ترجمة وتحرير نون بوست
يعاني الأطفال من تدني احترام الذات والوحدة وانخفاض مستويات السعادة كنتيجة لاستخدام الإنترنت كما تقول مجموعة دعم الطفل بالمملكة المتحدة.
خط الطفل، هو خط ساخن مجاني للاستشارات الخاصة للأطفال والمراهقين حتى عمر 19 عامًا، يقول إنه تلقى 35.244 اتصالاً في العام الماضي من أطفال يسألون عن كيفية أن يكونوا سعداءً.
وفي السنوات الأخيرة ظهرت مشاكل جديدة في شكل “تسلط شبكي على وسائل التواصل الاجتماعي” حيث الرغبة في التشبه بالمشاهير والسعي لتحقيق صورة “مثالية” كما يقول المتحدث الرسمي لخط الطفل.
تقول مايريد موندس مديرة خدمة الخط الساخن شمال أيرلندا: “من الواضح أن الضغط المبذول لمجاراة الأصدقاء والوصول لصورة مثالية على الإنترنت تُضاف الحزن الذي يشعر به كثير من الشباب بشكل أساسي يوميًا”، ويوضح خط المساعدة أن ضغوط الحياة الحديثة خلقت جيلاً من الأطفال يعانون من مشاكل تتعلق بالصحة النفسية.
على مدار 30 عامًا من عمر المنظمة يُعتبر هذا الاستياء العام ظاهرة حديثة؛ ففي الماضي كان إيذاء النفس واضطرابات التغذية أكثر المشاكل الشائعة من اتصالات الأطفال، أما الآن فقد ظهرت هذه القضايا التي تتعلق بالواقع الافتراضي والرقمي على الساحة.
على أي حال لقد أصبحت حياتنا الرقمية جزءًا كبيرًا من شخصيتنا وقد تركت جيلاً من الأطفال معرضًا لتأثيرات أكثر ضررًا بسبب عيش الحياة على الإنترنت.
تلاحق “البلطجة الإلكترونية” الأطفال كل ثانية من اليوم، وأصبح وهم الصداقة من السهل اختلاقه على الإنترنت بالضغط على “إعجاب” أو “متابعة” مما خلق وجودًا ينمو في الفراغ بشكل متزايد، وفي الوقت نفسه يصّعد من الضغط الذي يشعر به الشباب ليحافظوا على صورهم الرائعة على الإنترنت، خوفًا من التعرض للسخرية وإطلاق الأحكام.
لقد كان معروفًا لسنوات عديدة أنه من الصعب على البالغين أن يجدوا السعادة عبر الإنترنت، وفي عام 1998 وجد روبرت كراوت – باحث في جامعة كارنيج ميلون – أنه كلما زاد استخدام الأشخاص للإنترنت كلما شعروا بالوحدة والاكتئاب أكثر.
في الحقيقة بعد استخدام الناس الإنترنت لأول مرة انخفض شعورهم بالسعادة وترابطهم الاجتماعي عقب عام أو عامين كنتيجة مباشرة لمرات استخدامهم للإنترنت.
في عام 2010 كان هناك تحليلاً من 40 دراسة حول هذا الموضوع يقول: “لاستخدام الإنترنت تأثير صغير ولكنه ضار بشكل ملحوظ على سعادتنا بشكل عام”، وانتهت إحدى التجارب إلى أن الفيسبوك قد يسبب مشاكل في العلاقات بتأجيج مشاعر الغيرة بين الشركاء.
وحتى ذلك الوقت كنا ننظر إلى الإنترنت كمشكلة، لكن اليوم في عام 2016 هذا المستوى الهائل من الالتزام بالمشاركة في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي يضع البنزين بجوار النار، وفي عام 2015 كان هناك 20 موقعًا رئيسيًا يهتم حصريًا بتبادل المحتوى بين الأشخاص وبعضهم البعض، طبقًا لإحصاءات “استاتيستا”.
ويعتبر الانغماس الشديد في وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة يطلق عليها علماء النفس الاجتماعيين “المقارنة الاجتماعية”، فهي تفترض أننا نحدد قيمتنا الشخصية والاجتماعية على أساس تفوقنا على الآخرين، لذا فإننا نخمن مدى جاذبيتنا أو مهارتنا أو نجاحنا وذلك بعرض أفكارانا الخاصة عن أنفسنا ونطلب من الآخرين أن يوافقوا أو يرفضوا هذا التخمين.
يؤمن بعض علماء النفس مثل ليون فيستينجر بأن رغبتنا في مقارنة أنفسنا مع الآخرين تتساوى من الشعور بالجوع والعطش، هذا الشيء أعرف أنني أشعر به عندما أتوقف عن مراجعة حسابي على إنستجرام لعدة أيام.
على كلٍ فالاختلاف هنا أن معظم البالغين كانوا يعيشون قبل وجود الإنترنت، وكانت العلاقات بين الأشخاص وقوة الصداقات تتحدد بمدى بُعد شخص ما عن منزلنا.
بالطبع هناك مضايقات وإساءات في الواقع الحقيقي، عانيت منها مرات عديدة شخصيًا، لكنك كنت تستطيع تجاوزها بالخروج من المكان الذي يحدث لك فيه ذلك، ولا يملك الأطفال اليوم تلك الرفاهية حيث تتواجد الهواتف الذكية معهم في كل مكان يذهبون إليه.
وكجزء من تدريبي كمعالج نفسي فقد درسنا ثلاثة أنواع من المقارنات تعرضنا لها: تقييم الذات، تنمية الذات، وتعزيز الذات.
عندما نقيم ذواتنا نقوم بجمع المعلومات عن أنفسنا ونقارن مميزاتنا مع الآخرين مثل مدى سرعتك كعدّاء، مقارنات تنمية الذات تُستخدم لنتعلم كيفية تحسين صفات معينة أو في حل المشكلات (مثال ذلك: كيف أستطيع أن أتعلم منها أن أكون أكثر جاذبية)، يأتي دور التعزيز الذاتي عندما نعتقد أن الأشياء من حولنا أقل من أن تساعدنا في الحفاظ على صورة أكثر إيجابية لأنفسنا، فمثلاً يبدو مظهر هذا الشخص جيدًا لكنه أحمق، هذا التعليق يُعتبر أمرًا مصيريًا في كيفية تشكيل قاعدة صلبة للشباب لكيفية التعريف بأنفسهم.
وكأشخاص بالغين فإن معظمنا قد طوّر من صلابة ذاته بما يكفي لمواجهة سيل من الفرص التي قد نرى فيها أنفسنا بصورة سلبية عندما ننظر للآخرين على مواقع التواصل الاجتماعي، أما الأطفال فلم يتعلموا بعد تلك المهارة، إنهم بالكاد يبدأون رحلتهم الملحمية في محاول اكتشاف “من أنا بحق الجحيم؟”.
القصة منذ البداية – مع المحتوى الذي نراه وتفاعلنا على الإنترنت – تشكلت من كيفية مقارنة النسخ الذاتية لنا وراء الكواليس مع النقاط البارزة للآخرين. هناك بعض الأدلة التي تقول إن الشباب يحاولون التأقلم مع الضغوط التي يواجهونها.
في نوفمبر من العام الماضي، كانت آخر عبارة كتبتها المراهقة الأسترالية إيسينا أونيل قبل مغادرة الإنتستجرام: “أنها كانت تحاول أن تفتعل الكمال للحصول على الاهتمام” وذلك بعد أن وصلت إلى 612.000 متابع على الإنستجرام لنشرها صورًا مُلتَقطة بحرفية عالية.
في الصيف الماضي كشفت مجلة “إيل” عن اتجاه الفتيات في المدارس إلى إنشاء حسابات خاصة حقيقية لهم كطريقة للتعبير عن شخصيتهم الحقيقية بعيدًا عن تلك الموجودة علنًا على الإنترنت.
نتائج هذا الضغط أصبحت واضحة جدًا عندما قامت وسائل الإعلام بتسليط الضوء على حياة نجمة الأغاني السابقة بجامعة بنسلفانيا “ماديسون هوليران التي توفيت فجأة في بداية العام الماضي، ما وجدوه كان صفحة إنستجرام مميزة تُخفي وراءها شابة تعاني من اكتئاب عميق.
في دراسة حديثة أجرتها منظمة “جيرل سكوتس” قالت حوالي 74% من الفتيات إن معظم الفتيات يحاولن أن يبدوا مظهرهن ألطف على مواقع التواصل الاجتماعي .
وإذا كان الأطفال بعمر الثانية عشر في حاجه لخلق مجموعات معقدة من الهويات المنفصلة فقط ليبقوا على قيد الحياة في عالمنا الرقمي فإن تقارير مثل تقرير خط الطفل ستكون في طريقها لتصبح شائعة بشكل محزن.
يحتاج أطفالنا لدعمنا أكثر من أي وقت مضى.
المصدر: ذا نكست ويب