يبدو أن تصريحات رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، لم تكن بالدقة الكافية حيال توصيف معركة الرمادي مع تنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم “داعش”، فبالرغم من احتفالات الحكومة العراقية مبكرًا بما أسموه “تحرير الرمادي” من أيدي التنظيم، إلا أن كافة المعطيات الواردة من أرض المعركة تُشير إلى تواجد حقيقي للتنظيم في المدينة.
وعلى ما يبدو أيضًا فإن الانسحاب الذي أبداه التنظيم في بداية المعركة كان انسحابًا تكتيكيًا، ليعودوا مرة أخرى إلى المشهد في الرمادي بعدما اعتقد الجيش العراقي ومن خلفه الحكومة العراقية بأن المعركة مع التنظيم في المدينة أوشكت على الانتهاء.
نجح تنظيم الدولة الإسلامية في الأيام الأخيرة مع تجدد الاشتباكات بينه وبين الجيش العراقي في إلحاق خسائر فادحة في صفوفه بعدما أعلنوا في منافذهم الإعلامية الرسمية أنهم تمكنوا خلال يوم واحد فقط، من السيطرة مجددًا على أكثر من ثلاثين نقطة عسكرية في مدينة الرمادي ومحيطها.
لم تنكر القوات العراقية أن تنظيم الدولة الإسلامية عاد ليشن هجومًا عنيفًا على مقرات عسكرية للجيش في كافة أنحاء المدينة، حيث يستخدم التنظيم سلاح المفخخات والعناصر الانغماسية التي تفجر نفسها وسط هذه الثكنات العسكرية، وهو الأمر الذي ظهرت فعاليته بعد ذلك على الأداء العسكري للتنظيم.
وهو ما أكدته قيادة القوات العراقية التي قالت إنها تمكنت من تفجير ست مركبات مفخخة وقتل عدد مما أطلقوا عليهم “الانتحاريين” الذين يرتدون أحزمة ناسفة، وذلك بمشاركة مقاتلي العشائر في الحشد الشعبي، إضافة إلى إسناد من طيران التحالف الدولي.
الجيش العراقي الذي كان قد أعلن الأسبوع الماضي سيطرته على مدينة الرمادي يُعاني الآن من مفاجآت غير سارة تساهم في تراجعه، حيث بدا أن تنظيم الدولة الإسلامية لا يزال يحتفظ بأجزاء كبيرة ومهمة من محافظة الأنبار، ولعل أهمها مدينة الفلوجة التي تقع على بعد 50 كيلومترًا غرب بغداد.
يرى مراقبون أن الصورة غير مكتملة الآن في الرمادي من حيث عدم قدرة الجيش العراقي على حسم المعركة نهائيًا لصالحه كما روج في بداية الأمر، حيث أكدوا أن التنظيم كان يسيطر على مناطق واسعة بالفعل من المدينة، وقد خسر بعضها أمام تقدم القوات العراقية إلا أنه ما زال يقع تحت سيطرته الكثير لم يخسره.
الأمر هذا بث الرعب في نفوس حكومة بغداد، خوفًا من استعادة التنظيم لتوازنه مرة أخرى أمام القوات العراقية، حيث لجأ لفتح عدة جبهات مرة واحدة في المدينة، وهو ما دعا حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي لعقد اجتماع طارئ وضعت خلاله خطة لتدارك الموقف الميداني في الرمادي، بعد خشية استعادة التنظيم سيطرته على زمام المبادرة في القتال.
المجلس الوزاري الأمني العراقي يرى ضرورة مواجهة تحركات تنظيم الدولة الأخيرة في الأنبار لتأثيرها على سير المعركة بشكل واضح، وهو الأمر الذي أجبر المجتمعين على تبني خطة عاجلة لتدارك الأمور، من أجل إعادة السيطرة على المناطق التي بدأ التنظيم بشن هجماته عليها مما أدى إلى إرباك القيادة الميدانية في المعركة.
سيبدأ العمل بهذه الخطة العاجلة في الساعات المقبلة والتي تبرز أهم ملامحها في الاستعانة بالتحالف الدولي لتكثيف هجماته الجوية على معاقل التنظيم، كما تؤكد الخطة على إرسال تعزيزات عسكرية وقوات أمنية إضافية إلى المحافظة، مع توصيات لقيادة القوات ببدء وضع خطة هجومية على منطقة جزيرة الخالدية التي تضم مركزًا لقيادة تنظيم الدولة في المحافظة، هذه المنطقة التي تذخر بمقاتلي التنظيم، كما تُستخدم في التحرك من خلالها لشن الهجمات المتفرقة على أطراف المدينة.
الحكومة العراقية سخرت كل إمكانياتها عقب اجتماع العبادي الأخير لحسم هذه المعركة مهما كلف هذا من ثمن، بعدما تصاعدت الأصوات العسكرية الداخلية التي تتهم الحكومة بعدم وضع إستراتيجية لمواصلة القتال داخل المدينة، إذ إن المعركة بدأت بتقدم ملحوظ للقوات العراقية أعقبه سيطرة على المجمع الحكومي وسط الرمادي، دون وجود أي رؤية للخطوة القادمة.
وهذا ما يراه البعض السبب الرئيسي وراء استفاقة تنظيم الدولة الإسلامية، بالإضافة إلى الإشارة أن التوصية بزيادة التنسيق مع التحالف الدولي تعني بأن المعركة بدأت بتنسيق ضعيف مع قيادة قوات التحالف الدولي، وهو ما أعطى فرصة أيضًا لترتيب أوراق التنظيم أكثر فأكثر.
هذه الخطوات الجديدة التي تحاول الحكومة العراقية الحفاظ بها على مكتسبات المعركة يرى ميدانيون أنها لن تجدي، خاصة مع غياب دور العشائر في الإمساك بالأراضي المحررة في الرمادي، إذ إن الجيش لن يستطيع التقدم في المعركة وفي نفس الوقت الانشغال بتأمين المناطق المحررة، فقد ذكر البعض منهم أنه في حال استمرت هذه الخطط العراقية الضعيفة فإن احتمالية سيطرة التنظيم على المدينة مرة أخرى لا تزال قائمة.
تظهر شراسة المعارك وصعوبة تقدم القوات العراقية أمام مقاتلي تنظيم الدولة بصورة جلية في القتال الدائر بمناطق السجارية والصوفية شرقي الرمادي، حيث المعارك مستمرة منذ قرابة اليومين، دون وجود أية بوادر على إحراز تقدم على التنظيم في هذه المناطق، وهو ما يعني بكل وضوح أن معركة الرمادي لم تنته بعد، على عكس ما يُصرح به جهاز مكافحة الإرهاب عن قرب تحرير مدينة الرمادي بشكل كامل.
على الجانب الآخر يبحث تنظيم الدولة عن صدمة للقوات الحكومية لمحاولة استعادة زمام المبادرة في القتال، حيث إستراتيجية الإشغال في أكثر من محور، وهي إستراتيجيات حرب العصابات التي تقف أمامها الجيوش النظامية عاجزة، في الوقت الذي تبحث فيها الخطط العراقية الجديدة عن حل لهذه الأزمات في معركة تحرير الرمادي.