آن الأوان أن نقول لقد اقتربت النهاية، وباتت أيام المحتلين الغاصبين لأرض فلسطيننا الحبيبة معدودة، فذاكمُ شباب غزة، شباب حديث السن، عظيم الشأن، عرفناهم بعد أن ارتقوا شهداءً، أضحوا عمالقةً تشرئب لهم الأعناق فخرًا وزهوًا واعتزازًا، ترقب وجوههم الأعين، وتخفق لابتساماتهم وضحكاتهم الأفئدة، وتضرع لهم الألسنة بالدعاء والقبول.
سمحت القيادة العليا لكتائب الشهيد عز الدين القسام، وبأمر استثنائي مباشر من القائد العام “محمد الضيف” أبو خالد بالكشف عن أكثر الوحدات العسكرية سرية في كتائب القسام ألا وهي “وحدة الظل” ومع جلال الاسم وعلو المسمى، وبعد أن سطعت أشعة شمس النور لتكشف شيئًا من ظلال هذه الفرقة الخالدة، عانقت أرواح أفرادها مهج قلوبنا، وأشبعت بطولاتهم شوقنا لماضٍ من ملاحم الفداء والإباء، أضحت بتضحياتهم وجلال وعظمة آثارهم واقعًا نشهده، ونعاين أبطاله بأنفسنا، ونصافح وجوههم النيرة، ونعرف عظيم فعلهم بعد أن ارتقوا عظماءً شهداءً.
في ظلال هذا الإصدار المرأي لكتائب القسام والذي يأتي في هذا الوقت العصيب الذي يمر به قطاع غزة، نقرأ سويًا بعضًا من عديد رسائله ودلالاته، فرسالة القسام بداية رسالة وفاء لمغاوير وأشاوس وعظماء تلك الوحدة المجهولين، الذين اجتهدوا في أن لا يسمع بهم أحد، وضربوا مثلًا في الإخلاص والتفاني في إكمال دورهم، وإتمام جهادهم، دون طلب لشهرة أو سمعة أو رياء.
ورسالة فخر وعزة خاصة بأهل غزة حاضنة المقاومة وظهيرها الأول، فتلك هي غزة التي اعتقد الكيان الغاصب أنها انكسرت وركعت، ولكنها أثبتت وتثبت كل يوم أنها أهلٌ لأن يراهن عليها وعلى أصيل معدنها وكرم ونخوة أهلها.
أما الرسالة الأهم فكانت بمثابة لطمة على وجه أجهزة الموساد والاستخبارات الإسرائيلية، التي استطاعت لعقود من الزمن أن تخترق وتصول وتجول في كل عواصم الدول العربية “المستقلة وذات السيادة”، تقتل وتغتال كل من وضعتهم على قوائم مطلوبيها، بينما عجزت تلك الأسطورة الورقية المنتفخة كذبًا أن تخترق القطاع المحاصر المنهك، الذي تتنفس رمال شوارعه عوادم طائرات العدو و”زناناته” المحلقة ليلًا ونهارًا في سمائه، نعم لقد انتصرت المقاومة استخباراتيًا على أعتى الأجهزة الاستخباراتية في العالم، وما كان لذلك أن يكون لولا توفيق من الله بداية، واحتضان من حكومة رعت المقاومة وحمت ظهرها، إضافة إلى جهد دؤوب وعمل مؤسساتي احترافي ارتقت به كتائب المقاومة وأجهزتها المختلفة في متابعة وملاحقة عيون الاحتلال وأذنابه.
كما لا يخلو إصدار القسام من رسالة لجنود الاحتلال المنهارين معنويًا والهاربين لبلاد جنوب آسيا لتعاطي كل أنواع المخدرات والمهدئات خوفًا من نشوب حرب يكونوا حطبها، فرسالة القسام لهم أن انظروا فذا صديقكم “جلعاد” كان بيننا يأكل ويشرب ويضحك ويلعب، ويخرج بنفسه لحفلات الشواء على شاطئ بحر غزة، ثم يعود لأهله مقابل أسرانا الذين لا كانوا يجدون الملح ليأكلوه في سجون دولتكم “الديمقراطية”، أسرانا يعانون أقسى أنواع العذاب النفسي والجسدي في معتقلات كيانكم العفن، بينما يأبى إسلامنا أن نعامل أسراكم عندنا كما تعاملوننا حتى وإن أسرناهم فوق دبابات كانت تقتل براءة أطفالنا، وتغتال أحلام شبابنا، وهذا هو الفرق بيننا، فتلك رسالة لجنود الاحتلال إن نشبت حرب فكونوا جاهزين للاستسلام لا المقاومة، في حال وقعتم في كمين لمقاتلينا فلكم منا حسن المعاملة كأسرى حرب، تعودون لأهلكم إن قبل رؤساؤكم بكم مقابل أسرى لنا.
لا بد أيضًا أن يُقرأ الإصدار على أنه حجر ألقاه القسام ليحرك مياه القضية الغامضة الراكدة، ألا وهي قضية أسرى الاحتلال لدى المقاومة، فلازالت المقاومة تحافظ على التمسك بشروطها والتي وبمساندة من التصعيد النوعي لعمليات المقاومة في الضفة الغربية قد تطيح قريبًا جدًا بحكومة نتنياهو التي أثبتت عقمها في التعاطي مع العديد من الملفات الساخنة في الضفة والقطاع، فصفقة تبادل الأسرى أضحت ملحةً على دولة الكيان، وخاصة بعد تنامي الضغط الشعبي والمؤسساتي وارتفاع أصوات عائلات الجنود المخطوفين الذين يربوا عددهم حسب المحللين الإسرائيليين عن خمسة قد يكون بينهم جثث.
أما الرسالة الأخرى فهي للعمق العربي والإسلامي، رسالة مفادها أن الثقة التي وضعها العالم الإسلامي في مشروع المقاومة كانت وستظل في محلها لا يجب أن تتزعزع ولا أن يساور نفوس أصحابها الشك، فجيش المقاومة أضحى راشدًا واعيًا لا يعمل بالعواطف ولا تحركه النزعات والشطحات، فتلك وحدات المقاومة تعرف طريقها ومنهجها الواضح البين، ولا يجب أن يزايد عليها أحدٌ أو يقدح في شرف بندقيتها لاجتهاد اجتهدته أو رؤية لمصلحة تدرأ مفسدة لا يعلمها من لم يحط بخيوط المعركة وظروفها.
لا تفتئ المقاومة الفلسطينية تثبت نصاعة رايتها، وصفاء ونقاء ماء نبعها ومنبعه وروافده، فهي كانت ولاتزال فخر الأمة ورأس حربتها المتقدمة في الدفاع عن المقدسات والأعراض في أرض الملاحم والبطولات.
ورسالة أخيرة لا تقل أهمية عن سابقاتها، حبذا لو تصل لأولئك الدواعش من شواذ الآفاق والمتسلقين لشجرة الإسلام بزرع أشواك جهلهم وتعصبهم ودمويتهم التي شوّهوا بها صورة الإسلام بنقائه وصفائه وإنسانيته، وانحرفوا بأفعالهم الفجة المنفرة عن سماحة الإسلام ووسطيته ورحمته التي تتناسب مع طبيعة المقام، وكذا أنفته وشدته التي تظهر عندما يطلبها الميدان، فهذا هو إسلامنا وهذه هي أخلاق رجال المقاومة الصحيحة الواضحة النقية، فرسالتنا رسالة سمو وعلو تحدث في النفوس ما لا تحدثه “العنتريات” الفارغة وتنطعات “التكفيريين الجدد” التي تضر أكثر مما تنفع.