التربية داخل جماعة الإخوان المسلمين لها مميزات عديدة من اكتساب الخبرات وتعلم الكثير من مناحي الثقافة الشرعية والسياسية والمهارية، لكن يبقى لها عيب لا يكتشفه الفرد الإخواني إلا إذا ابتعد قليلاً عن التنظيم أو اضطرته الحاجة إلى الاندماج في بيئات اجتماعية أو ثقافية مختلفة.
فالمجتمع الإخواني منغلق إلى حد كبير على نفسه رغم مخالفة ذلك لمبادئ الإمام البنا ومن قبله لمبادئ الإسلام ذاته حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم إن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس.
فمجتمع المدينة المنورة الأول وهو يعتبر المثال المحتذى به كان يندمج فيه بلال الحبشي مع صهيب الرومي مع أبى بكر القرشي ويندمج فيه الموالي مع السادة، بل ويعيش فيه جنبًا إلى جنب المسلم مع اليهودي وفق مبادئ من العيش المشترك أسسها الرسول في معاهدة عند وصوله للمدينة، وكان الإسلام نموذجًا في صهر الثقافات والأديان؛ فهو يسمح للمسلم أن يتزوج النصرانية أو اليهودية ليفتح آفاقًا في العيش المشترك وسعة قبول الآخر لم يعرفها أي دين أو حضارة غير الإسلام.
وحتى لا نغرق في ضرب الأمثال نلج إلى لب الواقع المعاش داخل المجتمع الإخواني خاصة بعيد التأسيس الثاني في نهاية السبعينات سنجد أن ثقافة تفضيل الزواج من المجتمع الإخواني مرورًا بالصداقة والأقران الصالحين “الإخوة ” وقطع الصداقات قبيل الالتزام مع الإخوان من غير الملتزمين وحتى انحسار دائرة الملتزمين في الإخوان المسلمين بعيدًا عن الملتزمين من أبناء الجماعات الأخرى وصولاً لإنشاء المدارس الإخوانية التي تربي النشء الإخواني داخل المجتمعات النموذجية الإخوانية.. إلخ من مظاهر الانغلاق، شكل كل ذلك بوعي أو بدون وعي ثقافة تربى عليها جيل كامل من الإخوان المسلمين.
صحيح أن هذا الأمر لم يكن على إطلاقه، فتجربة مثل العمل النقابي المنفتح في التسعينات كانت لها إضاءات مشرقة في الانفتاح على المجتمع لكن في عموم التجربة كانت هناك حاضنة أو حضانة كما يسميها البعض أو شرنقة كما يقول بعض الشباب تربى عليها الكثير من أعضاء التنظيم شبابًا ورجالاً ونساءً وأطفالاً.
ثم جاءت الثورة لتلقي حجرًا كبيرًا في مياه المجتمع الإخواني الراكدة وتدفع الكثيرين لقناعة بوجوب كسر الشرنقة الإخوانية والانفتاح على الآخر، وأصبح شعار الانفتاح على المجتمع أحد أدبيات الإخوان في مرحلة ما بعد ثورة يناير تخطيطًا ورؤية، ولعل بعض الممارسات السياسية قد توحي بذلك التوجه كانتخابات 2012 البرلمانية والتي حاول الإخوان إشراك شخصيات ليبرالية أو مسيحية أو قومية على قوائم التحالف الذي كان يتزعمه الإخوان.
لكني في الحقيقة لست بصدد تحليل الأمر سياسيًا وسوق الأمثلة عليه ودراسته سلبًا أم إيجابًا، لكني أنظر من ناحية الشخصية الإخوانية والتي كانت تسعى لكسر الحاجز غير المرئي بينها وبين المجتمع وهي تقاوم ثقافة انغلاق تربت عليها لسنوات.
ثم كانت صدمة المجتمع الإخواني في شخصيات وهيئات من ناحية، ثم تعرض هذا المجتمع لأكبر حملة تشويه عرفها الإخوان منذ عهد عبد الناصر وأزعم أنها الأشد في تاريخ الإخوان من بداية الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى مارس 2011 مرورًا بحرق المقرات والتخوين من رفقاء الثورة قبيل وأثناء حكم الرئيس مرسي وصولاً للمذابح الجماعية وحملة الاعتقالات والتهجير وانتهاك الأعراض والحرمات بحق جماعة الإخوان وكل من ناصرها بعيد الانقلاب العسكري.
كانت صدمة المجتمع الإخواني عميقة للغاية دفعته قسرًا إلى الانغلاق مرة أخرى والتقوقع بداية من الشعارات كشعار رابعة والذي يعبر في أحد جوانبه عن توقف الزمن عند كثير من الإخوان عند تلك المذبحة المروعة والتي ما عرف التاريخ المصري شبيهًا لها من قبل، وعدم قدرته على تجاوزها أو حتى صور الرئيس مرسي وتمسك الإخوان بعودته مرورًا بنظرة التخوين والقلق والريبة والشك إلى أي مخالف لأراء الجماعة سواء من داخل الدائرة الإسلامية حتى ولو كان من الإخوان أنفسهم، ناهيك عن أن يكون من غير الإسلاميين وأصبح شعار الإخوان غير المكتوب كما يقال في الثقافة الدارجة “اللي اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي”.
ما أريد قوله وأنا أحد الإخوان المسلمين، لمن يرون منا تمسكًا بالرأي أو حدة في المواقف أو ريبة وحذر في التعامل “حنانيكم بنا فنحن قوم مجروحون، دمائنا لم تجف بعد وأهلينا وأحبائنا مازالوا خلف الأسوار، وما رأيناه من بعد الثورة مما سقت طرفًا منه يجعل الكثير منا يتحسس لكلمات المخالفين له كما يتحسس نصل سكين حاد، لا نقول لكم هذا هو الحق ودونه الباطل ولكن عودة الشخصية الإخوانية المنفتحة المتسامحة ستأخذ وقتًا مثلما سيحتاج المجتمع المصري وقتا حتى يتعافى من آثار أكبر انقسام في بنيانه سببه له هذا الانقلاب البغيض”.