب في 30 نوفمبر الماضي، وقال التنظيم في بيان صدر عنه إنه “في حال أعدم أسرانا المجاهدون من أهل السنة، فإننا نعاهد الله أن دماءهم لن تجف قبل أن نسفك دماء عسكر آل سعود”.
نمر باقر النمر رجل الدين الشيعي المثير للجدل
أما نمر باقر النمر أحد الـ 47 الذين نفذ فيهم حكم الإعدام، فهو رجل دين سعودي شيعي يبلغ من العمر 56 عامًا، كان شخصية معارضة مثيرة للجدل واعتقل أكثر من مرة بتهم مختلفة كان أبرزها اعتقاله في مارس 2009 بعد أن وجه انتقادات عنيفة للحكومة بسبب أحداث البقيع (مواجهات بين مواطنين سعوديين شيعة وقوات الأمن)، وهدد السلطات بانفصال القطيف والأحساء وتشكيلها دولة شيعية مع البحرين، واعتقل بسبب هذه التصريحات وأفرج عنه لاحقًا.
بعد أن اشتد عود النمر وبدأت حاضنته الشعبية في التوسع قررت السلطات السعودية انتظار الفرصة المناسبة لإسكات نمر النمر والقضاء عليه، وهو ما تم لها بعد أن بدأ رجل الدين الشيعي في تحريض الطائفة الشيعية في القطيف على الثورة والخروج على “ولاة الأمور” سنة 2011 ، كذلك وفي 26 من شهر يونيو 2012 وعلى إثر وفاة وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز وقف نمر النمر على منبره في القطيف، ليدافع عن الاحتفال الذي أقامه بعض شيعة المنطقة بمناسبة موت الأمير نايف، واصفًا إياه بالطاغية، ثم تساءل “بأي حق يعين سلمان ولي عهد ونحن ساكتون نشاهد”، في إشارة إلى الأمير سلمان بن عبد العزيز، الذي عينه الملك عبد الله وليًا للعهد خلفًا للأمير الراحل نايف وفي دعوة صريحة للتمرد والخروج على “السلطان”.
في تلك الأثناء أصبح الأمر مقضيًا وقررت السعودية التخلص من الرجل مهما كانت التهمة الجاهزة ،وفي 8 يوليو 2012 اعتقل نمر النمر بطريقة مثيرة للجدل حيث قالت السلطات السعودية إنها “قبضت عليه بتهمة إثارة الفتنة في بلدة العوامية، وإنه قد حاول ومن معه مقاومة رجال الأمن ومبادرته لهم بإطلاق النار والاصطدام بإحدى الدوريات الأمنية أثناء محاولته الهرب، فتم التعامل معه بما يقتضيه الموقف والرد عليه بالمثل، والقبض عليه بعد إصابته في فخذه ، حيث تم نقله إلى المستشفى لعلاجه واستكمال الإجراءات النظامية بحقه”.
هذه الرواية الرسمية التي صرح بها المتحدث الأمني بوزارة الداخلية اللواء منصور بن سلطان التركي أنكرها مؤيدوه الذين قالوا إنه اعتقل أعزلًا بعد أن صدم الشرطيون سيارته لتنحرف مصطدمة بجدار إحدى المنازل، قبل أن يخرجوه من السيارة ويطلقوا الرصاص على فخذه لتصوير أن المداهمة تمت بتبادل الطرفين لإطلاق النار ونفوا بذلك رواية وزارة الداخلية خاصة وأن الرجل كان يدعو إلى ضرورة العمل السلمي ورفض العنف.
أما شقيقه محمد باقر النمر فقال وقتها لجريدة السفير اللبنانية “تلقيت خبر اعتقال الشيخ وأنا في مكتبي، فتوجهت لمكان الحادث لأرى بقعة دم على الأرض والسيارة مصطدمة بالحائط، وتخلو السيارة من الداخل من أي دماء وهذا دليل على أن إصابته تمت بعد الاعتقال وبعد سحبه خارج السيارة، كما أنه اصطدم بالحائط لمضايقة الدورية له ولم يصطدم بأي سيارة من سياراتهم”، نافيًا هو الآخر طريقة وسبب الاعتقال الذي ذكرته الجهات الرسمية.
وفي 15 أكتوبر 2014 أصدرت المحكمة الجزائية بالرياض حكمًا يقضي بقتل رجل الدين الشيعي نمر النمر تعزيرًا، وعلى إثر ذلك قامت عائلته ومحاميه بتقديم طعن على حكم الإعدام الذي رفضته المحكمة العليا بالسعودية التي أقرت حكمًا بإعدام نمر النمر في شهر أكتوبر 2015.
وقال شقيقه محمد النمر وقتها: “بعد التصديق على حكم إعدام الشيخ النمر من جانب محكمة الاستئناف والمحكمة العليا، فإن حياته الآن بيدي الملك سلمان الذي يمكنه التصديق على الحكم أو تعليقه” وذلك في إشارة قانونية وهي أنه يتعين أن يصدق ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز على الحكم قبل تنفيذه.
تداعيات إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام
وفور صدور خبر تثبيت حكم الإعدام نقلت وسائل إعلام إيرانية عن حسين أمير عبد اللاهيان، نائب وزير الخارجية الإيراني، قوله إن “إعدام الشيخ نمر معناه أن السعودية ستتكبد تبعات كبيرة”.
وفي أول رد فعل صادر عن طهران عقب إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر، زعم عضو البرلمان الإيراني عن التيار المشتدد مهدي كوجك زاده، السبت، أن “السعودية ستدفع ثمنًا باهظًا نتيجة تنفيذ حكم الإعدام بحق زعيم الشيعة في السعودية نمر النمر”.
ووصف النائب الإيراني إعدام النمر بأنه “انتحار استراتيجي بالنسبة للمملكة العربية السعودية”، كما أكد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي بأن تداعيات إعدام نمر باقر النمر ستكون جسيمة جدًا للسلطات السعودية في الداخل، لافتًا إلى أنه “في العادة تولي الحكومات حرمة لعلماء الدين والعلماء في بلدانها إلا أن هذا الإجراء أثبت بأن آل سعود لا تعير أي حرمة لهذه الشريحة من المجتمع وكذلك للرأي العام في العالم الإسلامي في الوقت الذي حذر فيه العشرات من علماء الإسلام والمراجع، الحكومة السعودية من القيام بهذه الخطوة”.
أشارت هيئة كبار العلماء إلى أن القضاة مستقلون ويمتثلون للشريعة ولا تدخل لأحد في القضاء وأن الأحكام إنفاذ للشريعة وتحقيق لمقصد حفظ نظام الأمن، مضيفة أن الأحكام دققت عبر 3 درجات لتكفل الحقوق والعدالة.
وفي نفس السياق أوضح مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ أن تنفيذ الأحكام الشرعية في الـ 47 من المدانين بالإرهاب، استندت على كتاب الله وسنة رسوله، مبينًا أنها تأتي للحرص على الأمة واستقرارها والدفاع عن أمنها وأموالها وأعراضها وعقولها.
الديمقراطية وحقوق الإنسان مزيفان
الدماء تراق في العالم بسرعة جنونية والديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من الشعارات الرنانة التي صدعت بها الدول الغربية والعربية والمنظمات الحقوقية الدولية رؤوسنا لا وجود لها على أرض الواقع، كما أن الحكومات العربية تريد أن تقضي على الإرهاب بالإرهاب، وإن كانت الحكومة السعودية – على رأسها – تظن أنها بتنفيذ أحكام الإعدام ستعالج هذه الظاهرة وتستأصلها من جذورها فهذا خطأ كبير ستكون عواقبه خطيرة خاصة في مجتمع سعودي يغلي ويبدو أن موعد فورانه قد اقترب بسبب سياسات حكومته الداخلية والخارجية.
ومن الأجدر على مفتي السعودية وهيئة كبار العلماء أن يدعوا حكومتهم للإفراج عن المختطفين وأن يضعوا حدًا لسياسة الإخفاء القصري التي تقوم بها حكومتهم دون أن ننسى التقليل من الاعتداءات الأمنية على أهالي المعتقلين وخاصة من النساء.
كذلك فإن إيران إن كانت تظن أنها بتنديدها بإعدام رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر ستطمس جرائمها في حق السنة في طهران والأهواز وبغداد وغيرها من الدول التي سيطرت عليها فهي الأخرى مخطئة خاصة وأن العالم لن ينسى مشاهد الإعدام الجماعي للمواطنين السنة في ساحات الأهواز العربية المحتلة.