ما هو فن الكوميك Comic؟ الكوميك هو فن في مجمله ساخر، يستخدم الرسوم المصورة والتي في الأغلب تحتوي على حوار لانتقاد المشاكل المجتمعية كالفقر والبطالة والظلم، أو لانتقاد المشاكل السياسية أوالنظام الحاكم في البلاد، أهم ما يعرفه العالم عن الرسوم المصوّرة هو سوبر مان، والرجل الوطواط والرجل العنكبوت، لكن الأمر اختلف كليًا عند صانعي ذلك الفن في العالم العربي، فكان الكوميك شكلًا من أشكال المقاومة الفردية عن طريق الفن، أو فن ساخر يهرب به المجتمع من مشاكله بطريقة هزلية مضحكة.
كان الكوميك أحد العوامل المؤثرة في ثورات الربيع العربي، الذي عمل جنبًا إلى جنب مع فن الجرافيتي على جدران الميادين في محاولة حماسية لانتقاد الواقع بطريقة هزلية، ولتشجييع الشباب على المضي في طريقهم الثوري.
قائد هذا الفن في العالم العربي هو الفنان الفلسطيني الراحل ناجي العلي، برفيقه الصغير المشهور حنظلة، شخصية الطفل الفلسطيني التي خلقها ناجي بريشته، والذي عقد يديه خلفه رافضًا أن يعطينا وجهه في كل لوحات ناجي، معلنًا رفضه لأي حلول تقبل بالمساومة بين فلسطين واليهود، ناجي العلي كان من الفنانين الثوريين ممن اتخذوا من الكوميك سلاحًا في وجه كل ظالم جائر والأنظمة العربية المتحجرة، ليقول كلمة الحق في شكل هزلي أمام السلطة الفلسطينية أولًا، والأنظمة العربية المتواطئة مع إسرائيل ثانيًا، الأمر الذي أدى إلى اغتيال ناجي العلي وهو يحمل آخر لوحاته “لا لكاتم الصوت”.
لم ينته الأمر عند ناجي العلي، فقد ألقت ثورات الربيع العربي الضوء على العديد من فناني الكوميك الذين آزروا الشباب في الميادين وقت الثورة على الأنظمة الفاسدة، كان منهم كارلوس لاتوف، فنان برازيلي من العرب اللبنانيين، يعمل لحساب الإعلام المستقل وتتميز أعماله بمناهضة الرأسمالية والعولمة وكذلك مناهضة التدخل العسكري في الأنظمة الحكومية في البلاد، كما يناهض سياسات الولايات المتحدة، اشتهر كارلوس لاتوف بمساندته لشباب ثورات الربيع العربي وخاصة الثورة المصرية، إذ تابع في أعماله الثورة من بدايتها والتغيرات السياسية في النظام المصري حتى وصول السيسي للحكم.
الكوميك تغلغل في الثقافة العربية رغم استيراده من الغرب، بدأ كصناعة غربية تحوّلت إلى أفلام سينمائية أو ألعاب للفيديو، أما في العالم العربي فأصبح شكًلا آخر من أشكال الأدب المُهدد بالقمع في أغلب الأوقات، حيث تمّ إغلاق العديد من دور النشر لذلك الفن في العالم العربي وتهديد الفنانين بالسجن أو القتل لانتقادهم وسخريتهم من النظام الحاكم.
الكوميك في تونس
في حوار أجراه أحد فناني الرسوم المصورة التونسي “عثمان سالمي” مع موقع يور ميدل إيست تحدث فيه عن ظاهرة الكوميك التي بدأت تعيد أمجادها في العالم العربي بعد ثورات الربيع العربي في 2011 في محاولة لانتقاد المشاكل الاجتماعية والسياسية في البلدان العربية، وذكر عدة مجلات خاصة فقط بالكوميك أو الرسوم الهزلية كمجلة “توك توك” بمصر، ومجلة “لاب 619” بتونس، ومجلة “السمندل” اللبنانية ذات اللغات الثلاث والتي تم تأسيسها عام 2007.
بدأ ذلك الفن في تونس منذ منتصف الستينات، واستمر في السبعينات والثمانينات بتنظيم العديد من المهرجانات له، وإنشاء العديد من المجلات الأصلية باللغة العربية فقط، والتي كانت الأولى من نوعها الخالصة لفن الرسوم الهزلية في أفريقيا.
الصورة للفنانة التونيسية نهى حبيب في مهرجان القاهرة للكوميكس الأخير، والتي عبرت فيها عن سؤال حساس للغاية في العلاقة بين الذكورة والعلاقة بين الأبوين والمراهق الذي له ميول جنسية مختلفة.
الكوميك الحديث في مصر
فن الرسوم المصورة موجود في مصر منذ الستينات، ومشهور عند المصريين في ركن خاص به في الجرائد القومية المصرية، ولكن تبدل به الحال تمامًا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، فلم يعدّ لذلك الركن الخاص بتلك الرسوم أهمية لدى المصريين وبخاصة الشباب منهم، مما دعى العديد من الفنانين إلى تأسيس المجلات الخاصة بهم والتي ترعى أفكارهم الانتقادية، حيث تعمل مجلة توك توك – وهي نموذج من نماذج فن الكوميك الحديث في مصر – على التعريف بأن ذلك الفن في مصر لم يمت بعد، وأنه ليس صناعة غربية كما يُعمم البعض، وإنما هو متأصل في جذور التقاليد العربية ويعمل على انتقادها وحل مشاكلها، كما تسلط الضوء على مشكلات المجتمع المصري كالفقر والبطالة والفساد المتفشي.
دافش في مواجهة داعش
الرسوم الهزلية في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ولأن داعش يستخدم الإعلام بقوة في الترويج لعملياته وأفكاره، فجاءت تلك المجموعة بالمثل تحت راية “دافش”، وهي جماعة مؤلفة من 15 شخصًا، يعمل الكثير منهم كفنانين محترفين، ويقومون من خلال الرسوم الكرتونية التي يرسمونها بالاستهزاء والسخرية من الفساد السياسي، يتركز عملهم على السخرية والانتقاد اللاذع لداعش وسياسات السلطات العراقية.
تحول فن الكوميك من مجرد فن إلى بروباجندا في العالم العربي، وتحوّل من القومية العربية على يد ناجي العلي إلى انتقاد الراديكالية الدينية، كما استغلت بعض الجماعات الدينية المسلمة منها والمسيحية فكرة الرسوم المصورة للترويج إلى بعض الأفكار الجماعية أو الحزبية للرد على المجلات الأجنبية التي تنتقد الإسلام في رسومها المصورة، ذلك قبل أن تتحول صناعة تلك الرسوم في العالم العربي إلى مؤسسات فردية تمويلها ذاتي قائم على فنانيها، ليتحول الأمر بعد ثورات الربيع العربي إلى انتقادات اجتماعية سياسية هزلية.