ترجمة وتحرير نون بوست
نمط الضربات الجوية الذي تنفذه روسيا ضمن الداخل السوري يشير إلى أنها تعد “خطة بديلة” لاستعمالها في حال إخفاق النظام السوري باستعادة السيطرة على سورية، واضطراره للتراجع إلى جزء من الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة على طول شاطئ البحر الأبيض المتوسط.
“الخيار الثاني لروسيا يتمثل بالانكفاء إلى الأجزاء المفيدة والتي يمكنها الدفاع عنها في الداخل السوري، بعد ضمان سلامة الكانتون العلوي”، كتب جوزيف باهوت، وهو باحث زائر في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، حول روسيا في مدونة مركز كارنيغي حول “الأزمة السورية”، وتابع موضحًا: “لعل هذا الخيار هو موضع نظر حقيقي لدى القيادة الروسية، كون غالبية الضربات الجوية الروسية تركز على حدود هذا الكانتون”.
منذ تدخلها نيابة عن الرئيس السوري بشار الأسد في أواخر سبتمبر، استخدمت روسيا الضربات الجوية لخلق منطقة عازلة ما بين الأراضي التي يسيطر عليها الثوار في محافظة إدلب الجنوبية والمقر التقليدي للطائفة العلوية في محافظة اللاذقية، كما استهدفت الغارات الجوية أيضًا الأراضي التي يسيطر عليها الثوار شمالي محافظة حمص على حدود ما يسمى بالكانتون العلوي.
الضربات الجوية الروسية على سوريا ما بين 18 و 27 ديسمبر 2015
“بناء على مواقع غالبية الضربات الجوية الروسية ومواقع قتال الجيش السوري، فإن النظام وموسكو يحاولان تأمين ما يسمى بـ (أرض الأسد) أو (علويستان)”، قال بوريس زيلبرمان، الخبير الروسي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، لصحيفة البزنس إنسايدر يوم الخميس، في إشارة إلى المصطلح الذي استخدمه خبير المؤسسة توني بدران لوصف الجيب العلوي في اللاذقية، وتابع قائلًا: “يحاول النظام السيطرة على الأراضي التي يعتقد بأنه قادر على الحفاظ عليها بمساعدة القوة الجوية الروسية، التي تحاول أولًا وقبل كل شيء تأمين النظام”.
نظام دولي جديد
من المؤكد أن قوات الأسد، بالتعاون مع الغطاء الجوي الروسي، لا تزال تقاتل لاستعادة السيطرة على المدينتين الأكثر رمزية والأهم من حيث الموقع الإستراتيجي في سوريا، وهما دمشق، العاصمة التي كان الثوار يرونها منذ فترة طويلة كمفتاح لكسب الحرب، وحلب، ثاني أكبر مدينة سورية وأهم مركز حضري في الشمال السوري.
ولكن حتى لو استطاع النظام انتزاع حلب ودمشق من يد الثوار، فإن المحافظة على سيطرته على هاتين المدينتين يتطلب التزامًا كبيرًا سواء لجهة التمويل أو لجهة القوى العاملة على الأرض.
الجيش السوري كان مرهقًا، يعمل فوق طاقته، ويقترب من نقطة الانهيار قبل التدخل الروسي الذي ساعده في استعادة بعض الأراضي؛ لذا فمن المرجح أن تتم إعادة هيكلة كامل مؤسسة الجيش السوري، أو قد تضطر روسيا لتكريس قواتها البرية، بغية تحصين دمشق وحلب، في حال استعادتهما، من الهجمات المضادة التي ستستمر غالبًا طالما بقي الأسد في السلطة.
مقاتلو جيش الإسلام وهم يحملون أسلحتهم في الغوطة الشرقية في دمشق، 6 مايو 2015
بجميع الأحوال، فإن ترسيخ السيطرة الروسية في “المحمية” الواقعة بغرب سوريا، وهي المنطقة التي يسيطر عليها النظام وتسود ضمنها طائفة المسلمين الشيعة الموالين لعائلة الأسد، من شأنه أن “يظهر الواقع الملموس لمفهوم موسكو حول النظام الدولي الجديد”، كتب مارك بيريني، الباحث الزائر في جامعة كارنيغي، والسفير السابق في الاتحاد الأوروبي، في مقالة بصحيفة حريات التركية، وتابع قائلًا: “علاوة لضمها المفاجئ لشبه جزيرة القرم، وهيمنتها على شرق أوكرانيا، تعمل روسيا اليوم على تأسيس (أرض الأسد)، وبذلك، فإنها تظهر لبقية العالم بأنها قادرة على إعادة تعريف النظام الدولي، أو على الأقل بأنها تتمتع بالشجاعة للعبث وإفساد هذا النظام”.
أهون الشرور المطروحة
يشير مارك جاليوتي، الخبير في الشؤون الروسية وأستاذ الشؤون الدولية في جامعة نيويورك، بأنه في الوقت الذي لا تشكل فيه (أرض الأسد) أو (علويستان) خيار الكرملين الأول، إلا أنه “أهون الشرور المطروحة” بالنسبة لروسيا.
“هذا لا يعني بأن موسكو ستكون سعيدة بوجود دويلة علوية، ولكن هذا الخيار هو الأوضح والأوحد عندما تفكر بخياراتها التراجعية، وذلك في حال عدم تحقيقها لغاياتها المتمثلة بتحقيق فوز كاسح في دمشق”، قال جاليوتي لصحيفة البزنس إنسايدر يوم الجمعة، وتابع: “بالنظر إلى أن الروس ليسوا ساذجين ليعتبروا بأن تحقيق طموحاتهم في سوريا هي مسألة محسومة، أو حتى محتملة، فلا بد أن يكون لديهم بدائل مطروحة قيد النظر”.
وأضاف: “علويستان المتجانسة اقتصاديًا وسياسيًا والقابلة لحماية حدودها، تشكل خيارًا يضمن للروس حليفًا موثوقًا في المنطقة، وتشكل أيضًا منطقة موحدة قابلة للإدارة ويسهل دعمها وإبرازها”.
ملصق على خلفية أحد الميكروباصات العاملة على خط القرداحة – اللاذقية يظهر صورة الأسد وبوتين ونصر الله
خيار الدويلة العلوية سيكون مقبولًا أيضًا بالنسبة للأسد، فهذه الدويلة المؤسسة في الغرب ستحافظ على خطوط إمداد النظام مع شريكه الرئيسي في لبنان، حزب الله، فضلًا عن أنها ستصبح مركزًا محتملًا للطاقة على شواطئ شرق البحر المتوسط.
ولكن هذا “الحل” لن يكون مقبولًا على الأرجح من قِبل الأطراف الداخلية السورية التي يهمين عليها السكان السنة، والتي تقاتل منذ حوالي 5 سنوات بغية خلع الأسد من السلطة، أو قتله كخيار آخر، وعلاوة على ذلك، وكما يقول زيلبرمان، “وجود معقل للأسد على طول الساحل السوري سيستمر بكونه أداة تجنيد هامة للجهاديين”.
بالتزامن مع بدء المفاوضات حول مستقبل سوريا التي من المقرر أن تباشر في أواخر يناير بوجود ممثلين عن الأسد على طاولة الحوار، يمكن أن تشكل فكرة تقسيم سوريا بطريقة من شأنها حماية الأسد وعائلته وضمان وجود روسيا المستمر في المنطقة، جزءًا من التفاوض على المدى الطويل لـ”حل” النزاع.
“إذا كنت جزءًا من النظام السوري، أو داعمًا له، ألا تبدو هذه الفكرة منطقية” تساءل زيلبرمان، وتابع موضحًا: “إذا استطعت الخروج من هذه الأزمة وأنت تحتفظ بدويلة يمكن للأسد أن يحكمها في المستقبل، تكون حينها قد ظفرت بالحرب”.
المصدر: بيزنس إنسايدر