بعيدًا عن حادثة الإعدام الجماعي السعودية التي تلقفتها وسائل الإعلام بنهم خلال اليوم الماضي، وإذا تجاوزنا المشاكل المحلية التي ترزح تحت وطأتها المملكة الغنية بالنفط، كرفع أسعار البنزين بنسبة 50% كإحدى إرهاصات انخفاض أسعار النفط عالميًا، فضلًا عن الحرب الكارثية في اليمن التي تورطت بها المملكة بقيادتها لائتلاف من الدول لمحاربة الحوثيين في اليمن، يبزغ أحد الأخبار الطريفة التي تجد مكانًا لها داخل المجتمع السعودي المحافظ بشدة.
يشير المفهوم الشائع بأن الجنس الأضعف يعاني دائمًا من التحرش اللفظي أو البدني، ولكن على ما يبدو، تحولت معاناة النساء اليوم لتصب جامها على الجنس الآخر، حيث أفاد مركز تسوق سعودي بحصول 16 حالة تحرش جنسي بالرجال من قِبل النساء، مما أثار الغضب العارم في المملكة التي تتبع تقاليدًا محافظة للغاية فيما يتعلق بمعاييرها الاجتماعية.
وقعت حوادث التحرش في أكبر مركز تجاري في جدة، وهي ثاني أكبر مدينة في المملكة العربية السعودية، والتي تعد إحدى المدن السعودية النادرة التي تشهد عمومًا وجود تنوع من القاطنين الأجانب.
تشير المصادر إلى أن النساء السعوديات قمن باللحاق بالرجال والتحرش بهم لفظيًا في جميع أنحاء السوق التجاري، في حادثة تمثل اتجاهًا متناميًا داخل المملكة لتحدي الأدوار الاجتماعية التقليدية التي يضطلع بها الرجال والنساء في المملكة المحافظة، حيث تواردت عدة أخبار سابقًا عن تحدي النساء لأدوارهن الاجتماعية من خلال دعوتهن لقيادة السيارات علنًا ضمن المملكة التي تحظر قوانينها النساء من قيادة السيارات.
مركز التسوق التجاري الذي وقعت فيه حادثة التحرش في مدينة البحر الأحمر في جدة
وفقًا لصحيفة سعودي جازيت، على الرغم من أنه تم إبلاغ موظفي الأمن في مركز التسوق بالحوادث، إلا أن أيًا من الرجال المتحرش بهم لم يتقدم بتقارير رسمية خوفًا من “وصمة العار الاجتماعية”، حيث يشير الشاب السعودي أحمد مويدي بأن المجتمع ينظر إلى الرجل الذي يتم التحرش به من قِبل النساء على أنه ضعيف، كما يقول بأنه غالبًا ما يتم التحفظ عن ذكر ظاهرة تحرش النساء بالرجال، لأنها من المواضيع التي لا يرغب أفراد المجتمع السعودي بالتحدث عنها تماشيًا مع العادات الاجتماعية.
من جهته، قال المدير العام لمركز التسوق، ريان قدوري، بأن اللقطات التي تم استخراجها من كاميرات المراقبة تدعم تمامًا ادعاءات الرجال بالتحرش، وأضاف بأنه تم تسليم أشرطة الفيديو إلى الشرطة للتحقيق بالأمر.
تسببت المضايقات المزعومة بضجة بين المتسوقين في المركز التجاري، حيث أعرب الكثيرون لصحيفة سعودي جازيت بوجوب معاقبة النساء المتحرشات بعقوبات أشد ليكون ذلك رادعًا لباقي النساء، وأشار معظم الرجال الذين تمت مقابلتهم بأن تحرش النساء بالرجال هي فكرة غريبة، وفي أفضل الأحوال، خطوة غير متوقعة.
“إذا تصادف وتعرضت لأي مضايقة أو تحرش من إحدى النساء، سأكمل في طريقي، ولن ألقي أي اهتمام لتلك المرأة” يقول شادي مدني، وهو شاب سعودي عازب في العشرينات من عمره، وشاركه بذلك الرأي الشاب عبد العنزي الذي قال: “سأولي ظهري لها، وأبتعد في طريقي”، ولكن ردة الفعل لم تقتصر على التجاهل لدى أحد الشبان السعوديين الذي أشار في تغريدة له على تويتر، بأنه في حال تعرض لأي مضايقة من أي امرأة، فسيقوم فورًا بالإبلاغ عنها للهيئة، وهي الشرطة الدينية سيئة السمعة في السعودية.
“المرأة تتحرش بالرجل لفظيًا لإغرائه عاطفيًا، خاصة إن كان الرجل وسيمًا”، قال أحمد مويدي، وتابع: “أحيانًا تقوم النساء بهذه الممارسات لمجرد المتعة، أو بهدف الابتزاز المالي، خاصة في ظل سهولة قيام الفتاة بقلب الموقف تمامًا للادعاء بأن الرجل قد تحرش بها”.
من جهة أخرى، تقول ندى جمبي، إحدى النساء السعوديات، بأن “ظاهرة تحرش النساء بالرجال تهدف فقط لجذب اهتمام الرجال، كما أن تحقيق طموحهن بالزواج وبالحصول على علاقة جيدة بأزواجهن، قد تكون دافعًا للنساء للقيام بالتحرش بالرجال لفظيًا”.
بجميع الأحوال، لازال التحرش الجنسي الذي تتعرض له النساء والفتيات من قِبل الرجال ينوف بشكل هائل عن المضايقات التي يتعرض لها الرجال من النساء بالمملكة، فعلى مدى العامين الماضيين سجلت وزارة العدل في الرياض 4000 حالة تحرش جنسي بالنساء، وفقًا لتقرير نُشر في صحيفة العربي الجديد، رغم أن معظم حالات التحرش لا يتم الإبلاغ عنها.
وفي يوليو الماضي، انتشر مقطعا فيديو على نطاق واسع ضمن وسائل الاعلام الاجتماعية، يظهران حالتي تحرش بالنساء من قِبل الرجال في شوارع السعودية، وأثار المقطعان جدلًا حادًا وغضبًا عارمًا في المجتمع الذي يتبع قواعدًا دينية صارمة.
المقطع الأول، تم التقاطه في مدينة جدة أيضًا، خلال احتفالات عيد الفطر المبارك، يُظهر فتاتان يحيط بهما مجموعة من الشبان الذين يبدأون بالهتاف والصراخ والتحرش بهما، بالتوازي مع ارتباك الفتاتين وصياحهما الحاد الذي ظهر واضحًا ضمن المقطع.
الفيديو:
ويظهر الفيديو الثاني، حالة تحرش بمرأة تمشي في الطائف بمكة المكرمة، حيث يقوم شابان بالتعرض لها ومضايقتها، قبل أن يقوم أحدهما بالاقتراب منها وتلمسها، وهو الأمر الذي استثار ردات فعل غاضبة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انطلق هاشتاغ “وسم” تحت مسمى “#التحرش_بفتاة_الطائف” كُتبت ضمنه تعليقات حادة تصف غضب الجمهور، وتدعو لاستصدار قانون خاص بالتحرش الجنسي، خاصة في ظل أن الفتاة الضحية كانت بكامل لباسها الشرعي الأسود.
الفيديو:
https://youtu.be/5wS3TY4dQKc
في استطلاع وطني أُجري في عام 2014 من قِبل مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في الرياض، عزا 80% من المشاركين حوادث التحرش الجنسي في المملكة العربية السعودية لـ”سوك النساء الغزلي المتعمد”.
وجدير بالذكر أخيرًا، بأن المملكة العربية السعودية تتبع تفسيرًا متشددًا للغاية للشريعة الإسلامية، المذهب الوهابي، الذي يتم تطبيق أحكامه قسريًا من قِبل آلاف عناصر الشرطة الدينية المعروفين باسم المطاوعة.
المصدر: ديلي ميل وسعودي جازيت