ترجمة حفصة جودة
كيف تصنع فيلمًا عن الوحدة بحيث لا يكون قاتمًا ويائسًا؟ إنه موضوع مهم بصورة كبيرة فقد وصل إلى نسب مرضيّة في بريطانيا للدرجة التي عرفت فيها أنني يجب أن أصنع فيلمًا، وبشكل ما يجب أن أصنع فيلمًا يحب أن يشاهده الناس لا أن يهربوا منه.
المشكلة كما أعتقد أننا جميعًا بدرجة ما نخاف الوحدة، أن نكون وحيدين وأن نُترك وألا نكون محبوبين ولا يحتاج إلينا أو يهتم بحالنا أحد، تصطدم الوحدة بنقطة الخوف داخلنا حتى لو لم نعرف ذلك، فمنذ عام انطلقت في البحث عن أشخاص لديهم الشجاعة الكافية للاعتراف والتحدث عن مدى شعورهم بالوحدة، لكنني كنت أبحث عن أشخاص تُقدم قصصهم بعض الأمل إما لأنهم وجدوا طريقة للتعامل مع الوحدة أو أن لديهم في حياتهم ولو بشكل صغير ما يخفف وحدتهم.
ما وجدته مهمًا أيضًا هو أنه تجاوز كبار السن، لقد أصبح مرض الوحدة يصيب الناس من جميع الأعمار، فهو يعتبر مشكلة كبيرة للشباب والأشخاص في منتصف العمر مثلما هو مشكلة لكبار السن.
أتمنى بعد الانتهاء من “عمر الوحدة” أن أستطيع تحديد عشرة أسباب رئيسية للوحدة في هذه الأيام وعشر أشياء رئيسية تساعدنا في حل المشكلة، لكن الأمر معقد، فمن الصعب أن تفعل شيئًا للأشخاص الوحيدين لأنهم لا يعترفون غالبًا أنهم وحيدون ويحتاجون للمساعدة.
لم نشعر بالوحدة الشديدة؟ لقد تغير المجتمع؛ فالقرى والمدن والمجتمع المحيط أصبح مختلفًا، لقد ابتعدنا عن شبكاتنا الداعمة للعمل والتدريب أو للكليات والجامعات، وإذا كان لدينا أطفال فعادةً لا نكون بجوار أقاربنا، قد تكون مرافقة الرضع والأطفال الصغار ممتعة لكنها قد تشعرنا أيضًا بالوحدة، ومع ارتفاع نسب الطلاق يصبح الكثيرون بلا رفيق يشاركهم باقي حياتهم، أما فقدانك لوظيفتك أو الحاجة للانتقال باستمرار للعمل يجعلك بلا جذور.
تُعتبر الصحة النفسية عاملاً مهمًا في الشعور بالوحدة أيضًا، ففي الفيلم تتحدث كريستين ومارتين وإيان ببلاغة عن العيش في عزلة مع وجود مشاكل نفسية والحلول المختلفة لذلك.
بالطبع مع التقدم في العمر وحتى مع وجود شريك فإن أحدنا سوف يموت وسيقضي الآخر ما يُسمى بـ “سنوات الغروب” وحيدًا، في العمر الذي استطعنا أخيرًا أن نتدبر فيه أمورنا معًا.
يبدو هذا كله قاتمًا، لكن ما زال هناك بصيص محدود من الأمل، ما اكتشفته في السنة الماضية كانت شبكة ضخمة ورائعة من المؤسسات الخيرية والمتطوعين، أشخاص يتحدثون في الهاتف مع من يشعرون بالوحدة ويقوم آخرون بتنظيم الحفلات لهم، وهناك من يزورهم ويعقد صداقات معهم، وهناك من ينظم المجموعات للخروج في نزهة، عندما ترى مدى الاختلاف الذي يحدث في حياة أحدهم بسبب أشياء صغيرة مثل كوب من الشاي أو محادثة تشعر بالرغبة في أن تشاركهم في الحال.
لقد تعلمت الكثر من الرائع بوب – 93 عامًا – والذي كان يتوقع أن يشعر بالوحدة لبقية حياته بعد رحيل محبوبته كاث وبالرغم من شعوره الكبير بالراحة لوجود رماد محبوبته بجواره إلا أنه بدأ بالتطوع مما أعطاه سببًا وهدفًا للقيام من سريره، لا ينكر بوب مدى شعوره بالوحدة ولكنه يبذل ما في وسعه ليستطيع الاستمرار.
تجلس أوليفا – 100 عام – هنا يومًا بعد يوم، ترغب في أن يتحدث إليها أحدهم، أفضل ما في حياتها حفلة الشاي الشهرية التي يجتمع فيها أشخاص وحيدون تتجاوز أعمارهم 75 عامًا، لكنه أيضًا يعطي أملاً للشباب الوحيدين مثل كايلي والتي تقول إنها كمتطوعة تخرج كثيرًا لتقابل أشخاص مثل أوليفا.
يجد بعض الرجال صعوبة في التحدث عن مشاعرهم لذا كان رائعًا أن يرغب ريتشارد – 72 عامًا – في الوقوف أمام الكاميرا والتحدث عن شعوره بالوحدة عقب وفاة زوجته، يقول ريتشارد “الوحدة تخيفني أكثر من الموت واحتمالية العيش لعشرين عامًا أخرى ترعبني كثيرًا”،لقد دفعوه بالقوة لموعد على الإنترنت بالرغم من اعترافهم بأن نسبة نجاحه ضئيلة، وبالرغم من أنه يمتلك ثروة ولديه عائلة كبيرة إلا أنها لا تملأ هذا الفراغ في حياته.
هذا ما أسمعه مرارًا وتكرارًا فالكثير من الأشخاص في مختلف الأعمار يفتقدون شخصًا يشاركهم “اللاشيء”، شخصًا يجلس بجوارهم ويتحدثون بلا حراك، يشعر جزء مني بأننا يجب أن نتدرب على الاستمتاع بالوحدة أكثر، أو ربما يجب علينا أن نحاول بشدة الإحسان للآخرين ومحاولة خلق شبكات داعمة أخرى بديلاً عن الشبكات التقليدية التي فقدناها.
المصدر: الغارديان