مر عام جديد على فلسطين المحتلة، ولا زال الاحتلال الإسرائيلي يُمارس على الشعب الفلسطيني أحط أنواع العذاب رافضًا تمامًا أن يمحى من الذاكرة إرهاب متمثلٌ في دولة عنصرية ترتكب شتى ألوان الجرائم دون رادع دولي أو إقليمي، لنظل نحصي للتاريخ ما يحدث لشعبنا الفلسطيني العربي المحتل سنة بعد سنة حتى يهلك هذا الاحتلال أو نهلك نحن.
اعتقالات عشوائية
شهد عام 2015 حملة اعتقالات إسرائيلية واسعة مورست ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وتعتبر تلك الحملة هي الأعلى مقارنةً بالأعوام السابقة، حيث كانت نسبة اعتقال الأطفال هي الأبرز فيها بزيادة 72% عن عام 2014 ، إذ شهد العام اعتقال ما يقارب 6830 شخصًا بينهم 2200 طفل وقاصر، و57 سيدة وفتاة، بالإضافة إلى أكثر من 600 أسير إداري، منهم من أُفرج عنه ومنهم من بقي رهن الاعتقال، وذلك بحسب إحصاءات نادي الأسير الفلسطيني، ولفت النادي إلى اعتقال 120 فلسطينيًا بسبب نشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن نحو 700 شخص من بين الذين تعرضوا للاعتقال كانوا مرضى.
كما شهدت مدينة القدس وحدها اعتقال نحو 2260 مقدسيًا خلال العام المنصرم، 1200 منهم اعتقلوا عشية الأعياد الإسرائيلية، وكان 25 ممن جرى اعتقالهم قد ألقي القبض عليهم رغم إصابتهم بجروح خطرة، فيما ضم هذا العدد اعتقال نحو 212 سيدةً، إلى جانب اعتقال 1144 شابًا، و904 طفل، واحتلت القدس والخليل النسبة العليا في اعتقال الأطفال، هذا بالإضافة إلى إبعاد 5 أسرى مقدسيين محررين عن مدينة القدس، وإصدار 33 قرار اعتقال إداري بينهم 4 قرارات ضد أطفال، وذلك بحسب ما أوردته لجنة أهالي الأسرى المقدسيين.
أما حول أعداد المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية فقد بلغ 7000 مع نهاية 2015، 450 منهم معتقلًا إداريًا بقوا بدون محاكمة، إلى جانب تزايد كبير في استخدام أساليب التعذيب والتنكيل أثناء الاعتقال والاستجواب، حيث زادت نسبة تعذيب الفلسطينيين خلال العام 2015 200% عن العام الذي قبله بحسب دراسة أجرتها هيئة شؤون الأسرى.
هذا علاوةً على فرض غرامات مالية كبيرة بما يزيد عن 20 مليون شيكل على الأسرى في المحاكمات العسكرية، وكانت محافظة الخليل هي الأعلى في أوامر الاعتقال الإداري والتي بلغت نحو 500 أمر إدارى وحدها بخلاف باقي المحافظات.
قتل ممنهج
عشرات الفلسطينيين لقوا مصرعهم برصاص قوات الاحتلال خلال العام الماضي، وقد زادت أعداد القتلى منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في أكتوبر الماضي، حيث وقع نحو 142 شهيدًا في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، وتصدرت قائمة الشهداء محافظة الخليل، حيث راح 41 من أبنائها، وذلك بحسب دراسة أجراها مركز القدس لدراسات الشأن الفلسطيني الإسرائيلي، أما الأطفال الذي قضوا برصاص الاحتلال خلال تلك المدة فكانوا نحو 27 طفلًا، و45 شهيدًا دون العشرين، بالإضافة إلى 12 شهيدة، وقالت الدراسة إن نحو 24% من القتلى كانوا ضحية إعدام مباشر عبر إطلاق النار في المنطقة العلوية من الجسد بعد القدرة على السيطرة عليهم، و32% لحالات كان بالإمكان خلالها تفادي عملية القتل، هذا بخلاف مئات الجرحى الذين وقعوا خلال تلك الفترة.
اقتحامات للمسجد الأقصى
أما عن الاقتحامات الإسرائيلية التي تمت خلال عام 2015 على المقدسات والممتلكات الفلسطينية فأخذت زخمًا هي الأخرى، حيث أجرى المركز الإعلامي لشؤون القدس والأقصى إحصائية قالت إن أكثر من 14 ألف إسرائيلي أغلبهم من المستوطنين، وأفراد جماعات ومنظمات يهودية اقتحموا ساحات المسجد الأقصى في القدس المحتلة خلال العام الماضي، وقُسموا كالتالي: نحو 12256 مستوطنًا وقرابة 1056 عنصرًا من المخابرات الإسرائيلية، إضافة إلى 445 عسكريًا، ونحو 307 من الضباط الإسرائيليين، وغيرهم من موظفي سلطة الآثار الإسرائيلية.
هذا العدد اقترب من عدد المقتحمين للمسجد الأقصى في عام 2014 إذ قارب حينها من 15 ألف مستوطن وعناصر من الاحتلال، لكن انخفضت نسبة مشاركة الوزراء والشخصيات السياسية الإسرائيلية في المشاركة في اقتحامات عام 2015، وذلك بحسب المركز غير الحكومي المهتم بمتابعة التطورات في القدس والمسجد الأقصى، وعامةً فتلك الاقتحامات تتصاعد خلال موسم الأعياد اليهودية، وتسهلها الشرطة للمستوطنين.
أما مدن الضفة الغربية وقطاع غزة فتشهد اشتباكات عنيفة ومواجهات بين شبان فلسطينيين وقوات إسرائيلية، اشتعلت بدايةً من أكتوبر الماضي مع الاقتحامات الإسرائيلية المستمرة ضد المسجد الأقصى، حيث تعدت القوات الإسرائيلية على كل الانتفاضات والتظاهرات الرافضة لممارساته.
وتزامنًا مع الانتفاضة الشعبية الغاضبة بدأت إسرائيل في زيادة حظرها للنشاطات داخل المسجد الأقصى وبمدينة القدس ككل، كما بدأت في مداهمة الجمعيات الأهلية والخيرية ومكاتب القنوات والصحف الإعلامية وحتى المؤسسات التابعة للحكومة الفلسطينية، حيث تُصادر ممتلكاتها ويصدر قررات بإغلاقها، بالإضافة إلى هدم ومصادرة عشرات المنازل التي يمتلكها مقاومي الحجارة ومنفذي عمليات الطعن ضد جنود إسرائيليين.
وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون أعلن عن حظر نشاط مصاطب العلم والرباط في المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس، مطلع نوفمبر، بناء على توصيات من جهاز الأمن العام (الشاباك) والشرطة الإسرائيلية، وتم التصديق على القرار بمقاضاة كل من يشارك أو ينظم أو يمول أي فعالية تتعلق بنشاط المرابطين ومصاطب العلم في الأقصى، بتهمة خلق التوتر والمساهمة في اندلاع أعمال العنف والقيام بأعمال استفزازية بحق المصلين والسياح، وزعزعة السيادة الإسرائيلية.
كما أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن حظر الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر و17 مؤسسة أهلية تابعة لها، في نوفمبر الماضي، باعتبار أنها مؤسسات خارجة عن القانون، كما اقتحمت القوات الإسرائيلية العديد من المؤسسات التابعة للحركة الإسلامية من بينها مركز كيوبرس الإعلامي ومقر جمعية يافا، بالإضافة إلى مجمع ابن تيمية التعليمي، ومقر صحيفة صوت الحق والحرية، وموقع فلسطيني 48.
واقتحمت تزامنًا مع إعلان الحظر مؤسسات في مدينة رهط، شملت تفتيش مكتبة اقرأ الشاملة ومسجد الهلال، ومدرسة حراء لتحفيظ القرآن، ومكتب جمعية اقرأ لدعم الطلاب العرب، ومكتب مؤسسة النقب للأرض والإنسان، في مدينة بئر السبع، وكذلك منازل عدد من قادة الحركة في أم الفحم وكفر كنا ورهط ويافا، وقامت بتفتيشها وصادرت أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم وعدة ملفات، واستدعت الشرطة الإسرائيلية الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة، ونائبه كمال الخطيب، ومسؤول ملف القدس والأقصى سليمان أحمد للتحقيق، فيما قامت باعتقال مسؤول العلاقات الخارجية بالحركة يوسف عواودة.
في نفس الشهر، داهمت القوات الإسرائيلية مقر إذاعة “راديو الخليل” المحلية، في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، وسلمت إدارتها قرارًا يقضي بإغلاقها بدعوى التحريض، كما صادرت كافة معداتها، تلى ذلك بأيام مداهمة مقر إذاعة “دريم” في نفس المدينة، وتسليم الإدارة قرارًا بالإغلاق، ومصادرة معدات البث بتهمة التحريض هي أيضًا، واستمرت سلطات الاحتلال في هذا السيناريو، حتى أنهت العام الماضي بإغلاق مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية، بعد أن اقتحمته وحطمت بعض محتوياته ونهبت أخرى، وأيضًا لجنة زكاة مدينة بيت الرئيسية، التي صادرت محتوياتها أيضًا.
تشريعات عنصرية
أيضًا، سنت السلطات الإسرائيلية حزمة من القوانين والتشريعات العنصرية التي تضيق ذرعًا بالشعب الفلسطيني تعمدًا، وكان ذاك السبيل هو طريق آخر سارت فيه إسرائيل من أجل محاربة أبناء فلسطين متخذةً ستار قانوني في ذلك، لكنه ستار هين يخالف القوانين الدولية والإنسانية التي تحاول إسرائيل إظهار نفسها على أنها محترمةً لها، لكن الواقع أثبت العكس.
في يونيو الماضي، قدم الكنيست مشروع قانون يسمح بإعدام معتقلين فلسطينيين بحجة إدانتهم بعمليات قتل فيها إسرائيليون، وبتاريخ 21 يوليو، صادق الكنيست الإسرائيلي على قانون “رفع الأحكام بحق الأطفال راشقي الحجارة”، والذي يمنح السلطات الإسرائيلية إمكانية فرض عقوبات تصل للسجن من 10:20 عامًا على الأطفال راشقي الحجارة.
وفي أواخر يوليو الماضي صادقت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع الإسرائيلية على اقتراح “قانون الإرهاب” والذي يسهل على النيابة العامة وجهاز الأمن الإسرائيلي مهمة إدانة نشطاء دون الحاجة لوجود الشهود، في نفس الفترة صادق الكنيست على قانون التغذية القسرية للأسرى المضربين عن الطعام، بعدما أقرته الحكومة الإسرائيلية قبل شهر ونصف من المصادقة.
مطلع نوفمبر تمت المصادقة على قانون آخر يفرض عقوبة السجن الفعلي من عامين لأربعة أعوام على راشقي الحجارة من سكان مدينة القدس، بالإضافة إلى سحب مخصصات التأمين الوطني منهم وسحبها من عائلاتهم إذا كانوا أطفالًا، وإجبارهم على دفع تعويضات للإسرائيليين المتضررين، كما تسحب هبات التعليم من الأطفال كعقاب آخر لهم، وللأطفال سن قانون رابع يسمح بمحاكمة وسجن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 14 عامًا، وصادق عليه الكنيست أواخر نفس الشهر، بالإضافة إلى مصادقة اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع في 19 أكتوبر الماضي على مشروع قانون يمنح أفراد الشرطة حق التفتيش الجسدي حتى على عابري سبيل غير مشتبه فيهم وذلك بحجة مكافحة العنف.
ليصبح هذا غيض من فيض الإجرام الإسرائيلي منذ بداية الاحتلال مؤرخًا في عدة سطور للأجيال القادمة.