ترجمة وتحرير نون بوست
كتبت دانيا عقاد ولينه السعافين:
العملية لا ترقى لتكون رسالة موجهة إلى طهران أو تحدٍ للرأي العام الغربي، بل أن قرار السعودية بتنفيذ عملية إعدام جماعية يوم السبت، بما في ذلك إعدام رجل دين شيعي بارز، يمثل خطوة للبقاء على قيد الحياة من قِبل المملكة التي ما زالت تهزها الانتفاضات العربية التي بزغت في عام 2011، ومازالت قيادتها ترزح تحت وطأة الصراع الداخلي على السلطة، كما يقول بعض المحللين.
عملية الإعدام الجماعي أججت بالفعل تداعيات بعيدة المدى، فإذا تقدمنا قليلًا بالزمن، قد تخسر السعودية جرّاء قرارها الدول التي تحارب معها في تحالفها ضد اليمن، كما أن هذه الخطوة تعرقل أي انفراج محتمل بين إيران والسعودية، وهو الأمر الذي كان يعوّل عليه الكثيرون ليجلب نهاية للحرب الأهلية السورية المستديمة، ويقول خبراء بأن الخطوة السعودية بتنفيذ عمليات الإعدام الجماعي لا تساعد سوى على مفاقمة التوترات الشيعية – السنية المتصدعة أساسًا.
على الرغم من أن نشوب تداعيات جرّاء عمليات الإعدام يبدو أمرًا لا مفر منه، إلا أن اتخاذ السعودية لقرار تنفيذ الإعدامات يُظهر بأن قادتها يرون بأن التهديد الذي تشكله الاحتجاجات في المنطقة الشرقية للبلاد يفوق العواقب السلبية الإقليمية التي قد تستتبع هذا الإجراء، كما يقول المحللون.
منذ عام 2011، شهدت السعودية احتجاجات متفرقة مستوحاة من روح الربيع العربي في المنطقة الشرقية، وهي موطن الأقلية الشيعية في البلاد، الطائفة التي تشكل حوالي 10 إلى 15% من أصل تعداد السكان البالغ 29 مليون نسمة.
يقول السكان الشيعة المحليون بأن الحكومة السعودية تمارس التميز ضدهم في فرص العمل والتعليم وفي مجالات أخرى، وهو الأمر الذي أجج التظاهرت في المنطقة الشرقية، التي قُمعت بوحشية من قِبل قوات الأمن، مما أسفر عن مقتل عشرات المتظاهرين، علمًا بأن السلطات السعودية نفت مرارًا اتهامات التمييز، وزعمت بأنها تحارب انتفاضة مسلحة ضد الحكومة.
الشيخ نمر النمر، 56 عامًا، كان القوة الدافعة خلف نشوب الاحتجاجات شرقي السعودية، ومن خلال إعدامه، وجهت الحكومة رسالة مفادها بأن المعارضة في السعودية لن يتم التسامح معها.
“شهدت المنطقة الشرقية من السعودية احتجاجات من قِبل الأهالي، ولكن من الواضح بأن الحكومة السعودية لا ترغب بالتسامح مع أي احتجاجات”، قال أندرو هاموند، الزميل السياسي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لصحيفة الميدل إيست آي.
العديد من المتظاهرين في المنطقة الشرقية، كما يقول هاموند، هم من الشيعة، والقيادة السنية تستغل بالعادة المحاور الطائفية لأغراض متعددة، وهنا يتساءل هاموند قائلًا: “ولكن هل كانت القيادة السعودية مدفوعة في سعيها بكراهية الشيعة بحد ذاتهم؟ لا بد من الاعتراف بأن الموضوع يحتمل وجود مثل هذا التحيز، ولكن في نهاية المطاف يمكن القول بأن السعودية رأت تهديدًا لحكمها من جماعة معينة، وعملت على إخماده”.
“إنها رسالة واضحة موجهة لأي شخص يسعى لإسقاط الحكومة”، قال جمال خاشقجي، الكاتب السعودي والمدير العام لقناة العرب الفضائية، لصحيفة الميدل إيست آي يوم السبت، وأضاف: “لقد دعا النمر علنًا لإسقاط النظام، والتعهد بالولاء لولاية الفقيه، والمرشد الأعلى الإيراني”.
“هذه الأفعال ترقى إلى مستوى الخيانة في أي بلد ديمقراطي” قال خاشقجي، وتابع: “لم يتم إعدام النمر لأنه يحمل أفكارًا شيعية، إنما لأنه دعا لقلب نظام الحكم ومبايعة زعيم أجنبي”.
في الوقت الذي استقطب فيه إعدام النمر الجزء الأكبر من اهتمام وسائل الإعلام، أشار خاشقجي بأن غالبية الذين أعدموا يوم السبت أُدينوا بالضلوع في هجمات تنظيم القاعدة التي قتلت السعوديين والأجانب في المملكة بين عامي 2003 و2006، وأضاف قائلًا: “لقد تساءلنا، نحن السعوديين، لبعض الوقت عن سبب التأخر الطويل بتنفيذ حكم الإعدام بإرهابيي القاعدة، فهؤلاء المجرمون نفذوا أفعالًا وحشية ضد المدنيين الأبرياء، وكان يجب أن يتم التعامل معهم، وأنا على ثقة بأن معظم الشعب السعودي يرحّب بما حدث”.
ولكن على الجانب الآخر، تساءل هاموند عمّا إذا كان هؤلاء المدانون بصِلاتهم بتنظيم القاعدة، والذين تتمتع السعودية بتاريخ حديث معروف بمحاولة إعادة تأهيلهم، قد أُعدموا في ذات اليوم، لمحاولة إضفاء نوع من عدم الطائفية على القرار السعودي بإعدام النمر، حيث يرى هاموند بأن القرار السعودي يهدف على الأرجح لمحاولة استرضاء المؤسسة الدينية في البلاد “وهي المؤسسة التي تعتبر في غاية الأهمية لبقاء الحكم السعودي على قيد الحياة، ولتحقيق الاستقرار على المدى القصير في هذا الظرف الصعب الذي يتسم بطبعة الانتفاضات العربية”، قال هاموند.
عندما حُكم النمر بعقوبة الإعدام في أكتوبر 2014، أشار الخبراء لصحيفة الميدل إيست آي، بأن القيادة السعودية شعرت بأنها فقدت دعم المؤسسة الدينية، وكذلك فقدت دعم الأغلبية السنية داخل البلاد، وذلك في ضوء انضمام السعودية إلى قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، والذي كان يُعتقد بأنه يتمتع بدعم كبير في المملكة، فضلًا عن الدلائل التي تفصح عن وجود تقارب مع إيران في ذلك الوقت.
“الغالبية السنية في البلاد توجست قليلًا من النوايا التي يستبطنها النظام السعودي خلف هذه التطورات الإقليمية”، قالت مضاوي الرشيد الأستاذة الزائرة في كلية لندن لاقتصاد الشرق الأوسط، لصحيفة الميدل إيست آي، حينما صدر الحكم بإعدام النمر في أكتنوبر 2014.
تأتي عمليات الإعدام أيضًا بعد أيام فقط من إعلان المسؤولين السعوديين عن عجز قياسي في الميزانية السعودية، فضلًا عن قيام الحكومة برفع أسعار البنزين المحلية بنسبة 50% بين عشية وضحاها، مع زيادات متوقعة قريبًا على سعر الكهرباء والماء والديزل والكيروسين، كما ألمحت وزارة المالية أيضًا بأنه قد يتم فرض الضرائب على المواطنين لأول مرة، وجميع ذلك يضيف ضغطًا على القيادة السعودية التي تعاني بحد ذاتها من صراع داخلي قائم على قدم وساق على السلطة.
أشار حسن حسن، الزميل المساعد في تشاتام هاوس والكاتب المشارك في تأليف كتاب “داعش: داخل جيش الإرهاب”، في صحيفة الغارديان، بأن تنفيذ حكم الإعدام بالنمر هو رسالة سعودية “للأجانب والمحليين على حد سواء، تشير إلى أنه وبغض النظر عمّا يقوله العالم، ستقوم السلطات بإدانة وإعدام أولئك الذين يجتازون الخطوط الحمراء”.
ويبقى السؤال، كما يقول هاموند، هو ما إذا كانت محاولة القيادة لتحقيق الاستقرار في موقفها ستجعلها أكثر أمانًا على المدى الطويل أو حتى القصير، أم ستخلق مزيدًا من عدم الاستقرار سيعصف بأركان المملكة قريبًا؟
المصدر: ميدل إيست آي