تفتح القنوات التلفزيونية فتجد المحللين والسياسيين والمقدمين يتحدثون عن “الزطلة” القنب الهندي، تستمع لمداولات البرلمان فتجد النواب يناقشون موضوع “القنب الهندي”، تنظر لجلسات مجلس الوزراء فتجدها تخصص حيزًا زمنيًا مهمًا للحديث عن العقوبات الخاصة بـ “القنب الهندي”، تتصفح مواقع الوزارات تجد نفس الشيء، فرئيس دولة اتخذ هذا الموضوع سبيلاً لجذب ود الناخبين وأصواتهم، وكذلك أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني أيضًا.
أمام كل هذا يتخيل لنا أن “القنب الهندي” أو ما يعرف في تونس باسم “الزطلة” أصبح الشغل الشاغل للشعب التونسي ونخبته، كيف لا والجميع مهتم به، نسوا أو تناسو مشاكل التونسيين، بطالة الشباب، انقطاع التلاميذ عن الدراسة، مناهج تعليم المتدنية، نسب النمو الاقتصادي المنخفضة، تدهور مستوى المعيشة، الاحتقان الاجتماعي، والتفاوت الجهوي.. وغيرها الكثير.
لم يبق للتونسيين إلا مسألة “القنب الهندي” للحديث عنها والبحث عن حلول ليس للحد منها بل للتشجيع عليها، رئيس الجمهورية التونسية الباجي قايد السبسي اهتم هو الآخر بهذه المسألة وخصها بجزء هام من حملته الانتخابية الرئاسية السنة الماضية، غير أبه بمشاكل التونسيين العديدة والمختلفة، لم يكتف عند هذا الحد بل خصص لها كلمة أثناء مجلس وزاري بمناسبة حلول السنة الإدارية الجديدة 2016، حيث أكد خلالها أنه سيتم مراجعة العقوبات الخاصة بمستهلكي المخدرات في تونس.
السبسي قال إن المراجعة وتخفيف الأحكام ليس من باب التشجيع على استهلاك المخدرات بل بسبب التداعيات السلبية للقانون الحالي الذي أدى إلى انهيار مستقبل مستهلكي المخدرات، وحسب إحصائيات قدمتها جمعيات تونسية فإن هناك حوالي 100 ألف شخص مستهلك لمادة القنب الهندي “الزطلة”، و200 ألف مستهلك للحبوب المخدرة إضافة إلى 20 ألف مستهلك للمواد المحقونة في تونس.
وكانت وزارة العدل قد أكدت في وقت سابق أن مشروع القانون الجديد للمخدرات ينص في أحد فصوله على بعث لجنة وطنية للتعهد والإحاطة بمستهلكى المخدرات، وأشارت إلى أنه سيتم إعادة النظر في سياسة معالجة ظاهرة استهلاك المخدرات في تونس والإحاطة بمستهلكيها، وأشارت إحصائيات إلى أن نسبة المتعاطين للمواد المخدرة في تونس من الفئة العمرية بين 13 سنة و18 سنة تبلغ 57%.
إعادة النظر في القوانين، الإحاطة بالمستهلكين، واعتبارهم ضحايا، لماذا لم نسمع كل هذا في خصوص المعطلين عن العمل وأبناء الأحياء الشعبية والمناطق المهمشة، لم نسمع هذا في خصوص المنقطعين عن الدراسة الذي يفوق عددهم عشرات الآلاف سنويًا، في خصوص المشردين وأبناء الشوارع، يريدون تنقيح قوانين زجر مستهلكي المخدرات واستبدالها بأخرى في ظاهرها لحماية المستهلك من تأثيرها السلبي وفي باطنها مشجعة له على مزيد من الاستهلاك.
لم يخطر ببال قادة تونس والمشرفين على وسائل إعلامها وجود قرابة المليون عاطل عن العمل ينتظرون حلولاً لإيجاد مواطن شغل لهم، لم يخطر ببالهم وجود أكثر من مليوني شخص تحت خط الفقر يأملون في إيجاد رغيف خبز يسد رمقهم، لم يخطر ببالهم وجود 16 محافظة أو أكثر من أصل 24 تمارس في حقهم سياسات التهميش والتفقير.
الأمر ليس صدفة بل هي سياسة إعلامية بمقتضاها نشاهد في كل حلقة تلفزيونية ونسمع في كل برنامج إذاعي الجميع يتحدث عن الزطلة، حتى يصبح المشاهد والمستمع البسيط يعتقد أن الزطلة هي مشكلة البلاد الأولى، لم يراعوا الأطفال والقصر ولا الشباب المراهق الذي لم يسمع عن هذه المخدرات ولم يعلم عنها شيء، يريدون لهذه المسألة أن تستحوذ على تفكير الجمهور العام وأن يصبح لها أثرًا كبيرًا في التنشئة الاجتماعية، غايتهم ليست إيجاد حلول لهؤلاء الشباب الذين استهلكوا المخدرات، إنما هي غرس هذه الثقافة في عقول القصر، كان هم تونس الوحيد والأوحد المخدرات ومستهلكيها.