تُعَدّ الجزائر وفقاً لمساحتها أكبر دولة أفريقية وعاشر دولة على مستوى العالم، وتمتلك ثالث أكبر احتياط نفطي في أفريقيا بعد نيجيريا وليبيا، والمقدرة بما لا يقل عن 12.2 بليون برميل، كما تملك ثاني أكبر احتياط من الغاز الطبيعي بعد نيجيريا، وتصنّف أيضا من ضمن قائمة البلدان العشرة الأكثر امتلاكاً لاحتياطات الغاز الصخري في العالم، ومن جهة أخرى تتمتّع البلاد باحتياط نقد أجنبي يصل إلى 200 بليون دولار، وهو مبلغ كاف لتمويل واردات الجزائر لما يزيد عن ثلاث سنوات.
وفي الطرف المقابل لهذه الأرقام، تتفاقم التـحدّيـات الاجـتمـاعية والاقتـصادية التي تواجهها غالبية الأسـر الـجـزائرية باستمرار، ويشـكو معـظم الجـزائرييـن من تـراجـع جـودة الخدمات الاجتماعية الأساسية، بما في ذلك التـعلـيم والـرعـايـة الصحية والحصول على السكن، وإلى الآن لا تزال معدلات البطـالة مـرتـفـعة، وتصل إلى نسبة 21.5 في المائة في صفوف الـشـباب الـذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 وفقاً لأرقام رسمية، كما تتميز معظم الوظـائف المـستحدثة خـلال العـقد الماضـي بهشاشتها، وزهد أجورها، وعدم تـوفيرها لأي تغطية اجتماعية.
وفي دراسة نشرها مركز كارنيغي للأبحاث العالمي تحت عنوان “اقتصاد الجزائر والفجوة بين الموارد والإنجازات”، ربط الخبير الاقتصادي الحسن عاشي هذا التباين ما بين الموارد والممكنات التي تمتلكها الجزائر والوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي بعجز الدولة عن السيطرة عن الفساد المستشري في البلاد والذي تقوده مجموعة من الشخصيات النافذة داخل كل مؤسسات الدولة.
فحسب ما ذكره الحسن عاشي، حلّت الجزائر في المرتبة 105 من بين 176 بلداً في مؤشـر الفـسـاد للعام 2012 الصادر عن مؤسسة الشفافية الدولية، وفي المرتبة الثـانـية عشرة من بين 17 بلداً في الشـرق الأوسـط وشمال أفريقـيا، كما يشير تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول القدرة التنافسية، أن النظام القضائي في الجزائر يعاني تدخّل أعضاء السلطة التنفيذية وشركات وأفراد أقوياء، ويصنّف التقرير الجزائر في المرتبة 123 من أصل 144 دولة في مجال استقلال القضاء، ما يجعلها تتخلف عن كل بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باستثناء لبنان.
وختم الحسن عاشي دراسته بالإشارة إلى أن تطوير الاقتصاد الجزائري وجعله قادراً على مجابهة تحديات التنويع والمنافسة وخلق الوظائف اللائقة مرتبط بتحسين جودة المشاريع العامة والحدّ من سوء التدبير وتحسين آليات الحوكمة من خلال تفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة، وتعزيز الدور الرقابي للبرلمان وتمكينه من تشكيل لجان لتقصّي الحقائق على أثر فضائح التلاعب بالمال العام، وتعزيز استقلال القضاء وتمكينه من القيام بدوره كاملاً. وما لم تُقدِم الحكومة على هذه الإصلاحات، فإن حظوظ الإقلاع الاقتصادي ضئيلة جداً، على رغم ضخامة الموارد.