آخر تحديث اليوم 12/1
يترأس الجهاز المركزي للمحاسبات في مصر المستشار، هشام جنينة، الذي تم تعيينه رئيسًا لهذا الجهاز في عهد الرئيس السابق محمد مرسي في العام 2012، ليصبح بذلك آخر المسؤولين المعينيين في هذا العهد الباقي في منصبه حتى الآن دون أن تطاله إقالة أو تغيير من قبل النظام الذي تولد عقب انقلاب الثالث من يوليو.
ومنذ ذلك الحين والجهاز في صراع مستمر مع أجنحة النظام الحالي، التي لا تكف عن اتهامه بالانتماء لجماعة الإخوان، وذلك بسبب إصراره على الحديث عن فاتورة الفساد داخل هذا النظام.
حيث بدأ الصراع مبكرًا مع جنينة لإقالته من جانب النظام، بالتضييق عليه تارة وبمحاولات لاستصدار قوانين تمكن النظام من تغييره قبيل انتهاء مدته القانونية، وذلك لعرقلته من أداء مهمته كرئيس لجهاز رقابي مهم.
الجهاز المركزي للمحاسبات في عهد هشام جنينة خاض معارك في جبهات شتى استعدت جميع أركان الدولة والنظام ضده، فأصبح البعض يتربص خروجه من منصبه في أقرب وقت، بعدما روجوا أن تقارير الجهاز عن الفساد المتوغل في الدولة هدفها إحراج القيادة السياسية لا أكثر ولا أقل.
لكن الجهاز في عهد جنينة يؤكد أن أجهزة الدولة الحالية بها تراخٍ شديد في التعاطي مع ملفات الفساد، حيث أنها لا تتعاون مع الجهاز لكشفه، كما أنها لا تتحرك لإيقافه، كما ذكر أن النيابة العامة حققت في أقل من 7% من الملفات التي بعث بها إليها، في حين حُفظ الباقي في الأدراج. ومن هنا بدأت دعاوى قضائية تظهر لإقالة رئيس الجهاز من منصبه علمًا بأن قانون الجهاز يحصن رئيسه هشام جنينه.
وصولًا إلى المناوشات الإعلامية المستمرة مع جنينة عقب كل تقرير يصدر من الجهاز، كانت آخر هذه المناوشات بسبب تقرير الجهاز الذي تحدث عن بلوغ حجم الفساد في مصر مؤخرًا إلى أكثر من 600 مليار جنيه، وهو رقم أثار الرأي العام المصري، ما دعى رئاسة الجمهورية للتدخل في شؤون الجهاز بقرارات وصفت بأنها غريبة وغير متعارف عليها.
حيث صدر قارار بتعيين نائبين لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وهما المستشار هشام عبد السلام حسن بدوي، ومنى صلاح الدين أمين توحيد، ومن المعروف جيدًا في الأوساط القضائية أن المحامي العام السابق لنيابة أمن الدولة، المستشار هشام بدوي، هو أحد الشخصيات البارزة في جناح أحمد الزند المعادي لتيار الاستقلال الذي ينتمي إليه جنينه منذ فترة حكم المخلوع مبارك، وأتبع عبدالفتاح السيسي هذه التعيينات بقرار تشكيل لجنة برئاسة رئيس هيئة الرقابة الإدارية وعضوية ممثلين عن وزارات (التخطيط، والمالية، والداخلية، والعدل)، والمستشار هشام بدوي، نائب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المعين حديثًا، لتقصى الحقائق ودراسة ما جاء في تصريحات المستشار هشام جنينه مؤخرًا.
هذا القرار الذي اعتبر استهدافًا لرئيس الجهاز شخصيًا حيث يعد وضعًا للجهاز الرقابي تحت رقابة لجنة معينة من الرئاسة دون مهام واضحة أو محددة، علاوة على أنها ليس لها أي سند قانوني للتدخل في أعمال الجهاز.
وهو الأمر الذي استدعى خروج هشام جنينة للحديث إعلاميًا، حيث أوضح أنه حينما يتحدث لوسائل الإعلام عن الفساد، فإنه يتحدث بالوثائق والمستندات، وليست بالتخمين أو الآراء الشخصية، مؤكدًا أن ثمة حملة تشويه تمارس ضده من قبل جهات لم يسمها.
مراقبون يرون صراعًا مكتومًا بين الرئاسة وهشام جنينة، بسبب عدم رضا السيسي عن تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات الذي يترأسه جنينة، وقد فسر قانون “89” الذى أصدره السيسي ليبيح لنفسه إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، بأنه أحد تجليات هذا الصراع.
وذلك بمخالفة الدستور الحالي الذي تؤكد مواده، أن الهيئات الرقابية تحمل صفة “مستقلة” أى أنها بعيدة تمامًا عن إمكانية “إقالة رئيسها أو حتى موظفيها” من قبل السلطة التنفيذية.
خلافات الجهاز المركزي للمحاسبات ربما تكون أقل في حدتها مع الرئاسة إذا ما قورنت بغيرها من أجهزة الدولة، فالمصادر القضائية تؤكد أن وجود خصومة بين رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وبين المستشار أحمد الزند، وزير العدل الحالي، بالإضافة إلى موقف الجهاز المعلن من وزارة الداخلية بشأن مخالفات أراضى “الحزام الأخضر” وقضية رواتب وزارة الداخلية.
حيث قامت النيابة العامة بحفظ التحقيق فى تقرير قدمه الجهاز يتضمن مخالفات بأراضى “الحزام الأخضر”، الذى يحيط بالمدن الجديدة، وكذلك رفض وزارة الداخلية تقديم المستندات الخاصة بالرواتب والأجور والمكافآت التى يتقاضاها العاملون فيها، بحجة عدم تسريب هذه البيانات للعناصر الإرهابية.
أما في أمر الصراع مع وزير العدل الحالي ورئيس نادي القضاة السابق أحمد الزند فمتعلق بقضايا خاصة بالفساد المالي ضد الزند حين كان رئيسًا لنادي القضاة وقبل تعيينه وزيرًا، حيث يرفض الزند إتاحة الفرصة للجهاز لمراجعة أوجه الإنفاق بنادي القضاة، رغم أن النادى خاضع للرقابة بحكم القانون، ولكنه ممتنع عن التنفيذ، وهو الأمر الذي تلاه سلسلة من المشادات بين جنينة والزند تطورت إلى دعاوى قضائية متبادلة بينهما لم تنتهي بعد.
جناح آخر من أجهزة الدولة يخوض جنينة معه معركة قديمة، وهو جناح الأجهزة السيادية التي يُصر على القيام بدوره في الرقابة على الأنشطة التجارية التي تقوم بها وفي مقدمتها جهاز المخابرات العامة، خاصة بعد ورود تقارير تُثبت إن هناك أنشطة تجارية تقوم بها هذه الأجهزة بعيدًا عن أدورها الأمنية.
ومؤخرًا استدعى قاضي التحقيق المنتدب من رئيس محكمة استئناف القاهرة المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات لسؤاله بشأن الاتهامات الموجهة له بإهانة المستشار أحمد الزند وزير العدل على إحدى القنوات الفضائية في حين يؤكد قانونيون أن لهذا الاستدعاء أبعاد أخرى.
كما أحال النائب العام بلاغًا ضد جنينه، يتهمه بنشر أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالاقتصاد القومى إلى نيابة أمن الدولة لاتخاذ اللازم والتحقيق، وذلك بعد تصريحاته الأخيرة بأن الفساد عام 2015 تجاوز 600 مليار جنيه، وما تلاها من هجوم إعلامي صاخب من وسائل إعلام وإعلاميين موالين للنظام.
هذه الإجراءات الأخيرة ربما تقرأ في سياق تأديبي لرئيس أكبر جهاز رقابي في مصر، والتي لن تنتهي إلى شئ في النهاية من الناحية القانونية بسبب حصانة منصب جنينة، لكن يراها البعض محاولات لافتعال دوائر من المشاكل الصاخبة حول شخصية هشام جنينه حتى تنتهي مدته في شهر سبتمبر القادم، وهو ما سيمكن النظام من التخلص منه بكل سهولة دون اللجوء إلى إجراءات استثنائية.
بينما يرى هشام جنينه في تصريحاته لوسائل الإعلام أن كشفه لقضايا الفساد داخل أجهزة الدولة يأتي ضمن وظيفته وهو غير مسؤول بعد ذلك عن تحريك الدولة للاستجابة لتقاريره، أي أن هشام جنينه يتحرك الآن لحفظ ماء الوجه لا أكثر، مع كامل يقينه أن النظام الحالي لن يتحرك ضد الفساد رغم كثرة الوعود الرنانة في هذا الصدد.
فصل جديد:
أصدرت اللجنة المشكلة من قبل رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي تقريرها بعد التحقيق فيما أصدره رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينه من تقارير عن الفساد في الدولة المصرية، هذه اللجنة التي ربما جاءت كرد فعل غاضب من الرئاسة على تصريحات جنينه المتوالية التي تؤكد أن الدولة تعوم على بحر من الفساد، بينما يدعي النظام محاربته للفساد.
حيث اتخذ السيسي إجراءً كرد فعل حول ما أثير إعلاميًا عن إرتفاع تكلفة الفساد فى مصر إلى 600 مليار جنيه عام 2015، وبعدها وافق السيسى على إرسال تقرير اللجنة المشكلة من قبله إلى رئيس مجلس النواب، وتكليف ما تسمى باللجنة الوطنية لمكافحة الفساد برئاسة رئيس مجلس الوزراء والتى تضم كافة الجهات المعنية بمراجعة كافة البنود التى شملتها الدراسة الخاصة بالجهازي المركزي للمحاسبات محل الفحص.
تقرير اللجنة صدر مشوهًا لما قاله جنينه، حيث أكدت أن تصريحات جنينه شابها ما أسمته بالتضليل وتضخيم الأرقام وفقدان المصداقية، وإساءة توظيف الأرقام والسياسات مما يظهر الإيجابيات بشكل سلبى، وهذا ربما يعتبر رأي النظام وإعلامه فيما قاله هشام جنينه، حيث خرجت وسائل إعلام موالية للنظام قبيل ظهور نتيجة اللجنة لتكرر على الجمهور هذه النتيجة دفاعًا عن النظام.
الجدير بالذكر أن هذه اللجنة تضم عددًا من المسئولين بوزارات العدل والتخطيط والمالية والداخلية وبرئاسة رئيس هيئة الرقابة الإدارية وعضوية نائب رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات وهو شخصية معروفة بعدائها التاريخي مع هشام جنينه تم تعيينها مؤخرًا في هذا المنصب ربما لكبح جماح رئيس الجهاز حتى خروجه من منصبه.
أكدت هذه اللجنة التي شُكلت من قبل الرئاسة لتراقب عمل جهاز مستقل أنها حققت مع رئيس الجهاز فيما أدلى به من تصريحات لتخرج بنتائج ربما مرضية للنظام تقول ما معناه أن رئيس الجهاز يتلاعب بالمعلومات عن طريق التضخيم والتضليل بحسب ما ورد في تقرير اللجنة.
كما أكدت اللجنة أيضًا في سياق تقريرها أن مصداقية تقرير الجهاز غير دقيقة، حيث اتهمت تقرير الجهاز بأنه أغفل الإجراءات الحكومية ضد وقائع الفساد، حيث اعتبرت أن رئيس الجهاز أساء فهم واستخدام الأرقام في الوقائع المختلفة، وهو ما نتج عنه بحسب تقرير اللجنة إساءة استخدام لكلمة الفساد.
انتقلت اللجنة لاتهام الجهاز المركزي للمحاسبات نفسه بالفساد، حيث أكدت اللجنة في تقريرها أنه أثناء عملها وصلتها العديد من المراسلات والشكاوى من داخل الجهاز المركزى للمحاسبات حول سياسات ومقترحات تتعلق بغياب العدالة وعدم الشفافية، بحسب التقرير، ليصبح الجهاز فجأة متهمًا بالفساد.
هذا التقرير يتضح فيه صبغة النظام التي تتصارع مع رئيس الجهاز، هذا النظام الذي فشل حتى الآن في الإطاحة برئيس الجهاز من منصبه، فعين له رقيبًا من النظام نفسه، حتى يتمكن من السيطرة على أداء الجهاز لحين خروج رئيسه إلى التقاعد، ومن ثم يسهل على النظام اختيار ممثله في هذا الجهاز الرقابي.