الموصل هي ما تبقى لدى تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ “داعش” كمدينة عراقية رئيسية تحت سيطرته، التصريحات عن الاستعدادت لعملية تحرير أخذت حيزًا كبيرًا في وسائل الإعلام منذ عام تقريبًا، وانعشها حماسة تحرير الرمادي، وإذا ما استعيدت الموصل ستحرم التنظيم المتشدد من أكبر مركز سكاني يهيمن عليه وهو ما يترتب عليه حرمانه من مصدر رئيسي للتمويل وتقويض نفوذه.
قال رئيس وزراء العراق حيدر العبادي في كلمته بمناسبة تحرير الرمادي “إن القوات المسلحة العراقية ستتحرك لاستعادة مدينة الموصل من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية بمجرد أن تنتهي من السيطرة على مدينة الرمادي”، إلا أن المتحدث باسم التحالف الدولي العقيد ستيف وارن، كان له رأي آخر أعلنه في مؤتمر صحفي قائلاً “إن معركة تحرير الموصل تحتاج إلى وقت طويل لتهيئة الظروف المناسبة”، والتهيئة هي إيجاد حلول للتحديات.
أولاً: حجم المدينة وعدد السكان
تعد الموصل مركز محافظة نينوى، ثاني محافظة عراقية من حيث السكان والمساحة، فتعداد السكان داخل المدينة يتجاوز 2 مليون نسمة تحت قبضة التنظيم ويتخذهم دروعًا بشرية، ويعاقب كل من يغادر المدينة بالإعدام، لذلك فعزل وتطويق داعش عن الأهالي ليس بالأمر الهين وتحدٍ صعب.
تجنيب المدنيين خطر العمليات العسكرية أمر مهم، فلا بد من تهيئة الخطط، وتوفير ممرات آمنة لتسهيل عملية مغادرتهم المدينة عند بدء العمليات.
ثانيًا: الصراع السياسي
بعكس الرمادي التي بدت قيادتها السياسية والأمنية شبه موحدة، فالموصل تعاني من تفرق القيادة وتعدد واختلافها في الرؤى وهو التحدي الأهم، الموصل لديها ما نستطيع أن نقول عليه محافظين اثنين، نوفل العاكوب محافظ رسمي انتخب يوم 5 أكتوبر خلفًا لـ أثيل النجيفي الذي أقيل بشكل رسمي.
لم يستطع العاكوب إحداث أي تغيير، ولم يتمكن من فرض نفسه في الملف الأمني بالرغم من كونه رئيس اللجنة الأمنية العليا في المحافظة وفق الصلاحية التي منحها له قانون المحافظات في العراق، بعكس محافظ الأنبار الذي يظهر بقوة في هذا الملف، العاكوب يظهر بوضوح ضعف أدائه السياسي وبساطة تعامله مع الأحداث.
المحافظ المقال النجيفي يفرض نفسه على الساحة، من خلال معسكر الحشد الوطني الذي شكله بحكم منصبه عندما كان محافظًا، ويضم نحو ألف متطوع من أبناء المحافظة، يرفض تسليمه إلى المحافظ الجديد بحسب السياقات القانونية التي تفرض أن يكون تحت إدارة المحافظ.
لكن النجيفي ورد اسمه ضمن قائمة المتهمين بسقوط الموصل بيد تنظيم داعش، فضلاً عن تهم من خصومه تتعلق بتبذير المال العام وعدم توجيه الصرف تجاه احتياجات المحافظة الأساسية خلال فترة حكمه.
غياب وحدة البوصلة السياسية للسلطة المدنية للموصل تشكل تحديًا يواجه الجهات التي تخطط للتحرير، فيعتقد أن الوضع سيتجه نحو الفوضى في سبيل الاستحواذ على السلطة ما بعد داعش، وقد يثير هذا الأمر مخاوف التحالف الدولي وخصوصًا أمريكا، فهي لا تريد أن يقال إن تدخلها العسكري أفضى إلى فوضى سياسية قد تفضي إلى اقتتال مسلح تقوده زعامات سياسية.
إزالة هذا الخلاف يمكن بقيام مجموعات ضغط دولية بالعمل خلف الكواليس على العاكوب والقوة الداعمة له بأن يرتقي بأدائه أو يتم استبدله بسرعة، وعلى النجيفي بأن يخفف من حدة التوتر السياسي وتسليم معسكر الحشد الوطني إلى الإدارة المحلية للمحافظة ليكتسب شرعية قانونية ويحصل على تدريب رسمي للمساهمة في تحرير الموصل.
ثالثًا: خلافات القيادة العسكرية
القطيعة بين وزير الدفاع خالد العبيدي وهو من أهالي الموصل وبين قائد عمليات تحرير نينوى اللواء نجم الجبوري وهو من أهالي المحافظة أيضًا، فالمسؤولان لم يلتقيا ولا مرة واحدة، وتسريبات كثيرة تؤكد وجود خلاف عميق بين الجانبين .
سبب الخلاف يعود إلى أن الجبوري تم تعيينه من قِبل قوات التحالف دون الرجوع إلى الحكومة ووزارة الدفاع، فضلاً عن انعكاس الخلاف السياسي بين أثيل الأقرب إلى العبيدي، مع المحافظ الجديد الذي يتقرب إلى الجبوري.
على الحكومة العراقية وقيادة التحالف الدولي الضغط على الجانبين والعمل على إذابة جبل الجليد بينهما لتوحيد الجهود العسكرية وإعادة ربط قيادة العمليات بوزارة الدفاع.
رابعًا: ضعف القوات البرية
الواقع على الأرض يخالف تصريحات الاستعداد العسكري البري، فمتطوعو معسكر حشد نينوى لا يتجاوز عددهم الألف ويحتاجون لكثير من التدريب والتأهيل، معسكر شرطة نينوى يضم 1200 منتسب مهمل من قِبل الحكومة، الفرقتان 15 و16 بالجيش العراقي المفترض أنهما كانتا تحت أمر قيادة العمليات ومخصصتان للمشاركة في تحرير الموصل، أرسلتا بأمر من وزارة الدفاع بالتعاقب إلى الأنبار منذ أشهر للمشاركة في القتال واستنزفتا هناك، مقر قيادة عمليات نينوى وبحسب من يزورها يجد مجموعة محدودة من الضباط والجنود يتلقون تدريبات أولية، ويخلو من السلاح الثقيل والمدرعات، فالتحضيرات على مستوى القوات البرية ليست بالمستوى المطلوب.
الموصل ليس لديها حشد عشائري مثل الأنبار تم تدريبه وتسليحه للمشاركة في تحرير المدينة، كون الواقع الاجتماعي للموصل مدني وحضري.
مواجهة هذا التحدي من خلال العمل على تقارب القيادات العسكرية والإسراع بضم معسكر الحشد الوطني إلى إمرة قيادة العمليات أو الحكومة المحلية مع استدعاء الفرقتين 15 و16 وإعادة تنشيطهما.
خامسًا: الحشد الشيعي
الانتهاكات التي ارتكبها عناصر الحشد انتهاكات في المدن السنية بعد تحريرها مثلما حصل في تكريت وبيجي حيث تقوم تلك العناصر بأعمال السلب وسرق ممتلكات السكان وتفجير منازلهم والجوامع واعتقال الشباب وإعدامهم بطرق وحشية بحجة انتمائهم لداعش.
والمليشيات الإزيدية التي تتبع حزب العمال الكردستاني PKK، قامت بأعمال انتقامية ضد سكان القرى العربية في محافظة نينوى وخصوصًا في سنجار.
هذه الأعمال الانتقامية تشكل تحديًا للتحالف الدولي المشرف على عمليات تحرير الموصل، فالمؤكد أنه لا يريد أن يتهم بأنه داعم لجهة على حساب جهة أخرى، إضافة إلى أن تخوف سكان الموصل من هذه المليشيات قد يدفعهم لعدم التعاون مع أي قوة تريد تحرير مدينتهم، خشية أن يكون البديل هو الانتقام.
مواجهة تحدي المليشيات يكون بإعطاء ضمانات بعدم مشاركتها في عملية التحرير ويمكن تحقيق ذلك عمليًا.
سادسًا: تعقيد دفاعات داعش
الموصل تعد النموذج المدني لداعش لإدارة المدن ويعتبرها أرض تمكين، والاعتقاد بأنه سيفرط بها بسهولة أمر خاطئ، فقد أقام فيها دواوين وهي تحاكي الوزارات في مهامها مثل الصحة والتعليم والبلدية والمحاكم ومؤسسات جباية المال.
وداعش خصم عنيد فهو يتمتع بقدرته على التكيف السريع وتطوير منظومته العسكرية من خلال الاستفادة من أي معركة أو خطأ أو تكتيك دفاعي أو هجومي ضده، واتخذ سياسة دفاعية قاسية جدًا داخل الموصل فامتلك منظومة دفاعية معقدة تعتمد على خليط بين تكتيكات حرب المدن والحرب النظامية فضلاً عن إستراتيجيات ابتكرها، ونذكر أن داعش اتخذ نحو 2 مليون من السكان المدنيين كدروع بشرية.
عند تحليل طبيعة دفاعاته نجد أن هناك تغيير في التكتيك بين مدينة والتي تليها، فيما لا تزال القوات الأمنية العراقية وكذلك التحالف يتبعون إستراتيجية عسكرية واحدة في القتال وهي الضربات الجوية ومن ثم الدفع بالقوات البرية وفرق المعالجة الهندسية لإبطال مفعول العبوات الناسفة والمفخخات.
يلجأ داعش عند تعرضه للاشتباكات المباشرة وتعرضه إلى ضربات جوية قوية، إلى تكتيك قتالي متمثل بالدفع بالعجلات المفخخة ذات الشحنات الضخمة وتفخيخ المباني والطرق وزرع العبوات ونشر مفارز تعويق وهي مجموعات صغيرة من المسلحين الانغماسيين يرتدون الأحزمة الناسفة مهامهم إيقاف تقدم القوات بتنفيذ الكمائن والدخول باشتباكات حتى الموت بعد تفجير أنفسهم، وحفر الخنادق والأنفاق ونشر القناصة على البنايات، وتفجير الجسور وتخريب الطرق الرئيسية.
لدى داعش عقد عسكرية جنوب الموصل لا بد من تحريرها لتنظيف الطريق وهي القيارة والشرقاط وحمام العليل ومخمور، والتأخير بتحرير هذه المناطق يؤدي إلى زيادة تحصينات داعش الدفاعية، ويمكن استغلال الانهيار المعنوي لدى مقاتليه بعد خسارتهم للرمادي للبدء بتطهير هذه العقد، قبل أن يتدارك التنظيم هذا الخلل ويحاول ترميمه من خلال عمليات انتقامية، فضلاً عن إعادة تنظيم صفوفه.
والإنزال الجوي الذي نفذته قوات عراقية أمريكية مشتركة على قاعدة القيارة ليلة السبت 2 يناير كشف عن ضعف مقاومة داعش حيث نفذت العملية التي استغرقت ساعة ونصف دون أن يواجه التنظيم هذه القوات.
المراهنة على عنصر المفاجأة في عملية التحرير وإن يكن لداعش، موقف ضعيف، لا يجب الاعتماد عليه فالمعركة ليست سهلة ولا بد من الاستعداد لها وإزالة العراقيل واستغلال الثغرات لدى داعش.