تقع بلدتا مضايا والزبداني تحت وطأة حصار قاتل تفرضه قوات نظام بشار الأسد ومجموعات تابعة لميليشيا “حزب الله” اللبناني في ريف دمشق، مما يهدد قرابة 40 ألف من سكان المنطقتين بوقوع كارثة إنسانية محققة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.
الشهادات القادمة من تحت حصار الموت تؤكد ازدياد عدد الوفيات جراء تدهور الوضع الصحي بالداخل نتيجة سوء الغذاء وقلة الدواء، كانت آخر هذه الشهادات ما رواه القيادي بحركة أحرار الشام، أسامة أبو زيد، في لقاء مع قناة الجزيرة الفضائية عقب خروجه من الزبداني في الصفقة الأخيرة التي تمت بين المعارضة السورية المسلحة والنظام السوري.
حيث روى أبو زيد كيف أجبرت المجاعة الشديدة سكان تلك المناطق على أكل القطط والحشائش والقمامة، وأضاف أنه شاهد حالات عديدة من الأطفال والنساء والمسنين وهم يموتون بعد أن تحولت أجسادهم إلى ما يشبه الهياكل البشرية بسبب الجوع، مدعمًا ذلك بصور التقطها بهاتفه المحمول.
النظام السوري يحاصر سكان هذه المناطق منذ قرابة الـ 7 أشهر مُنع خلالها أي شخص من الخروج لجلب المواد الغذائية التي نفذت سريعًا، وهو ما أدى إلى زيادة حالات الوفاة خاصة بين الأطفال بسبب نقص التغذية، وتُشير مصادر طبية من الداخل إلى جانب آخر من المعاناة في المراكز الطبية بهذه المناطق التي لا تستطيع أن تقدم خدماتها للسكان بسبب معاناتها هي الأخرى من نقص شديد في المواد الطبية وفي الأدوية.
وعلى هذا يُطارد شبح الموت القابعين تحت وطأة حصار النظام في مضايا ممن تبقى من أهلها على قيد الحياة بعد أن أظهرت الصور المسربة من الداخل تحول أجسادهم إلى ما يشبه الهياكل العظمية البشرية.
لم تحقق الهدنة المنعقدة ببلدة مضايا السورية أي شيء لجياعها، حتى باتوا أسرى الموت البطئ جوعًا، حيث إن شروط هذه الهدنة لم تحقق حتى الآن، والتي كانت تنص على رفع الحصار عن مضايا بالتزامن مع عمليات إجلاء الجرحى، إلا أنه حتى اللحظة لم يرفع النظام السوري الحصار عن المدينة ولم تفتح أي طرق آمنة لخروج السكان أو عبور مواد غذائية لهم.
هذا الحصار المستمر منذ يوليو العام الماضي جاء بالتزامن مع اشتداد القتال في الزبداني وهو ما أدى إلى خروج أهالي الزبداني تحت وطأة القصف إلى مضايا، ومن تبقى منهم قام النظام السوري ومليشيات حزب الله بتهجيره إلى مضايا.
لم تُفلح المطالبات حتى الآن بفك هذا الحصار، بعد محاولات مضنية من نشطاء سوريين في مناطق عديدة في الريف الدمشقي عبر إطلاق حملات لإنقاذ البلدة المحاصرة، من ضمنها تلك الحملة التي طالبت الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات فورية في سبيل فك حصار الأهالي في مضايا، وخاصة بعد كثرة حالات الموت جوعًا في البلدة، إلا أن هؤلاء النشطاء أكدوا على تخاذل فرق الأمم المتحدة المعنية التي استطاعت الدخول للزبداني وإخراج الجرحى بعد قبول النظام باتفاق الهدنة، ولم تستطع هذه الفرق أن تحرك ساكنًا لأجل أهالي مضايا، على الرغم من وقوع البلدة على الطريق الذي تمر منه وفود الأمم أثناء إجلائها للجرحى.
يأمل الأهالي المحاصرون في الداخل نجاح أي من المفاوضات الجارية سواء بإجلائهم أو بإيصال المساعدات الإنسانية إليهم لإنقاذهم من هذه الكارثة الإنسانية، مع التأكيد على أن أي أنباء عن وصول مساعدات للبلدة حتى اللحظة هي غير صحيحة.
ذلك الأمل الذي يمنع الكثير من الأهالي من سلوك سبيل الهرب عن طريق المخاطرة بتخطي ألغام وحواجز النظام ومليشياته، الذي غالبًا ما ينتهي بالتعرض للقتل قنصًا أو بانفجار أحد الألغام التي تحيط بالبلدة.
في الخارج ينتظر البعض تحركًا دوليًا يُجبر النظام على إدخال المساعدات بشكل فوري وعاجل إلى أهالي مضايا والزبداني، بعدما عملوا طوال الأيام الماضية على جمع التبرعات من المواد الغذائية تحضيرًا لإدخالها في أي وقت يسمح بذلك، ولا سبيل سوى طرق التهريب إلى الداخل التي بها قدر كبير من المخاطرة إلى أن يُفتح الطريق بشكل رسمي.
ويُلخص المسؤول الإغاثي في مجلس مضايا المحلي، محمد الدبس، الوضع الحالي في تصريحات صحفية يقول فيها: “نحن في مضايا يمكن وصف وضعنا بالمجاعة الغذائية، وهذا عار على كل الضمائر العالمية والمنظمات والحكومات المدعية الدفاع عن حقوق الإنسان”.
وأضاف الدبس “نحن في مضايا نسكن الآن في أكثر منطقة بالعالم ارتفاعًا في الأسعار، حيث يصل سعر مادة غذائية إلى مائة دولار، وسعر كيلو الرز إلى ثمانين دولارًا”، مبينا أن مئات العائلات باتت تتناول وجبة كل يومين، وفي أحسن الأحوال وجبة يوميًا، ويقضون باقي يومهم في تناول البهارات المطهوة في المياه المملحة”.
ومن المتوقع في الأيام القادمة أن يتفاقم الوضع الإنساني سوءًا مع تساقط الثلوج وانخفاض درجات الحرارة في منطقة جبلية معروفة بقسوة الشتاء فيها في ظل انعدام وسائل التدفئة وغياب التيار الكهربائي.
فيما يرى بعض المحللين أن بلدة مضايا بريف دمشق تدفع ثمن دعمها للثورة السورية؛ حيث يستخدمها نظام الأسد كورقة ضغط على ثوار الزبداني، فقد نقل موقع المونيتور الأمريكي تحليلًا للوضع في مضايا قال فيه إن نظام الأسد أصبح يرى المعادلة متلخصة في “مضايا مقابل الفوعة وكفريا”.
ولذلك فإن حصار أهالي الزبداني في مضايا، يلعب عليه النظام جيدًا من أجل امتلاك ورقة ضغط على مقاتلي المعارضة في الزبداني، حيث أصبح الوضع واضحًا أن أي هجوم تقوم به المعارضة المسلحة في مدينة الزبداني على حواجز النظام، يقابله قصف النظام لمدينة مضايا؛ لإجبارهم على التوقف، وقد تجمد الوضع على هذا في ظل أوضاع إنسانية شديدة القسوة داخل المدينة المحاصرة.