عندما قررت الولايات المتحدة وقف مئات الملايين من الدولارات التي تساعد بها مصر سنويا عقب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي من سدة الحكم، ظهرت روسيا لتقول “مرحبا” كمطلقة وجدت زوجها السابق أعزبا مرة أخرى.
أمس الأول وصل وفد رفيع المستوى ضم وزير الدفاع الروسي، سيرغي شيوغو، ووزير الخارجية سيرغي لافروف إلى القاهرة بصحبة مسؤولين كثر من روسيا الاتحادية، وصلوا إلى القاهرة، ليبحثوا العلاقات الثنائية بين البلدين، بالإضافة لصفقة أسلحة قد تحل محل الدعم الأمريكي الذي انقطع.
كما وصلت أمس الخميس إلى قاعدة البحر الأحمر المصرية الخمي، سفينة الإمداد الروسية “بوريس بوتوما”، وهي السفينة الثانية التي تصل مصر هذا الأسبوع تزامناً مع زيارة وزيري الخارجية والدفاع الروسيين، في مهمة قالت روسيا إنها “لتعزيز الروابط والعلاقات العسكرية بين البحرية المصرية والروسية”
وكان مصدر مسؤول من مؤسسة “روس أوبورون أكسبورت” المتخصصة في تصدير الأسلحة والمعدات الروسية إلى الخارج، قد أعلن في وقت سابق أن بلاده على استعداد لتزويد مصر بالسلاح، مشيرا إلى أن المسألة الأساسية تتوقف على إمكانات القاهرة الاقتصادية لتغطية نفقات تسليح الجيش المصري وسداد قيمة العقود التي يمكن الاتفاق عليها.
إمكانيات القاهرة في هذه المرحلة تساوي صفر، فالاحتياطي النقدي يتهاوى، ومعدلات التضخم والفقر والبطالة تتزايد، السياحة تعاني، ربما يكون اقتصاد الجيش وقناة السويس هما عاملي الاقتصاد الأقوياء في مصر الآن، إلا أن الإمكانيات التي نتحدث عنها هنا والتي ستوفر لمصر سلاحا روسيا، لن تكون إمكانات مصر على أي حال.
فالمملكة العربية السعودية تخوض حربها الدبلوماسية الخاصة ضد الولايات المتحدة على أكثر من جبهة، فمن جهة تحاول الرياض إبطاء وتيرة التصالح الغربي الإيراني عن طريق الحلف السعودي الفرنسي، ومن جهة أخرى تدعم السعودية الانقلاب العسكري في مصر، وتحاول إنقاذه من مصير يتهدده الفشل، عبر توفير بديل للدعم الأمريكي الذي انقطع.
ليس ذلك فحسب، لكن السعودية تحاول إقناع روسيا بمصر كبديل في الشرق الأوسط بدلا عن سوريا التي على ما يبدو ستفقدها روسيا قريبا، التي تحتاج بدورها إلى شريك جديد في المنطقة.
ويبدو التوجه المصري إلى روسيا كصرخة للفت انتباه الولايات المتحدة التي انتبهت بالفعل ولم تعد قادرة على تجاهل قادة الانقلاب العسكري في مصر لفترة أطول، حيث وصل جون كيري إلى القاهرة قبل قرابة الأسبوع، وأكد أنه “مصمم على مواصلة العمل مع حكومة مصر”
عدلي منصور، الرئيس المعين من قبل الضابط عبدالفتاح السيسي، من جانبه، وفي رسالة إلى الولايات المتحدة، قال في تصريح عقب لقاءه الوفد الروسي أن تدعيم العلاقات المصرية الروسية “على حساب دول أو قوى أخرى”
الموقف المصري تغير في العديد من القضايا بشكل جذري، لا سيما القضايا التي تهم الطرف الأمريكي. بشأن الملف السوري على سبيل المثال، أظهرت مصر تقاربا من موسكو. صرح وزير الخارجية المصري أن “لحلول السياسية هي السبيل الوحيد لتسوية الأزمة السورية” في موقف مطابق للموقف الروسي.
أما بالنسبة للقضية الفلسطينية على سبيل المثال، فيتبع المصريون الخط الروسي الذي يقلل من أهمية الجهود الأمريكية في المفاوضات الدائرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
الإسرائيليون على ما يبدو سعداء بشكل ما بالتوجه الجديد، فقبل أيام قلائل نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية تقريرا يتحدث عن “الذكرى السبعين لبدء العلاقات المصرية الروسية”، حيث قالت الصحيفة أن العلاقات الروسية المصرية تدخل عامها الحادي والسبعين “بقوة وببداية تاريخية”
الروس من جانبهم بدأوا في تقييم العلاقات بشكل مختلف مع مصر، فبعد أن رفضت موسكو الانقلاب العسكري، بدأ الروس في تجاهل الانقلاب وبدأوا في التعامل مع نتائجه بشكل إيجابي للغاية، بل على العكس، في تقرير نشرته “روسيا اليوم” عن العلاقات المصرية الروسية، تجاهلت القناة وموقعها الإلكتروني أي ذكر للعام الذي قضاه الرئيس مرسي في السلطة قبل أن يتم عزله من قبل الجيش، والذي شهد العديد من التطورات في العلاقات المصرية الروسية.
المرحلة الجديدة لا تعني أن مصر تتخلص من نير الولايات المتحدة، لكنها -وبفضل الرياض- على وشك أن تستبدل القيد الأمريكي بقيد وثير من فراء الدب الروسي، الذي لن يتورع عن استغلال مصر لبسط نفوذه على المنطقة كما استغلها الديك الأمريكي من قبله.